المقالات

الكرسي دوار

له سحره الخاص.. فهو ذروة الطموح للكثير من البشر، فهو الحلم الذي لا يفارق خيالهم، وهو ما تتهافت عليه قلوبهم قبل أن تتهافت عليه عقولهم، حتى أصبح قاسماً مشتركاً بينهم، وأصبح هاجسهم تجتمع عليها افكارهم، وتعاملاتهم، وتحركاتهم، وخططهم، واستراتيجياتهم وحتى محور حديثهم  إنه ” كرسي المنصب”  فعجيب امر هذا الكرسي الدوار فلا هو يتمسك بجالسه ولا يدرك جالسه بأنه “دوار” فقبل أن يجلس على كرسيه يكون إنسان بشوش، رقيق المعاشرة، نقي اللسان وهادئ البال…..فما أن يجلس المسؤول على “كرسي المنصب” إلا أن تتبدل الخصال و تتغير السلوكيات، فلا ترى سوى غرور واعجاب زائف بالنفس الا من رحم ربي، فهو لا يقبل نصحا، ولا يتواضع لغيره، ويصبح متناسياً أن كرسيه دوار وسيتركه يوماً ليجد من الناس بمثل ما عاملهم به.

إنه “كرسي المنصب” وليس “كرسي المسؤولية”، ذلك الذي يدفع هؤلاء أثماناً باهظة من أجل الحصول عليه، أو ربما لا يكف عن الالتواءات والمناكفات، او النفاق والكذب واستعراض القدرات،

فذاك الكرسي الذي يصطنع سوراً ضخماً، هو الذي يحجب مسؤوله خلف المكاتب الفاخرة والأبواب الموصدة ، وهو ما يجعل صاحبه جاهلا لما يدور في محيطه .. ويصبح غير مكترثاً به او مدركاً له، فهو يكتفي فقط بالتوقيع على اوراقه وقراراته حفاظاً على مظهره.

ولكن غالباً ما نجهل أن المناصب والوظائف تتعلق بالمسئولية والاهتمام بما نقدمه والتأثير الذي نتركه وراءنا ولا يهم المسمى أو الرتبة. فكما يقول المثل، “الحرف يبقى والمنصب يرحل” وهذا يعني أن هذه المناصب والوظائف ليست دائمة، وقد نجد أنفسنا في مواقف تجبرنا على الرحيل عنها. لذا، علينا الاهتمام بما نقدمه في كل فرصة تأتينا وأن نسعى لترك ذكرى إيجابية في مجال عملنا.

فإن نجاحنا ليس في الكرسي أو في المنصب فقط، فالنجاح لا يعتمد فقط على الجهد الذي نبذله والمهارات التي نمتلكها، بل يعتمد بشكل  كبير على العلاقات التي نبنيها وروح الفريق التي نشجعها. فنحن نعمل في بيئة مهنية تتطلب التعاون والتفاعل مع الآخرين، فقد يأتي يوم قد نحتاج فيه إلى مساعدة من زملاء العمل أو رؤساءنا، وبتقديم الدعم والمساهمة الإيجابية سنتأكد من أن نكون في صورة جيدة عند الآخرين ونترك انطباعاً إيجابياً.

وينبغي علينا أن نهتم بجودة العمل الذي نقدمه فقد نشغل مناصب وظيفية مهمة ونحمل مسؤوليات كبيرة، وبالتالي ينبغي علينا أن نتأكد من أن نقوم بواجبنا بأكمله وأن نسعى للتطوير المستمر وتحقيق النجاح وليس النجاح إلا أفعال. فعندما نعمل بجد ونسعى للتفوق، فإن ذلك يظهر في نتائج عملنا وقدرتنا على تحمل المسؤولية، فهذه الأعمال لا تعزل ولا تنسى.

وبالإضافة إلى الاهتمام بتطوير مهاراتنا الشخصية والمهنية. فالتغيير في سوق العمل الحديث سريعاً ومستمراً، وبالتالي يجب أن نكون قادرين على تطوير مهاراتنا بشكل مستمر، والمشاركة في البرامج التدريبية وورش العمل واستخدام الفرص المتاحة لزيادة معرفتنا وتعلم المهارات الجديدة. وهذا ليس فقط يعزز فرصنا في الاستمرار في المناصب والوظائف الحالية، بل يمنحنا أيضاً القدرة على الانتقال إلى مجالات عمل جديدة وتحقيق نجاح جديد. وفي النهاية إن المناصب والوظائف ليست دائمة وأنها قد تتغير في أي وقت، لذا فكن ذا أثر طيب حتى تدوم ذكراك، حتى وإن دار الكرسي بك وتناساك. وفي النهاية لايبقي الا جميل الاثر.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

27 أغسطس 2023 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى