الركب المكي

ما يعرف بالركب المكي فيما مضى المتعارف عليه بالرجبية أو الزيارة الرجبية فيما سبق بالمجتمع المكي من المظاهر الاجتماعية بين القبول والرفض، والأكثرية الرفض مظاهر غيرمقبوله لما يصاحبها من محاذير شرعية، وعادات مخالفة الشرع.
الدولة وفقت الحد منه حتى درجة الاضمحلال ثم الانعدام إلا ما خفي. صورة هذا الركب على نحو ما يلي:
مثل هذه الأيام من شهر رجب تكثر الاستئذانان والاجازات من القطاعين العام والخاص من أجل الزيارة الرجبية للمدينة المنورة. جرت العادة عند احياء مكة المكرمة دون سائر الامصار الإسلامية. تستعد الأسر المكية ذات المنشأ وليس الأصل لزيارة المدينة المنورة عادة لا عبادة يصاحبها ما يصاحبها مزمار واهازيج، وموشحات ما يعرف (بالزيارة الرجبية) إلى جانب هذا هناك حدث كبير يعرف ب (الركب المكي). يخرج من كل حي ثلة من الرجال تحت إشراف ومسؤولية (عمدة الحي)،
هذا الشغل الشاغل لكثير من أهالي أحياء مكة المكرمة. يتم تجهيز الدواب (الحمير) من تغذيتها وشراء أجمل السرج و الحبال الملونة التي تزين بها الدواب والدناديش بأفضل الحلل، كما يتم عمل صبغات معينة (الحناء للدواب) لإبراز مواهبهم أمام بقية تلك الاحياء ، وهناك أشخاص معروفين بتزيين ( الحمير) يعرفون بلعير لمهارتهم بتزين الحمير أو العيرة مفردها عير .
اشتهر حي (الشبيكة) بالأفضلية ، والتنظيم ، والانضباط ، وجمال الركب ، والاداء المنفرد ، والمتميز عن بقية الاحياء المكية .
إنطلاق الركب في أول جمعة من شهر رجب تنطلق قوافل الدواب وتمر من الممر الوحيد في ذلك الوقت : حي (جرول) وطوى تحت إشراف عمدة كل (حي) ، مصطحبين المزمار ، والمزمار دخيل على المجتمع المكي لم يعرف ، وهم يرددون أحلى الأهازيج المستوردة حسب ثقافة أفراد بعض الشعوب الإسلامية المستوطنة بمكة المكرمة ، ويستمتع أهالي مكة المكرمة بتلك المناظر غير المالوفة ، والأصوات الندية ، والموشحات ، وهم يودعون تلك الثلة ، وللركب شيخ يتأمرون بأمره . تعد تقاليد قديمة بمكة المكرمة تعودوا عليها سنوياً ، وموروث من رحم ثقافات شعوب مختلفة لا أصل لها من الشرع ، وانزلوها منزلة الوجوب ، ولم يقوم بها السلف الصالح ، ولا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان في منأى عن المدينة المنورة بل الصحابة رضوان الله عنهم بمكة المكرمة لم يقوموا بالزيارة الرجبية ، ولا من كان منهم بالطائف يتقدمهم حبر الأمة . موكب ينطلق بالراغبين زيارة المسجد النبوي على الدواب المزينة والمرنقشة ومدندشة . يصاحبها الحداء والمزمار ، والموشحات ، ويكون تجمعها بوادي فاطمة حيز (الجموم) جنوب شرق الوادي عند طعس بلعير تتجمجم بها العيرة ( الحمير ) بجوار عين مغيضة تحيطها طعوس بن رزين ، والبرة والراجحي ، ومزارع الصيرفي ، وعين الشريعة ، وهذا الموقع يبعد عن مكة المكرمة ٢٠ كيلاً ، ويسبق الركب الطهاة للموقع المشار إليه سالفاً ، وتستريح بعين الزعفراني طعوس بلعير ، وتتعشى بها قبل المغادرة ، والمسرى بعد منتصف الليل ، والحمير تسير حثيثة مسرعة بما فيها من جهد .
الركب له برتوكول خاص به في توديع الركب من مغيضة بالجموم ، وإستقباله بالمدينة المنورة ” ابارعلي “، وكذلك العودة بمكة المكرمة .
يبداء كل حي بلعب (المزمار) والأناشيد والاهازيج بالصخب إلى وقت متأخر من الليل ، وفي الصباح الباكر يودع كل عمدة أهل (الحي) المتجهون للمدينة المنورة ، والركب بعد العشاء ، ومنتصف الليل ينطلق متوجهاً للمدينة ، ويتقدمهم ثلة من الاشراف بينما تمتنع القبائل المكية من المشاركة .
وتستغرق الرحلة عادة (١٢) يوماً ؛ ويكون التجمع في (أبيار علي)
وتبدأ مراسم دخول المدينة المنورة يتقدم الركب كبار السن ، والشخصيات المؤثرة ، وتنطلق الأهازيج والمدائح النبويه نحو( باب السلام) . ما يسمى بالتزهيد الذي كان يصاحب الركب ، وبالذات في بدايته ونهايته ، رحلة الركب . لم يعرف لها تاريخ بداية ولا نشأة . هذا الركب المكي على حد علم الكاتب . نستشفّ نشأته مع المحمل الفاطمي في عصر بزوغ دولة الفاطمية ، وانتشار البدع والخرافات بوجودها . أما عصرنا الراهن لم تعد تذكر في الوقت الرهن بفضل القيادة الرشيدة . إضمحلت شيئاً فشيئاً بفضل جهود الدولة الموفقة للقضا على كل بدعة وخرافة تخالف السنة المحمدية لما يصاحبها من منكرات ومحاذير شرعية أنما حالات نادرة وفردية خلصة من يقوم بهذه الزيارة الرجبية . بظهور المركبات استبدلت بدلاً من الحمير .
لا يعرف بداية تاريخ ظهور الركب المكي إنما ظهوره ببزوغ ظهور الدولة الفاطمية العبيدية ، وعززت من وجوده الظاهرة الدولة العثمانية القبورية ، ووجدت من يساند هذه البدعة من المتصرف العثماني بمكة المكرمة في ذالك الزمان ، وبعض ما جلب من بعض اقطاب الامصار الإسلامية استيطانهم بالحرمين الشريفين مكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، فاستحسنت البدعة ، ووجدت من يناصرها .
الحمدلله على ماتبذله الدولة من قطع دابر هذه البدعة ما يصددم بالشرع ، ويتضارب بالعقيدة .
دام عزك ياوطن ، ودام سلمانها سلمان الحزم خادم الحرمين الشريفين ، وولي عهده الأمين محمد العزم مهندس رؤية الوطن العظيمة ، ودامت القيادة الرشيدة . مجففه منابع مثلث الشر الإرهاب والإرجاف والفساد .
بقلم/ خالد بن حسن الرويس
الثلاثاء 21 يناير 2025 م
للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )