المقالات

السحر والجن في القرآن (مقال بحثي)

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

عبر التاريخ إلى يومنا الحاضر صال وجال الكثير من المورثات والأفكار حول السحر بل وأُستغِل من الساحر بالحيل والافتراء للتجارة ومن جانب المُعالج بالرُقية للتجارة ايضاً، فلا هذا صادق ولا ذاك والكل أستغل جهل الناس في صالحه الخاص. مصدر التشريع واحد وهو كتاب الله ولكن أخذت الكثير من مصادر التشريع من القصص السلفية والروايات وحوارات وقياس وإجماع وغيره وأمتزج على البشر الصحيح والخطأ وما بين الواقع والخرافة، وتُرِك المصدر الرئيسي للتشريع وهو القرآن الكريم وقال الله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾(الإسراء: 12)  وفي الآية الكريمة وضح أن كل شيء وجِّد بالقرآن وليس جزء من الشيء، حتى أن الشرائع المطلوب من البشر إتباعها وفق الحديث النبوي حُدِدت بالاسم في القرآن قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾(النور: 56) ولكن من المؤسف اليوم أُخذت المورثات للتشريع والقرآن للقراءة والعبادة فقط. وبعد البحث في تفصيل القرآن وبعد البحث في العديد من كُتب تعليم السحر وبعد التحقيق ومقابلات التحريات الصحفية مع ممارسي السحر وتحليلها من حيث مصداقية وجود السحر ومن حيث أعماله ومداها. نبدأ في الآية الكريمة قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ (سورة البقرة: 102) في هذه الآية أدّعوا بعض المفسرين أن الملَكين هاروت وماروت نزلوا في الأرض ليعلمون الناس السحر  وأنهم اعترضوا على خلق أدم عليه السلام فعاقبهم الله بنزولهم للأرض وارتكبوا الفسق والفجور فنزلت هذه الآية لتنكر ما يدعون، (ما) هي تفيد النفي باللغة العربية وتعني نقض هذا الادعاء الذي روي، فكانت الأيات واضحة ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ﴾  وكما ذكرت سلفاً الـ(ما) هي حرف نفي، تدخل على الفعل المضارع والماضي للعاقل فتنفيه وفق زمنه يمكن مراجعة كتاب المرجع الكامل لقواعد اللغة العربية للمؤلف فؤاد نعمة بالصفحة 162و163 وعمرو بن عثمان بن قنبر الملقب بـ سيبويه وهو عالم من علماء النحو بالصفحة 117، وأكمل الله تعالى من بعد النفي الادعاء كامل، والذي يثبت أن الملائكة منزهين لا يعصون لله أمر ولا يفسقون قولة تعالى: ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ﴾(سورة الحجر:8) ويبين في هذه الآية أن الملاكة لا تنزل بالباطل والفجور، ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾(سورة الحجر: 30) هنا يبين بالقرآن الكريم جزماً أن الملائكة جميعهم سجدوا لا يوجد معترضين إلا إبليس، وإبليس لم يكن من الملائكة بل كان من الجن لقوله تعالى:  ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ (سورة الكهف:50) وهذه الآية توضح أن إبليس من الجن ولكن استثناه الله من بين الملائكة لأنهُ يوجد في اللغة العربية ما يسمى (بأسلوب التغليب) حيث ينادى الجميع باسم الأغلبية، وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا َّلا َيتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا﴾(سورة النبأ: 38) وهنا توضح الآية شدة طاعة الملائكة لله لا يتكلمون إلا بإذنه ولا يقولون إلا صواباً، فكيف لهم أن يُعَلمون الناس السحر والفجور؟ فما فسره البشر كان نقيض تماماً لما قاله الله ولكن لا عجب، فقد أقترن الجن والأنس في القرآن في أثنى عشر آية وكان 9 منها بدأت بالجن ويليها الإنس في كل الآيات ذات الموعظة أو وعيد في سورة (الأنعام:130)، (الأعراف:179،38)، (النمل:17)، (فصلت:29،25)، (الأحقاف:18)، (الذاريات:56)، (الرحمن:33)، إلا في الأخلاق الشيطانية والتكذيب بكتاب الله والكذب على الله كانوا الإنس أخطر من الجن فقدموا الإنس على الجن في سورة (الأنعام:122)، (الإسراء:88)، (الجن:5)، فلا عجب من تكذيب كتاب الله ويسمون ذلك تفسير! عندما يقول الله وعد فوعده صادق وعندما يقول الله معلومة فمعلومته صادقة وعندما يجمع فهو يعني الجميع وعندما يُجزئ فهو كذلك، ولا نحتاج إلى القصص والمورثات لنفهم القرآن. عندما تحدث الله تعالى عن الشيطان لم يكن مخلوق منفرد بذاته بل الشيطان يكون في الأصل جني أو يكون في الأصل إنسي، فالشيطان هو كل جني وإنسي مجرم كما وصف الله المجرمين في 54 موضع في القرآن هم أولئك الكاذبون المؤذون الذين يعبثون بالأرض فساداً. المفاهيم السابقة هي سبب لفِهم قلب السحر ماهي حقيقته ومداه.  السيطرة على الجان والتعامل معهم بالخير والود والفائدة لا أصل له ولا حقيقة له وهذه كانت من معجزات النبي سليمان قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ (سورة ص آية 38) وسخر الله لهُ الريح والجن وفعلاً لم يبقى بعد سليمان لا كِتاب مُنزل ولا إِرث عمراني ولا إِرث حضاري فلم يبقى لأحد من بعدهِ شيء، وهذا يدل بشكل واضح أن تواصل الجان مع الإنس لجوانب النفع والتعاون غير موجودة بالأصل فهي ماتت بعد موت سليمان عليه السلام، كما اجزم الله تعالى في كتابة الصادق وقال تعالى: ﴿يرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ (الآعراف:27) فقد أخبرك ربي جازماً أنك لن تراهم ولن تراهم، فكل من يدعي رؤية الجن لابد أن يتعالج عقلياً فحتى السحرة لا يستطيعون رؤيتهم وهنا نتحدث عن الرؤية فقط، وفي علم المخ والأعصاب يشرح فصوص المخ ووظائفها حيث أن (الفصان الصدغيان) اللذان يشاركان في السمع والشم وفهم اللغة موجودان على جانبي المخ، وترتبط الاضطرابات (مثل الصرع) في هذا الجزء من المخ بأحاسيس الخوف مثل الشعور بوجود كائنات مخيفة أو سماع أصوات خارقة للطبيعة ويمكن التعمق من خلال القارئ في علم المخ والأعصاب ومعرفة المزيد. وأما التواصل الضار بالسحر فهذا باب مليء بالفقر المعرفي وفيه الكثير من الجهل فقدرة السحر ضعيفة جداً وإيذائه محدود ومن يتعامل به في الأصل تجدونهم من بيئة نائية ولم يحظى على تعليم بل جهلاء ومغيبين عن الحقيقة وسهل استغلالهم من شياطين الجن. لنتمكن من فهم مدى السحر لابد أن نفهم الجن أولاً، فالجن مخلوقات عاقلة واعية وتدرك وذكية ولا تحترق بالقرآن كما يدّعون، القرآن أُنزل على الجن كما أُنزل على الإِنس قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذايات:59) و(إلا) تفيد الحصر بمعنى التخصيص وكما قُدِموا فيها الجن على الإنس، فـ الله سبحانه وتعالى لا يأمر خلقه أن يؤمنوا بما يحرقهم، قال تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ۖ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ (الاحقاف:29)  وفي هذه الآية نوضح الفرق بين الاستماع والإنصات، الاستماع هي عملية بسيطة تعتمد على وظيفة الأذن، أما الإنصات فهو التأثر والتعمق بكامل الحواس والإدراك والانتباه، فعندما أستمع الجن إلى القرآن كانوا غير مسلمين ثم ذهبوا إلى قومهم مُبلغين ولو كان القرآن يحرق لأحرقهم آنذاك. للسحر محدودية للتأثير بالضحية كما يؤثر الإنسان على إنسان أخر، فالحدود التي يعمل عليها السحر الوسوسة إلى حد الكوابيس والضغط النفسي والشك والظن والحزن والوهن والهم والغم وبعد ذلك يتبعها الأثر في سلسلة من العوامل النفسية والاضطرابات العقلية يصل الشخص إلى الهلوسة وهذه الهلوسة سبب لكل الادعاءات في ما يرونه وما يسمعونه لأنها بسبب تراكم الضغوط الذهنية والنفسية ولا يصل الإنسان إلى هذه المرحلة إلا عند الاستسلام والاعتقاد بأنه المستهدف والمنفرد بإصابته بهذا السحر فيبدأ يعيش دور الضحية والمرض والخيالات يسمع ويرى ما ليس موجود سوى برأسه، فالشيطان ضعيف ومحتال لا يتمكن إلا من الجاهل الضعيف مثله هذا ليس رأي بل حقيقة كل ساحر يعيش الجهل والضعف والفقر قال تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾(البقرة:268)، ولو طُلِب من إنسان الاحتيال لبحث عن الضعيف والجاهل ليتمكن منه؛ لأن الشخص الواعي والذكي والواثق لا يقدرون عليه شياطين الإنس والجن، قال تعالى: ﴿إن كيد الشيطان كان ضعيفا﴾ (النساء:76) لا يستطيع اذيتك ولكن أُعْطي الشيطان فوق استحقاقه من الاهتمام فتمكن. فضلاً أن الوهم يصيب أي إنسان وبمستويات مختلفة ومن يعطي الوهم مجال سيسقطه في حالة وهمية مرضية تسمى في الطب النفسي (الضلالات النفسية) وكما وصف كارل تيودور ياسبرس بروفيسور في الطب النفسي عام 1913م وبعد الإشراف السريري على المرضى وجد أن “الأوهام المرضية هي أفكار خاطئة يراها المريض صحيحة بالرغم من شذوذها وبُعدها عن الحقيقة ومهما قدمت له من أدله أو عرضته للخبرات التي تثبت خطئها يستمر بتصديق وهمه” ومن الأمثلة التي قالها المرضى يتوهمون أنهم موتى ويعتقدون أن وجودهم غير صحيح وأخرين يتوهمون أنهم نوع من الحيوانات ويعيشون هذا الدور والبعض الأخر يتوهم أنه به مرض ويستشعر أعراضه برغم عدم وجوده فيه لمجرد قرأته لأعراض المرض يبدأ يستشعر بشكل مباشر … إلخ، وكما صنف أيضاً لهذا الوهم أنواع ومنها “إدراك وهمي مرضي، فكرة وتصور وهمي مرضي، وعي وهمي مرضي”، والوهم هو من يجعل قناعة المريض يصدق بأن داخله جني بالرغم من أن الله جعلهم كيان مادي في عالم مستقل فلقد قُرن الجن والأنس في 12 موضع موجهة لهم الدعوة والثواب والعقاب على حدٍ سواء وقال الله تعالى: ﴿تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (السجدة:2) والعالمين جمع كل مخلوق عاقل وهم الجن والإنس والعاقل لا يسكنون دورات المياه كما يدّعون، ولا يأكلون القذارات ولا ينتظرون الأنس يبنون لكي يسكنوا، فلهم عالمهم المادي الخاص بهم بل وجِدوا الجن في الأرض قبل الإنس، الجن لا يدخلون جسد إنسان فالكيان المادي المستقل لا يدخل كيان مادي مستقل ولكن شياطين الأنس يؤذون إنسان خارجياً وشياطين الجن يؤذون جن خارجياً وشياطين الجن يؤذون البشر خارجياً وكما أن البشر يؤذون البشر مثلهم بما يسمى التحريض والتشكيك والتغرير إلى أن يغسل دماغه كذلك يفعلون الجن بالإنس إلى أن يدخل بالوهم ويغسل دماغه ولا شيء أكثر من ذلك، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ (البقرة: 275) هذه الآية الوحيدة بالقرآن التي ذكرت لمس الشيطان ومعنى الآية واضح جداً (الْمَسِّ)  معناها لمس الشيء، وجذر المفردة هو مسّ الشيء: لمس الشيء وكما ورد في معجم اللغة العربية للدكتور الأستاذ أحمد مختار عمر بالصفحة رقم 2097 المفردة رقم 4824- م س س ( مسّ مَسَسْتُ ، يُمسّ، امْسُسْ، مَسًّا، فهو ماسَ، والمفعول مَمْسوس، مس الشيء: لمس الشيء)، فضلاً أن الّمسّ ذُكِر في 57 موضع بالقرآن قال تعالى: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَر﴾(آل عمران:47) و قال تعالى: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾(البقرة: 236)  وقال تعالى: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾(القمر: 48) ومعنى سَقَرَ نارٌ حامية، شديدة آكلة للبدن، مُذيبة للعظم واللّحم، مؤلمة أشد الإيلام، قال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾(الأنبياء: 83) والمسّ كانت في كل مرة تعني ملامسة خارجية وهي ملامسة إنسان لإنسان أخر ومرة ملامسة العذاب لجسد الإنسان ومرة ملامسة المرض وإصابة جسم الإنسان حيث أن أيوب عليه السلام أُصيب بمرض جلدي، فلا يوجد مؤشر لكي يُفَسر مس الشيطان أنه دخول إلى جسد إنسان! كما أن كُتب السحر على نوعين كتب تدرس السحر بأسماء شياطين الجن وكتب بأسماء الملائكة وكلها تتفق في استخدام الآيات، لكل أصحاب ديانة لديهم نفس الكتب ولكن مرة بأدعية وآيات من القرآن ومرة من الإنجيل ومرة من التوراة والهدف منها هو إقناعك بأنها مليئة بالخير التقي بل وتجد من يتعامل بهذه الكتب عليه مظهر التقوى شكلاً وهذه خدعة لاستيلاب الإنسان بالعاطفة العقائدية، كلها تجارة لكسب المال مليئة بالهراء والذين يدعون “بسببها سيعجل الله الاستجابة”، فلو أخذنا مثال من كتاب شمس المعارف الكبرى وهو من أكبر كتب السحر حيث أن الكتب الأخرى مثل (كشف الكروب، تسخير الشياطين في وصال العاشقين، كشف الأسرار المخفية، المنديل والخاتم السليماني والعلم، شرح العهد القديم… إلخ) كلها كتب تميل للتخصصية في ركن معين من السحر وخلاف شمس المعارف الكبرى كان يشمل جميع تخصصات السحر لهذا السبب سُمي (كُبرى)  ويحتوي على أربعون فصل بعدد 616 صفحة ويتعامل مع العلويات والسفليات من شياطين الجن حيث أن هذه الكُتب جميعها لا تعمل بما يسمى تحضير الجان فلا أحد يحضر بمجرد القراءة ولا تطلب قرابين ولا تطلب كفر بل تطلب النية والاعتكاف على دراسة الكتاب في خلوة الذي سيأخذ أشهر وأشهر وأشهر من ضياع العمر والعمل بموجبه وبكل ما يحتويه، فالكتاب صعب جداً وليس مفهوم بسهولة وليس سهل تطبيق طلاسمه فهي تشرح بالأقطار والزوايا والتوازي والأرقام والمعادلات الرياضية من طرح وقسمة وضرب وكسور واستخدام الأحرف ومعاني كل حرف وكتابة كل حرف ومواضعها وقصة طويله في هذا الكتاب، وكل هذا العناء على نتائج عبارة عن زرع الوهم في الشخص بينما يستطيع الإنسان تحقيق كل رغباته بالوعي والواقع الحقيقي دون وهم وغسيل دماغ، والأدهى من كتاب شمس المعارف الكُبرى هو شمس المعارف الصُغرى والذي يتعامل مع العلويات من الملائكة وبمعنى أخر لا يوجد في المعارف الصغرى أي أسم شيطاني على الإطلاق كل ما فيه هو آيات من القرآن ودعاء وأعمال مليئة بأسماء الله الحسنى والملائكة المعروفة أسمائهم بالقرآن حيث أن التعامل معها بهدف قبول الدعاء فمثلاً في فصل “بسم الله الرحمن الرحيم” ويشرح أسماء الملائكة ولكل واحد منهم مقدرة نستطيع الاستعانة به وندعوا الله ليستجيب لنا ومثال على ذلك إذا أردت أن تَبُر بأحد باستخدام أسم [الباري] – أسم من أسماء الله الحسنى- أكتبه مائتين وثلاثة وثلاثين مرة  في كل يوم أكتب وتمزجه مع أسم من أردت أن تَبُره وذلك بأن تأخذ مثلاً اسم عمرو هكذا: ع، م، ر، و، وتأخذ أول حرف من اسم البر وتضعه في سطر، ثم تأخذ أول حرف من اسم عمرو وتضعه بعده إلى آخر الاسمين هكذا:

