الموظفين القدامى
لا يمكن الحديث عن المؤسسات الناجحة دون الوقوف عند دور الموظفين القدامى الذين أفنوا حياتهم في خدمتها فهؤلاء الأفراد، الذين قضوا سنوات عمرهم في بناء أسس الشركات، وهم بالطبع أكثر من مجرد أرقام أو ملفات في أنظمة الموارد البشرية فهم رواة قصص النجاح وأبطالها المجهولون،
ولقد كانت حياة هؤلاء الموظفين في الماضي أبسط وأقل تعقيداً، خالية من الضغوط الهائلة التي نعاصرها اليوم حيث كانت الوظائف مستقرة، والإيقاع أبطأ، والأعباء المالية أقل وطأة. ولكن الزمن تغيّر، ومعه تغيّرت التحديات. وأصبح الواقع مختلف، وأعباء الحياة أكثر ثقلاً. ومن كان يكرّس جلّ وقته وجهده للشركة في الماضي يجد اليوم نفسه أمام واقع صعب لاختلاف الظروف المعيشية والضغوط النفسية التي لم تكن موجودة من قبل.
ورغم هذا كله، ما زال هؤلاء الموظفون يحملون ولاءً كبيراً لمؤسساتهم، تماماً كما كانوا في يومهم الأول. لكن ما يُثير التساؤل هنا هو كيف يمكن للشركات أن تُنهي علاقتها معهم دون أن تُبدي التقدير الكافي لعطائهم؟
فمن المُلاحظ في هذه الأيام أن العديد من الشركات تتعامل مع مسألة إنهاء خدمة الموظفين القدامى باعتبارها قراراً مالياً بحتاً، متناسية البعد الإنساني لهذه الخطوة. صحيح أن المؤسسات تهدف إلى الربحية والنمو، لكن سمعتها وقيمها تعتمد بشكل كبير على الطريقة التي تتعامل بها مع موظفيها المخضرمين. فالموظف الذي أعطى عقوداً من حياته في خدمة المؤسسة يستحق تكريماً لائقاً، ليس فقط تقديراً لماضيه، بل لضمان أن يحظى بحياة كريمة بعد تركه العمل،
والخوف أيضاً يُجبر البعض على تحمل ظروف قد تبدو غير محتملة ولعل أحد الأمثلة على ذلك موظف جديد في شركة وجد نفسه في بيئة عمل غير متوافقة مع مهاراته أو شخصيته، لكنه استمر في عمله رغم الصعوبات، فقط لأنه يخشى فقدان الوظيفة وما قد يتبعها من ضغوط نفسية ومالية. فما بالك لموظف أفنى حياته في العطاء لشركة قررت أن تستغنى عن خدماته هذه بمقابل مالي يظنون أنه يُرضيه؟
وهنا أقول دائماً أن النظرة الحانية للموظفين القدامى ليست ترفاً أخلاقياً فحسب، بل هي استثمار في سمعة الشركة ومستقبلها وكيف فعندما يرى الموظفون الحاليون أن زملاءهم القدامى يُكرّمون ويُمنحون عروضاً سخية عند تقاعدهم أو إنهاء خدماتهم، ينعكس ذلك إيجاباً على ولائهم واستعدادهم لبذل المزيد.
كما أن الشركات التي تعامل موظفيها المخضرمين بكرامة واحترام تكسب احترام السوق والمجتمع، ما يجعلها جذابة للموظفين الجدد والمستثمرين على حد سواء. ذلك بالإضافة إلى أن تقديم عروض سخية للموظفين القدامى يساعدهم على الحفاظ على مستوى معيشتهم التي كانوا عليها، ما يعكس صورة إيجابية للشركة ككيان يحترم الإنسان قبل الإنتاجية.
ولذلك، إذا أرادت الشركات أن تكون جزءاً من الحل لا المشكلة، فعليها اتخاذ خطوات ملموسة لضمان عدالة التعامل مع الموظفين القدامى، عن طريق تقديم حزم تقاعد سخية تشمل تعويضات مالية كافية.
والخلاصة أن التعامل مع الموظفين القدامى ليس مجرد قرار إداري، بل اختبار للقيم التي تمثل هذه الشركات فهؤلاء الأفراد، الذين كرّسوا حياتهم لخدمة مؤسساتهم، ويستحقون بالفعل نظرة حانية وعروضاً كريمة تليق بتضحياتهم. فإذا كانت الشركات تطمح إلى النجاح على المدى البعيد، فإن الطريق يبدأ من الاستثمار في سمعتها واحترام إرثها البشري.
الكاتب / طارق محمود نواب
الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )