المقالات

السجما

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

تخيل أنك تدخل غرفة مزدحمة تتداخل بها الأصوات وكأنها سباق لا ينتهي لإثبات الذات. ووسط هذا الضجيج، هناك شخص يجلس بهدوء في الزاوية، لا يرفع صوته ولا يلوّح بيديه، لكنه مع ذلك يجذب انتباهك.  ليس لأنه يحاول، بل لأن حضوره يحمل نوعًا من التميز الهادئ. فهذا هو ما نطلق على شخصيته “السجما”، فهي شخصية لا تسعى لفرض نفسها ولا تبحث عن القبول، ومع ذلك تترك أثرًا عميقًا في كل من يلاحظها.

فالسجما ليست شخصية عادية ولا تتبع التصنيفات التقليدية. ليست ألفا تتصدر المشهد، ولا بيتا تتبع الآخرين، بل هي نقطة مستقلة تمامًا، تسير خارج الخطوط المرسومة. فما يجعلها استثنائية ليس فقط قدرتها على الابتعاد عن الصخب، بل في ذلك السلام الداخلي الذي ينعكس على وجودها كله. فالقيادة تأتيها دون طلب، والتأثير يتبعها كما يتبع الظل صاحبه. والقوة هنا ليست في الهيمنة، بل في الحضور الطبيعي الذي لا يحتاج إلى تصنع أو إثبات.

ففي عالم يعشق الترتيب والمنافسة، تبدو السجما وكأنها تعيش وفق قواعدها الخاصة. فهي لا تسأل عن مكانها، ولا تخضع لقوانين الانبهار السائد. وبينما يسعى الآخرون لجذب الأضواء، تقف السجما في الظل بثقة ترى العالم بعيون مختلفة، وتلاحظ ما يتجاهله الآخرون، وتصغي لما لا يجرؤ كثيرون على سماعه. وحين تتحدث تحمل كلماتها وزنًا يفوق حجمها، كأنها تخترق الفوضى المحيطة لتصل مباشرة إلى القلب.

وما يميز السجما حقًا هو اللااحتياج. إنها لا تحتاج إلى تصفيق الجمهور، ولا تخشى الوحدة، لأن اكتفاءها ينبع من الداخل. فهذا اللااحتياج ليس عزلة، بل انسجام نادر مع الذات. فالسجما تذكير هادئ بأن القوة الحقيقية تكمن في أن تكون كما أنت، بلا أقنعة أو تصنع. إنها ليست حالة يمكن تقليدها، بل فلسفة حياة تعكس التوازن الكامل بين الداخل والخارج.

إن وجود شخصية السجما يكفي ليغير ديناميكيات المكان. فقد تجد نفسك تحاول أن تفهم سر هذا الحضور القوي أو حتى تسعى لتقليده، لكن السجما ليست نموذجًا يُحاكى. فهي شخصية تدعوك دائما للتفكير… ماذا لو توقفنا عن الركض وراء القبول الخارجي وبدأنا في الاهتمام بسلامنا الداخلي فقط؟ وكلامي هذا لا يعني أنها شخصية رافضة للعالم، بل أن لها طريقتها المختلفة للتفاعل معه، حيث لا حاجة لإثبات الذات لأن القناعة الحقيقية تأتي من الداخل.

فالسجما ليست أسطورة أو حلمًا بعيد المنال، بل تذكير بسيط بأن الحياة ليست سباقًا دائمًا. فهي دعوة بسيطة لتحقيق التوازن النادر، حيث لا تضطر لإخفاء حقيقتك أو السعي خلف ما لا تحتاجه. ففي عالم يضج بالفوضى، السجما هي الصوت الصامت الذي يذكّرنا بأن التأثير الحقيقي يبدأ حين نصل لنقطة سلام مع أنفسنا.

الكاتب / طارق محمود نواب

السبت 25 يناير 2025 م 

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى