المقالات

قمر للبيع

في عالم من الوهم هناك من يسعى للحقيقة والواقعية، وهناك من يسعى لكل ما هو سهل وسريع. وبين هذا وذاك يوجد “بيع الوهم” ذلك المفهوم الذي يمتد عبر تاريخنا البشري وأشكال حياتنا المتعددة. فقدرة الإنسان على التأثير والإقناع تُعَدُّ واحدة من أبرز القدرات التي تميزه عن باقي المخلوقات. ولطالما استخدم الإنسان هذه القدرة لبيع أفكاره ومنتجاته بأساليب متعددة، فهو يمكنه توظيف ذلك وتطبيقه لبيع الوهم الذي يعتمد على إنشاء صور زاهية وقصص مثيرة لبيع فكرة أو منتج أو حتى شخص يبدو أفضل مما هو عليه بالفعل،

وبيع الوهم ليس مجرد تقنية أو استراتيجية فقط، بل وللأسف يُمثِّل حقيقة اجتماعية معقدة. فهو ليس مسؤولية البائعين فحسب، بل هو نوع من التبادل الثقافي يتطلب طرفين: بائع ومشترٍ، فعلى سبيل المثال كثير منا سمع عمن قام ببيع قطع من سطح القمر في السماء لكن الأغرب من ذلك وهو ما يثير دهشتي حقاً كيف أن هناك من يشتريها، ويصدقها، ويعيش حياته وفقًا لهذه الأحلام المباعة… لكن ومن يدري فقد يأتي يوماً يباع فيه جمال القمر وضوء الشمس.

وعلى غرار ذلك، ها نحن اليوم نرى من يبني إمبراطوريات معتمدة على بيع الوهم، وآخرون يكونون هم الجمهور الذي يشترونه، وهذه الديناميكية لا تقتصر على مجال واحد فقط، بل تتجلى في مجموعة واسعة من المجالات، سواء في الإعلانات، أو حتى في العلاقات الشخصية. وللأسف خلال ذلك يصبح هؤلاء “بائعون الوهم” هم المثل الأعلى والقدوة الحسنة لكثير من الشباب ولجيل كامل يسير على خطاهم

فنجاح هؤلاء البائعين أو ما يجب تسميتهم بالدجالين يتوقف على وجود من يصدقهم، فالأشخاص الذين يبيعون الوهم يستخدمون الخطاب الجذاب والصور اللامعة لجذب انتباه الآخرين. كما يقومون بإنشاء قصص مثيرة وصور زاهية تلبي تطلعات الجمهور، ولكن في كثير من الأحيان، هذه القصص لا تمت للواقع بصلة.

ومن جانبهم، يشتري بعض الأفراد ذلك الوهم أو تلك الصورة المثالية التي يعرضها الآخرون. ويتبعون الاتجاهات، ويؤمنون بالرؤى المشرقة دون التفكير في الجانب الحقيقي أو الخفي من الصورة. كما يميلون إلى الانجذاب إلى الخطاب الساحر دون التفكير في الحقائق الواقعية وراءه.

فمن الغباء أن يشتري أحد سمكا في الماء أو يعتقد أنه يمكن شراء الحظ والسعادة. ومن المؤسف أكثر أن كثيرين باتوا يلعبون على هذا الوتر الحساس لأنهم يستغلون ضيق ذات يد البعض وتعثرهم ماديا، فيقومون ببيع الكلام لهم لأنه رخيص،

وبيع الوهم وشراؤه ليست حكايات أسطورية، بل يشكلان جزءًا من تفاعلاتنا اليومية. وقد يكون الواقع أكثر تعقيدًا وعمقًا مما يظهر لنا أيضاً. فالتوازن بين الطموح والواقعية وبين الحلم والواقع يمكن أن يقودنا نحو قرارات أفضل وحياة أكثر توازنًا، فهو المفتاح لتفادي بيع الوهم وشرائه. لذا، كما يجب أن يكون لدينا قدرة على الحلم والتصور بلا حدود، حيث يجب علينا في نفس الوقت، أن نكون واقعيين وندرك الجانب الحقيقي للأمور.

وفي نهاية المطاف، يمكن القول بأن بيع وشراء الوهم أمر معتاد ومتداول في حياتنا اليومية. فكما يمكن للأشخاص الذين يبيعون الوهم استغلال رغباتنا وطموحاتنا لتحقيق أرباح بشكل سريع، فالمشترين هم من يتسببون في ذلك بافتقارهم إلى الأمل والتفاؤل وسعيهم المستميت للحصول على الوهم والهروب من الواقع. لذا على كل منا، أن نتقيد بالواقعية ونعتمد على معاييرنا الشخصية للتقييم واتخاذ القرارات السليمة ونبتعد عن الوهم واختيار السرعة.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

12 ديسمبر 2023 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى