المقالات

الجمال في الكلام

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

إنّ للكلام جمالًا لا يُقاس بمجرّد الألفاظ، بل بما تحمله الكلمات من صدق، وعاطفة، وتأثير. الكلمة الطيبة نور، وقد تكون سببًا في تصحيح مسار حياة، أو ترميم قلب مكسور، أو إشعال شرارة أمل في روح منهكة.

قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “الكلمة الطيبة صدقة”، وفي هذا الحديث إشارة عظيمة إلى أن الكلمة الحسنة تُعدّ عملاً خيرياً يثاب عليه الإنسان، لما تحمله من أثر نفسي وروحي على المتلقي.

الفيلسوف سقراط كان يرى أن الكلمة يجب أن تمر بثلاثة فلاتر قبل أن تُقال: “هل هي حقيقة؟ هل هي طيبة؟ هل هي ضرورية؟” هذا الفحص البسيط يجعل من الكلام فنًا مسؤولاً لا مجرد تواصل عابر.

ويقول أفلاطون: “حين يكون الكلام هو الزينة الوحيدة للإنسان، فليجعل منه تاجًا لا يُنتزع.” وهذا يؤكد أن جمال المرء لا يُقاس بالشكل فقط، بل بما ينطق به لسانه.

أما جلال الدين الرومي فقد قال: “كُن مثل الشجرة؛ صامتًا ولكنك تمنح الثمر، ولا تكن كالشوك يصرخ في وجه من يلمسه.”، وهو تشبيه بليغ يُبرز أهمية اللين في القول وثمار الكلمة الطيبة.

وفي الحياة اليومية، نلمس جمال الكلام في مواقف بسيطة: كلمة شكر من معلم لتلميذه تشعل فيه الثقة، وعبارة دعم من صديق تُعيد لمنهك طاقته، واعتذار صادق يُعيد بناء جسور مهدّمة.

وقد قال الفيلسوف فرنسيس بيكون: “الكلام يُظهر جوهر الإنسان أكثر من أفعاله.”، لأن الإنسان قد يضطر أحيانًا إلى الفعل دون قصد، لكن الكلام يعكس النية بشكل واضح، خاصة حين يكون عفويًا.

كما يرى ابن المقفع أن البلاغة ليست في كثرة الكلام، بل في اختياره، حيث يقول: “إذا تمّ العقل نقص الكلام.”، أي أن الحكمة الحقيقية تُختصر في كلمات قليلة لكنها عميقة، وهو من أوجه الجمال في التعبير.

الكلام الجميل لا يحتاج إلى تكلّف، بل يحتاج إلى إحساس حيّ، وذوق راقٍ، وفهم عميق لمعاني الرحمة والتقدير. في زمن ازدادت فيه الضوضاء والمشاحنات، أصبح من الضروري أن نُتقن فن الكلام كما نُتقن فنون الحياة الأخرى.

فلنجعل من كلماتنا مرآة لأخلاقنا، وزهرة نهديها لمن حولنا، فالجمال في الكلام لا يزهر إلا من قلبٍ جميل.

 

الكاتب/عبدالرحمن جزاع المعبهل

الثلاثاء 22 إبريل 2025 م 

 

زر الذهاب إلى الأعلى