المعيقلي في #خطبة_الجمعة: كلام الإنسان من عمله، الذي يحاسب عليه، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر
صراحة – مكة المكرمة: أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي المسلمين بتقوى الله وتدبر كتابه، واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام:” إن كلام الإنسان من عمله، الذي يحاسب عليه، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، فللكلمة أهمية عظيمة، يدخل بها المرء الإسلام، ويفرَّق بها بين الحلال والحرام، وبها يُرفع المرء لأعلى الدرجات، أو يهوي بها لأسفل الدركات، ففي صحيح البخاري، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ))، وبين سبحانه فضل الكلمة الطيبة، فقال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾، ولا يصعد إلى الله تعالى، إلا ما يحب ويرضى، فلذا جاءت نصوص الكتاب والسنة، بحثّ المؤمن على مراقبة ما يتكلم به، فمن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت ”
وبين الشيخ ماهر المعيقلي أن كفّ اللسان عن المحرمات، طريق موصل إلى السلامة، وإلى رضوان الله والجنة، ففي سنن الترمذي: قال معاذ رضي الله عنه يا رسول الله: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، فذكر له صلى الله عليه وسلم أبواب الخير، ثم قال: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلَاْكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))، فكم من إنسان تكلم بكلمة دون تفكر، أو إمعان نظر، فكانت سببًا للخسران والبوار، هوى بسببها في النار، أبعد مما بين المشرق والمغرب، فالعاقل اللبيب، من جعل على لسانه رقيباً، يكفه عن شهادة الزور والنميمة، والبهتان والغيبة، والكذب والازدراء، والسخرية والاستهزاء.
ولفت فضيلته النظر إلى أنه في غزوة تبوك، خرج أناس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلَّموا بكلمات زلّت بها ألسنتهم، فقالوا: “ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، وأكذب ألسنًا، وأجبن عند اللقاء”، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاء الوحي من السماء، بخبر تلك المقالة السيئة، فقال سبحانه: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ))، فجاء القوم يعتذرون، ويقولون يا رسول الله: إنما هي كلمات، نقطع بها عناء ومَشَقَّة الطرقات، والرسول صلى الله عليه وسلم، لا يلتفت إليهم، ولا يزيد عليهم، إلا أن يقول: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.
وشدد أمام وخطيب المسجد الحرام على أن كل كلمة يتلفظ بها المرء، مكتوبة عليه، ويكون لسانه يوم القيامة، إما شاهداً له أو عليه: ((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))، ولما كان اللسان بهذه المنزلة، عُدّ حبسه من أسباب النجاة يوم القيامة، ففي سنن الترمذي، قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: ((أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ))، ودعانا صلى الله عليه وسلم إلى عفة اللسان، والبعد عن السباب واللعان، فأفضل المسلمين، من سلم المسلمون من لسانه ويده، وضمن صلى الله عليه وسلم الجنة، لمن حفظ لسانه وفرجه، بل عَدَّ صلى الله عليه وسلم، الكلمة الطيبة صدقة، ومن الكلمات الطيبات، ذكر رب البريات، فالحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله، تملآن أو تملأ ما بين الأرض والسموات، وفي الصحيحين: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ))، قال ابن القيم رحمه الله: “وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به”.