المقالات

الأعداء من منظور آخر

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

الحياة ليست طريقًا ممهدًا ولا ساحة للاحتفاء الدائم، بل هي خليط متناقض من التجارب والمواقف، ومن بين تلك الاشياء التي قد تثير في نفوسنا التحدي والقلق على حد سواء، هي فكرة وجود الأعداء، ذلك المصطلح الذي يثير شعورًا بالغموض والذي في الوقت ذاته يحمل سرًا عميقًا يفوق مجرد التحدي. لكن ماذا لو كان العداء ليس مجرد اصطدام شخصي أو تصادم أفكار، بل أداة خفية لإعادة تشكيل الذات ورحلة لاستكشاف أعماقنا؟

فالعدو ليس فقط شخصًا يقف في طريقك، بل هو انعكاس مشوه للذات وإنه مرآة تُبرز نقاط الضعف التي نحاول طمسها، والعيوب التي نخشى مواجهتها. وفي سعيه الحثيث لمهاجمتك أو كشف أخطائك، يقوم بتعريتك أمام نفسك. لكن هنا تكمن المفارقة؛ فالعدو الذي يعتقد أنه يهدمك ربما يكون أكثر من يساعدك على بناء نفسك. فهو كالنحات القاسي الذي ينحت ملامح القوة في أعماقك، دون أن يدرك أنه يصنع منكَ شخصًا أقوى وأكثر صلابة.

ثم أن هناك ذلك الدافع الخفي الذي يخلقه خوفنا من نظرات الأعداء وانتقاداتهم. إنه شعور يجعلنا نحرص على تحسين أدائنا، سواء في عملنا، أو علاقاتنا، أو حتى في طريقة تعاملنا مع الحياة، ولعل هذا الحذر يدفعنا لأن نصبح أكثر انضباطًا ودقة في كل ما نفعل، وهو أمر يساهم بشكل مباشر في تعزيز نجاحاتنا وترسيخها.

فالخوف من الأعداء شعور طبيعي، لكنه قد يصبح وقودًا للإنجاز لما يدفعك له من تيقّظ وحذر وعمل متقن. فكل خطوة تخطوها تكون موجهة ليس فقط للنجاح، بل لتفادي النقد أو السقوط في فخ الانتقاد اللاذع. وكأنك في سباق غير مرئي، تدرك فيه أن خط النهاية ليس فقط نجاحًا يُحتفى به، بل أيضًا لحظة انتصار داخلي، حيث تدرك أن عدوك قد دفعك دون وعي، إلى تجاوز حدودك وتحقيق ما كنت تظنه مستحيلًا.

لكن الأمر لا يقتصر على النجاح فقط؛ فوجود الأعداء يكشف عن جانب أعمق من الحياة. إنه يدرّبنا على مواجهة الصعوبات ويمنحنا درسًا عمليًا في بناء المرونة النفسية. فعندما نعتاد على مواجهة الشخصيات الصعبة والتعامل مع المواقف السلبية، نصبح أقوى وأكثر قدرة على التعامل مع الحياة بكل ما تحمله من مفاجآت.

فالحكمة الحقيقية تكمن في إدراك أن كل شيء في هذه الحياة يحمل رسالة. حتى الأعداء، الذين نعتقد أنهم يقفون في طريقنا، قد يكونون أحد أهم معلمينا. فالحياة تعلمنا أن العداء ليس دائمًا أمرًا سيئًا، بل قد يكون أداة نادرة لدفعنا نحو الأفضل، ولتذكيرنا بقيمتنا، ولتعليمنا المرونة والشجاعة.

لذلك، إذا شعرت يومًا بأن وجود الأعداء يثقل كاهلك، تذكر أن الله ربما يخبئ لك في ذلك العداء خيرًا عظيمًا. وأياك أن تكره شيئًا وهو خير لك، فالنجاح والنضوج لا يتولدان من الراحة، بل من مواجهة التحديات واستثمار كل ما تقدمه الحياة، حتى وإن كان في صورة أعداء.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

السبت 04 يناير 2025

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

 

زر الذهاب إلى الأعلى