محليات

إمام وخطيب المسجد الحرام: لا يجوز أن تشعر الأمة باليأس وقد بشّرها الله تعالى بالعزة والنصر والتمكين

2016-02-12_170955

 

صراحة – نواف العايد : أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد الغامدي، المسلمين بتقوى الله عز وجل، والعمل على طاعته واجتناب نواهيه. وقال في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام: “تَمُرّ أمة الإسلام اليوم بمرحلةٍ تاريخية غير مسبوقة؛ حيث تتوالى الأحداث الضخام والمتغيرات السريعة التي تدعُ الحليم حيرانَ ويزداد كيد الأعداء وتربصهم؛ مما جعل اليأس والوهن يسري في قلوب كثير من أبناء الأمة، ودبَّ إلى بعضهم الحزن والشعور بالإحباط والعجز، وهم يرون مكر الحاقدين وقوتهم وجلَدهم، ويشاهدون صور القتل والدمار والتشريد، مع تلبّس نفر من أبناء الأمة بأفكار الخوارج والتفجير والتكفير؛ حتى تَكَوّنت عند فئام من الناس صورة قاتمة كئيبة لحال الأمة الإسلامية ومستقبلها، وأحاطت بهم خيالات الوهم المحبط والهزيمة النفسية”.

وأضاف: “لقد حذّرَنا الله في آيات كثيرة من الوقوع في حالة الوهن هذه، والشعور باليأس والحزن؛ حيث قال سبحانه: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَتَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، وقال سبحانه: {وَكَأَيِّن مِن نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا}، وقال سبحانه: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلاَدِ}، وقال سبحانه: {وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَوْحِ اللّهِ}، وأخبر الله سبحانه أن سنته التي لا تتبدل، وعادته التي لا تتغير أنه يُديل على عباده المؤمنين الابتلاء والضعف، ثم تكون لهم العاقبة والنصر والتمكين، ويُهلك أعداءهم ببأسه الشديد وعذابه المهين؛ فأين هي عاد الأولى وثمود وقوم إبراهيم وقوم ولوط وفرعون وأصحاب الأيكة وصناديد الكفر في قريش, أبادهم العزيز الجبار ونصر عباده المؤمنين وأنبياءه ورسله”.

وأردف “الغامدي”: “نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم من شرقها إلى غربها، لا يجوز لها أن تيأس ولا أن تبتئس بما يفعله الكائدون والطغاة المجرمون، ولا ينبغي لها أن تقع فريسة الإحباط واليأس المهلك الذي يشلّ تفكيرها ويعطل طاقاتها وقدراتها ويُفقدها الأمل والرجاء؛ بسبب ما تشاهده وتسمعه كل يوم من مشاهد الأسى والألم والقتل التي تُسهم وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة مساهمةً فعالة في نشرها؛ لتزيد من معاناة المسلمين إرجافاً وإرهاباً وإضعافاً”.

وتابع: “نعم لا يجوز أن تشعر الأمة باليأس وقد بشّرها الله تعالى بالعزة والنصر والتمكين، وخصّها بخصائص كبرى وفضائل عظمى ليست لأحد من الأمم؛ مما يجعلها تفخر بتكريم الله لها، وتباهي الأمم وترفع الرأس عالياً وهي التي اختارها الله واصطفاها؛ فتبوأت عند سبحانه شرفاً عظيماً ومكانة وفضلاً، وإنه لمن المفيد جداً نشر هذه الفضائل الربانية والخصائص الشريفة العلية، وإظهارها لكل مَن يشكّ في نصر الله لهذه الأمة، أو يصاب بالإحباط وفقد الأمل، ولكي يعلم الناس كلهم أن هذه الأمة المحمدية هي التي يحبها الله ويُعلي قدرها، وهي الأمة المنصورة شرعاً وقدراً عاجلاً أم آجلاً، وأن ما أصابها من بلاء ومحنة وتسلط الأعداء ونقص في الأموال والأرزاق؛ إنما هو تمحيص ورفعة وتربية لها لتقوم بما وكلها الله به”.

وقال “الغامدي”: “هذه الخصائص الشريفة للأمة المحمدية ثابتة بنصوص القرآن والسنة، وكثيرة ومتنوعة، وإن أعظمها قدراً وأثراً؛ أن جعل الله محمداً هو نبيها ورسولها؛ فهو أعظم الرسل وأجلّهم، وأمته أعظم الأمم قدراً وعدداً، وهي إن كانت آخر الأمم عدداً؛ إلا أنها تأتي أول الأمم يوم القيامة، وهي خير الأمم وأكرمها على الله، هذه الأمة المحمدية هي أمة الوسط والعدل، جعلها الله شاهدة وحاكمة على الأمم؛ فمن أثنيت عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيت عليه شراً وجبت له النار وهم شهداء الله في أرضه، كما الملائكة شهداء الله في سمائه، وكل نبي يستشهد بأمة محمد، كما تشهد له أنه بلّغ الرسالة كما في حديث أبي سعيد عند البخاري”.

وأضاف: “هذه الأمة المباركة اختار الله لها دين الإسلام ورضيه لها، وهو أعظم الأديان يسراً وسماحة ومحاسناً، ورفع عنها الحرج في العبادات والمعاملات، ووضع عنها الأغلال والآصار والرهبانية الشديدة التي كانت على الأمم قبلنا، ومن كرامتها على الله أنه عَصَمها من أن تجتمع على ضلالة وحَفِظ عليها دينها وقرآنها وسنة نبيها؛ فصمدت صموداً عجيباً أمام كل محاولات الغزو الفكري والثقافي والأخلاقي، ولم يستطع أحد أبداً على مر العصور والدهور تحريف القرآن والسنة لا لفظاً ولا معنى، ومن حاول ذلك فضحه الله وردّه يائساً بائساً”.

وأردف: “من عناية الله بهذه الأمة ورعايته لها، أنه يبعث لها على رأس كل مائة سنة من الحكام والعلماء والمصلحين مَن يجدد لها دينها ويذكّرها بما اندرس من أصول الملة والشريعة؛ أما غيرنا من الأمم فلا يأبه الله بهم؛ فلذلك وقعوا في التحريف والتبديل والضلال”.

وتابع: “قدّر الله تعالى على هذه الأمة أن تكون أقل الأمم عمراً في هذه الدنيا وبقاءً فيها؛ لكنها الأعظم بركة في عقولها ومفهومها وتجاربها، والله سبحانه وتعالى يرزقها من حقائق الإيمان والعلوم والمعارف في فترة وجيزة ما تدركه الأمم الأخرى في أزمان ودهور.. ومن أجل ذلك أصبحت حضارة الإسلام أعظم الحضارات بركة وخيرات وعمارة للأرض، وأزكاها وأنفعها للبشرية من حضارة المادة والشهوات والخواء الروحي، وبسبب قِصَر أعمار أفراد هذه الأمة؛ فهي ما بين الستين إلى السبعين في الغالب، قِبَل الله منها القليل من العمل وأثابها عليه الثواب الكثير المضاعف الذي تفوق به الأمم قبلنا الأطول أعماراً؛ كالأجور المضاعفة المرتبة على الصلاة، والحج، وقراءة القرآن، وليلة القدر، وصيام النوافل، والصلاة في الحرمين الشريفين وفي المسجد الأقصى وغير ذلك”.

وقال “الغامدي”: “من تمام حفظ الله لهذه الأمة والعناية الإلهية بها، أنه سبحانه حماها من الهلاك العام بالغرق أو بالسنين والقحط، ولن يسلط الله عليها عدواً من غيرها فيتمكن منها ويستبيح أهلها وجماعتها ولو اجتمع عليها مَن بأقطارها، وحَفِظها سبحانه من عذاب الاستئصال وليس عليها عذاب في الآخرة؛ أما عذابها في الدنيا بالفتن والزلازل والمصائب، وقضى الله سبحانه أن تكون الكعبة البيت الحرام قياماً للناس، وأماناً لهم، وهدى للعاملين، وجعل مسجد نبيها منارة للعلم، وتكفل سبحانه بالشام وأهله، وأورث سبحانه هذه الأمة المسجد الأقصى وبيت المقدس، وجعله حقاً مشروعاً لها، وفتح سبحانه للأمة كنوز الأرض وخيراتها وجَعَلها تفيض بالنعم الظاهرة والباطنة؛ فهي أمة مباركة كثيرة الخيرات كالغيث لا يدرى أوله خيراً أم آخره”.

وأضاف: “ثبَت في مُسند أحمد قال: (إنكم أمة أريد بكم اليسر)، وعند البخاري: (إن هذا الدين يسر)، وثبت عند الطبراني: (إن الله تعالى رضي لهذه الأمة اليسر وكره لها العسر)، ومن آثار هذا التيسير والسماحة أن الله تجاوز عن هذه الأمة ما حدّثت به أنفسها ووسوست به صدورها؛ ما لم تَكَلّم أو تعمل، وعفا عنها الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، ويسّر لها أمر طهارتها وعبادتها، وفضّلها بالتيمم، وجعل لها الأرض مسجداً وطهوراً، وخفّف عنها الصلاة فهي خمس في الفعل وخمسون في الأجر، وجعل صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة، وفضّلها وخصها بالتأمين خلف الإمام والسلام، وصلاة العشاء فلم يصلها أحد من الأمم قبلنا، وهدانا إلى يوم الجمعة، وأضل عنه الأمم الأخرى، وأكرمنا بالغذاء المبارك السحور الذي هو فصل ما بيننا وبين صيام أهل الكتاب، وأحَلّ للأمة الغنائم التي حرّمها على الأمم قبلنا، ونصرها ونصر نبيها بالرعب؛ فما تزال الأمم تهاب أمة محمد وتُجِلّها؛ لما وضع الله لها من المكانة والهيبة في قلوب الخلق؛ فما أعظم فضل هذه الأمة المباركة وما أكرمها على الله”.