اكتبها فيما شئت واجعلها في جيبك وتكلم عليها بهذا الكلام تقول: “يا رب الأرباب بلطيف ربوبيتك أسرع لي بسريان من لطفك مبتهجاً بحلاوة ذلك البحر حلاوة تَعْذّبُ أرواح المرتاحين بفهم أسرارك وامنحني اسماً من أسماء قدرتك التي من تذرع به وقي شر ما ذرأ في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، إنك لطيف حفيظ عليم” (معنى تَعْذّبُ من عذوبة الشيء مثل عذوبة الماء وليس من العذاب الذي يكون به مشقة على النفس). من يستخدم هذه الكتب التي بها الكثير والكثير من الأفكار والسُبل والعمليات واختيار الأوقات المناخية والفلكية والأعداد والأحرف والنمطية.. إلخ، ليوهم الشخص أنه كتاب ذو ذكاء ودقة عالية وما كان هذا التعب عبثاً، وبكل بساطة قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ﴾ (غافر: 60)، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾(ق:16) و قال الله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾(الطور:48)، تأمل كلام الله العظيم الذي أخبرك أنه يستجيب لك بدون تكبد عناء الوسطاء  ويخبرك أنه أقرب إليك من حبل الوريد الذي بجسدك وأخبرك أنه لم ينساك ولم يهملك “بأعيننا” ولم يحدد لك مكان ولا زمان ولا كيفية فقط تذكر وخاطب الله،  ثم تأتي كتب الخرافات التجارية لتضيع حياتك وعمرك في الانتظار لأوقات الزمان الفلكية وتترجم تعقيدات الحروف والأرقام والكتابة والأعمال والنوايا الضائعة والذهن المشتت ثم يقول ليستجيب لك!! فضلاً أن هذه التجارة محنكة، على سبيل المثال في كتاب المعارف الصغرى والكبرى وحتى الكُتب الأُخرى يذكرون بين الأسطر هذا النص “تنال به أملك وتدرك به غرضك إذا كان لله فيه رضا، إذا كان فيه معصية فمن الحرمان عدم الإجابة” وهنا يعطيك القناعة بأعماله الواهية بعد أن تدفع ويؤخذ منك مالك ووقتك وجهدك وراحتك وذهنك بأن ترضى بالحرمان المؤسف لأنه لم يرضي الله على اختيارك! فالغريب ليس كل هذه الخرافات ولكن الغريب أن بعض المتدينين والمتمسكين بالكتب المقدسة تجدهم يقرأون الكتاب ويفسرونه بما يخالفه أو يركنونه على الرف ويؤمنون بالقصص البشرية ذات الخيال الواسع في عالم الإنسان الذي لا يمتلك الخوارق! والأعظم من ذلك أنهم يدّعْون أن للتفسير متخصصون بالرغم أن الكتب المقدسة لسائر البشر بل كانت في الأصل لرسل وأنبياء لم يكونوا جامعيين ولا متخصصين ولكن كانوا يفكرون ويتقنون اللغة، وتسليم العقل لمن يدعي أنه للقرآن وكيل كانت هذه الكارثة الإنسانية، التي بها عاشت ذروتها في الخرافة والبدعة وخدمة المصالح الشخصية وأُخذت الوجاهة الاجتماعية من هذا المنحى! وإذا أقاموا عليه الحجة بأن لتشريعك وتفسيرك خطأ، رد قائلاً (أنا مجتهد) وهذا صحيح هو مجرد اجتهاد والخطأ من المجتهد عندما يقول هذه مسلمات لا تسأل فتأثم! فأصبحت العقول قطيع تسير بحسب توجيه الوكيل على القرآن، وأصبح التفكير والبحث في القرآن فرض كفاية إن فكر فيه واحد سقط عن البقية! بالرغم أن الله سبحانه طلب من الإنسان أن يفكر في 48 موضع بالقرآن وطلب الله العظيم من البشر الطاعة قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ﴾(محمد:33) ومعنى اطيعوا هو أن تأتون الله طواعية راضين مقتنعين ليس كراهية مجبرين والطاعة تأتي بعد التفكير والقناعة، عندما رب العالمين يطلب من الجميع التفكير بالعقل المعجزة وطلب منهم أن يطيعونه بمحض إرادتهم، كيف يجرؤون البشر أن يكونون متسلطين قمعيين مسؤولين عن التوجيه وكأن العقل مُعْطى لنخبة من البشر دون الأخرون؟ وبعد أن كتبت ما بحثت وحللت واستنتجت بموضوع السحر والجن في القرآن أطلب منكم أيضاً التفكير فيما قلت والبحث أكثر، فالعالم واسع وثري بالأسرار والمعلومات والإنسان لا يمتلك الخوارق ولكن يمتلك معجزة العقل فعند استهلاك هذه المعجزة بالتأمل والبحث عن الحقيقة والقيمة الإنسانية فأنت تشكر الله على هذه النعمة، لم يُخلق عقلك لتعطيه غيرك بل خُلق لتستخدمه أنت، فكر.

الكاتبة / عهود الغامدي

السبت 30 نوفمبر 2024 م 

للاطلاع على مقالات الكاتبة ( أضغط هنا ) 

 

زر الذهاب إلى الأعلى