محليات

الشيخ الثبيتي: الإسلام يدعو إلى التفاؤل والعاقل ينسج أمنياته مستشعراً نعمة الله

صراحة – خالد الحسين :ذكر فضيلة الشيخ الدكتور عبد البارئ الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة اليوم أن الله سبحانه سخر هذا الكون الفسيح وجعله ميداناً لأمنيات الإنسان التي لا تنقطع ، و الناس فيها ما بين مستقل و مستكثر قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ ذَهَبٍ الْتَمَسَ مَعَهُ وَادِيًا آخَرَ وَلَنْ يَمْلَأَ فَمَهُ إِلَّا التُّرَابُ )

وأكد فضيلته أن كل أمنية تمنى لفعل الخير فهي ممدوحة وما كان منها اعتراض على القدر و في تحصيل المستحيل فهي مذمومة ، والتمني يدل على الهم الذي يحمله الإنسان قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ) فهناك من يرنو بأمنية إلى ذرى العز والمجد وهناك من يهوي بأمنيته إلى مهاوي الحفر .

وأصحاب الهمم والعزائم تتسع أمانيهم وبها تزين حياتهم ، والأماني الطيبة من أبواب الثواب العظيمة ، روى أبو كبشة الأنماري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه ذكر أربعة رجال : (رجلٌ آتاهُ اللهُ مالًا وعلمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه يُنفقُه في حقِّهِ ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا فهو يقولُ لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فهما في الأجرِ سواءٌ ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا ولم يُؤْتِه علمًا فهو يخبطُ في مالِه يُنفقُه في غيرِ حقِّهِ ورجلٌ لم يُؤْتِه اللهُ علمًا ولا مالًا فهو يقولُ لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فهما في الوِزْرِ سواءٌ ) .

وأوصى فضيلته بأن الأمنيات وحدها لا قيمة لها ما لم يصاحبها عمل صالح بنية صادقة ومتابعة ومثابرة ، قال تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) ، والأماني ضرب من ضروب الدعاء ، تتحقق بالاستجابة ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، : (إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُم فَلْيُكثِر ، فَإِنَّمَا يَسأَلُ رَبَّهُ )

وذكر فضيلته أن الإسلام يدعو إلى التفاؤل و بث الأمل و الحياة ، ولا تليق به الأمنيات السوداء وتمني الموت و إن اشتدت الفتن قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْراً لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْراً لِي ) ، وتعبّر الأمنيات الفاضلة عن حسن ظن العبد بربه العاقل

والعاقل ينسج أمنياته مستشعراً نعمة الله عليه دون حسد لإخوانه أو تمني ما في أيديهم ، و المسلم يدرك أن تحقق الأمنيات يرجع إلى مشيئة الله وحده فلا يتضجر ولا يحزن لعدم تحقيق الأماني التي يتمناها ، و الخير فيما اختاره الله ، ويشكر العبد ربه في كل أحواله ، قال تعالى : (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )

وأكد فضيلته أن إبليس هو مصدر الأمنيات الواهية وقد تعهد بالسعي لإغراق عباد الله في بحار الأماني الكاذبة من لذة عاجلة وسعادة موهومة، ومن كانت أمنيته تسبح في بحار الأحلام يقظة ونوم بلا عمل وأحاط جسده بالكسل فلن يجني إلا السراب ، ومن يسلك السبل المحرمة لتحقيق الأماني واللجوء الى السحرة والمشعوذين فقد ظلم نفسه .

وفي الخطبة الثانية أوضح فضيلته أن في القبور التي تبدأ فيها حياة البرزخ ترد أشد الأمنيات حرجاً ، فأمنية المؤمن في قبره أن تقوم الساعة لما يرى وينتظره من النعيم و السرور ، أما الكافر فأمنيته في قبره ألا تقوم الساعة لما يرى وينتظره من العذاب الأليم ، يتمنى الميت العودة للحياة لإدراك ما فات من الطاعات ، و ليصلي ولو ركعتين ، ويتمنى الموتى الرجوع إلى الدنيا ليتصدقوا وليذكروا الله و لو بتسبيحه واحده أو بتهليلة واحدة ، والأمنية المؤلمة التي لا محيد عنها نداء الحسرة لأهل العذاب يوم القيامة فالكافر العاصي حينما يأخذ كتابه بشماله و يرى مصيره يتمنى لو كان ترابا وأشرف موقف في رحلة الأمنيات ما يناله أهل الجنة من نعيم الأمنيات و ربهم يجود عليهم ويزيدهم بكرمه.

واختتم فضيلته الخطبة بالدعاء اللهم ارضَ عنَّا بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشكرَ والمُشرِكين والكفر والكافرين يا رب العالمين ، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك ، ، اللهم أظهِر هديَ نبيِّك محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – في العالمين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير ، اللهم أغثنا يا أرحم الراحمين ، اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ باطلاً وارزُقنا اجتنابَه، اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لما تحبُّ وترضَى إنك على كل شيء قدير .

زر الذهاب إلى الأعلى