وأردف: “إن العبد ليُدهش من كثرة الفضائل والخصائص التي تَفَضّل الله بها على هذه الأمة المباركة، ويَعجب من تنوعها وشمولها للعبادات والمعاملات وشؤون الحياة العامة والخاصة؛ حتى إن مَن مات يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله عذاب القبر، ومن مات وهو مرابط في سبيل الله أجرى الله عليه أجره إلى يوم القيامة، وحماه من فتنة القبر، وهذا فيه تسلية وبشارة لإخواننا المرابطين على الحدود والثغور؛ فهم في جهاد عظيم وثواب جزيل، وجعل سبحانه مرض الطاعون إذا أصاب أحداً من هذه الأمة رحمة وشهادةً؛ بينما كان هذا المرض رجزاً وعذاباً على مَن كان قبلنا، كما ثبت عند أحمد: (الطاعون كان عذاباً يبعثه الله على من يشاء، وإن الله جعله رحمه للمؤمنين)، وعند الحاكم: (الطاعون وخز أعدائكم من الجن وهو لكم شهادة)”.

وتابع: “لم يجعل الله أجر الشهادة لمن يُقتل في سبيل الله في أرض المعركة فحسب؛ بل شهداء أمة محمد كثير؛ فمن مات بالغرق فهو شهيد، أو مات في الحريق أو تحت الهدم أو أكله السبع فهو شهيد، ومن مات بداء البطن أو بذات الجنب أو بالسل فهو شهيد، والتي تموت في نفاسها شهيدة، ومن قُتل وهو يدافع عن نفسه أو عرضه أو ماله أو سأل الله أجر الشهادة بصدق، بَلّغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه، وكل ذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو كرامة عظيمة لهذه الأمة”.

وقال خطيب الحرم المكي: “هذه الخصائص والفضائل ليست للأمة في الدنيا فقط؛ بل كذلك في الآخرة؛ فهي أول الأمم التي يبدأ بها في الحساب أمام الله تعالى، وحوض نبينا محمد أعظم أحواض الأنبياء وأكثرها وروداً، وتتميز هذه الأمة يوم القيامة بأنهم غر محجلون من آثار الوضوء، سيماههم في وجههم من أثر السجود، وهذه الأمة أول الأمم مروراً على الصراط، وأسبق الناس دخولاً إلى الجنة هم فقراء المهاجرون، يسبقون الأغنياء بخمسمائة سنة، ونبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي يشفع الشفاعة الكبرى للناس في الموقف الأكبر بعد أن يعتذر عنها الأنبياء، وهو الذي يستفتح باب الجنة ولا تُفتح الجنة إلا له، ويدخل الجنة من هذه الأمة سبعون ألفاً بلا حساب ولا عذاب، ومع كل ألف سبعون ألفاً، وفي رواية صحيحة مع كل واحد سبعون ألفاً”.

وأضاف: “أهل الجنة مائة وعشرون صفاً؛ ثمانون صفاً من هذه الأمة المباركة، وأربعون من سائر الأمم، وسيدا كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وسيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين رضي الله عنهما، وسيدة نساء الجنة فاطمة بنت محمد رضي الله عنها، وسيد الشهداء حمزة رضي الله عنه، وكلهم من هذه الأمة المباركة، والمسلمين من هذه الأمة يغفر الله لهم ذنوبهم بالتوبة والاستغفار بلا واسطة ولا قرابين للبشر، وإذا مات المسلم على شهادة التوحيد دخل الجنة، وإذا لَقِيَ الله بقراب الأرض خطايا وهو لا يشرك به شيئاً لَقِيَه سبحانه بقرابها مغفرة”.

وأكد إمام المسجد الحرام أن خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكراماتها أكثر من أن تُحصى، والحديث عنها حديث نافع ومفيد لكي نشكر الله شكراً عظيماً ونُثني عليه الثناء الكبير، أن أكرمنا فجعلنا من أمة محمد؛ فهي والله من أجلّ نعم ربنا علينا التي تستوجب الشكر الدائم لله سبحانه، والتفاؤل والاستبشار, وهي نعمة لها تبعات ومسؤوليات عظيمة؛ فخيرية هذه الأمة حق ثابت، والمسؤولية ملقاة على أبناء هذه الأمة ليُروا الله من أنفسهم خيراً، ويظهروا بالمستوى اللائق بهذه الخيرية.

وقال: “هذا التكريم الرباني ليقوموا بالدين وينشروه في العالمين بالوسطية والاعتدال والسماحة، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ولا يكونوا كالذين اصطفاهم الله ثم أعرضوا وجحدوا نعمة الله عليهم وسعوا في الأرض فساداً؛ فغضب الله عليهم وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت”.

وأضاف: “لا يجوز أن يتخذ البعض مما ذُكر من الفضائل متكأً لمزيد من الخمول والضعف والتخاذل؛ فإن للنصر أسباباً، وللتمكين أسباباً، وللخيرية أسباباً، كما أن لنزول العذاب والعقاب أسباباً، وتلك سُنة الله الجارية التي لا تتبدل ولا تتغير”.

زر الذهاب إلى الأعلى