محليات

خطيب المسجد الحرام : الدين الإسلامي دين الجلال والكمال، لايقبل التشكيك أو التقليل

2016-04-08_161006

 

صراحة – خالد الحسين :  أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن ابتغاءمرضاته سبحانه وتعالى فمن اتقى الله كفاه ووقاه، وعافاه وأغناه ﴿يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّوَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام، معاشر المسلمين : مَنْ أطلق مَسَارِحَ لمحاته، وأطْرَقَ في مسَايِح ِغَدَوَاتِه ورَوَحَاتِه، وتألَّقَت بصيرته في السَّعيِّ والجَوَلان، بين أحداث التاريخ ووقائع الزمان، تَرَأْرَأَتْ له الأخبار، وانكشفَتْ له بعد ازْوِرَار، أنه منذ بعثة النبي عليه السلام، وأمة الإسلام المرهوبة تُعَاني ممن يتلونون تَلَوُّن الحِرْبَاء، وينفثون سمومهم كالحَيَّة الرَّقْطَاء، ينتسبون إلى دِينِهَا، وهم خنجر مسموم في ظَهْرِهَا، وطعنات نجلاء في خاصرتها، وأخطر الأعداء وألدّ الأَلِدَّاء؛ من يَتَسَمَّى بالإسلام وهو منه بَرَاء، ورغم أن أُمَّتنا بحرٌ لا تُكَدِّرُه الدِّلاء، إلا أنه ؤلاء الضِّغْمَة الضالة كالعُرِّ يكمن حينا ثم ينتشر، والحازم من يعرف عدوه ويحذره على كل حال.
وبين فضيلته أن من سنن الله الكونية ما يكون بين الحق والباطل من نِزَاع، وبين الهُدَى والضلال من صِرَاع، ولكلٍّ أنصارٌ وأتباع،وذادَةٌ وأشياع. وكلَّما سَمَق الحق وازداد تلألُؤًا واتضاحَا، ازداد الباطل ضراوة وافتضاحا، وهكذا بعد المِحَنِ المُطَوِّحة، والصُّرُوفِ الدُّهْمِ المُصَوِّحة،يذهب النور بذيول أهل الفجور، فتنكشف مخاريقهم الزَّمَعَة ، وتعود النَّبْلُ إلى النَّزعَة ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ﴾
وأكد أن الدين الإسلامي دين الجلال والكمال، لايقبل التشكيك أو التقليل أو حتى المزايدة، ولا يصح بل ولا يُقبل من أحدٍ أن يتنقصه،أو يسيء إليه، فهو دين الله الذي ارتضاه للعباد، وشريعته إلى يوم المعاد ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً﴾، قال الإمام الطبري ~ :” يعني جل ثناؤه: اليوم أكملت لكم أيها المؤمنون فرائضي عليكم وحدودي، وأمري إياكم ونهيي، وحلالي وحرامي، وتنزيلي من ذلك ما أنزلت منه في كتابي، فلا زيادة فيه بعد هذا اليوم.” فمن رمى الشريعة بالنقصان فهو من عقله في حِرْمَان، ومن دينه في ضَلالٍ وخُسْران، فلقد حَوَتْ شريعتنا في أصولها ومبادئها ما يتواكب ومصلحة البشرية في كل زمان ومكان، وما يحقق مصالح العباد في المعاش والمعاد.
وأشار الدكتور السديس في خطبته إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا على محجة بيضاء نقية، وقال :” قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بماعرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ .” (رواه ابن ماجة بسند صحيح)، فمن ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم أوصحابته أو آل بيته ولم يَتَّبِع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فقد تجاوز الفِرَى عَدَّا، وجاء إدَّا ، وجَارَ عن القَصْدِ جِدَّا، ولم يُصّدَّق في جليل ولا حقير، وأنَّى له بالصدق وليس من أحْلَاسِه وإننا لَنُشْهد الله وملائكته والناس أجمعين على حُبِّهِ، وحُبِّ رسوله وآل بيته الأطهار، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، وصحابته الأبرار المهاجرين منهم والأنصار.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور عبدالرحمن السديس أن العاقل ليعجب من ضلال تلك العقول التي اتخذت وراءها ظِهْرِيًا المعقول والمنقول، قلوبهم بالأذْحَال ِمَمْنُوَّة، وبالمُشَاقَّة مَمْلُوَّة، مخططاتهم واضحة مكشوفة الأهداف، وضلال منهجهم بادٍ ليس بخاف، ولكنها سنة الله في الكون ﴿ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّه ِالنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾، وقال جل وعلا: ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللَّه ِالنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَات ٌوَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَن ْيَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ .

ومضى فضيلته قائلا في زمنٍ انتشرت فيه ظواهر اختطاف العقول باسم الدين، والصراع بين الأيدلوجيات والأجندات، مما أفرز تناقضاتٍ سلوكية وانتماءات ٍفكرية، تَحَتَّمَ وتَوَجَّبَ معرفة الضوابط والأصول والمقاصد الشرعية للتمسك بالثوابت في زمن المتغيرات، وللسلامة من عواصف الحيرة، والحفاظ على الهُوية الإسلامية الصحيحة، التي يدَّعيها أهْتَارٌ وأغمار، وكل من ليس له في الإسلام سابقة إعمار،أو مكنونة فَخَار، وحتى يسلم أبناء الأمة مِن نَفَثَاتِ مَنْ يتوشحون رِدَاء َالدين وهم هَوَادِي الضالين، وأئمة المُضِلِّين، الذين حازوا في الافتراء قَصَب َالسَّبْقْ، وانحرفوا عن أداء واجب الحَقْ، يتاجرون بالدين، ويخالفون سنة سيد المرسلين، يمتطون الإسلام لتحقيق مآرب سياسية وأطماع توسعية خفية، وصف أوائلهم الإمام علي رضي الله عنه بأنهم:” حُلُومُ الأطفال، وعُقولُ ربَّاتِ الحِجَال،لوددت أَنِّي لم أركم ولم أعرفكم – والله – معرفةً جَرَّتْ نَدَمًا وأعقبت سَدَمًا” ، وسُئِلَ الإمام مالك عن بعضهم فقال للسائل:” لا تُكلمهم، ولاتَرْوِ عنهم فإنهم يَكْذِبُون”. وفي أمثال هؤلاء يقول الإمام العَلاَّمة ابن القيم ~ ومِنَ العَجَب أنْ تَرَى الرَّجُل يُشار إليه بِالدِّين والزُّهْدِ والعِبَادَة وهو يَتَكلَّم بِالكَلِمَاتِ مِن سَخَطِ الله لا يُلْقي لَها بَالاً،يَزِلُّ بالواحِدَة مِنها أبعد مَا بين المَشْرق والمغرب” .
وتساءل فضيلته هَلْ يعي ذلك الزَّاعِمُون التَّحَقُّقَ بِالدِّين وهم طعَّانُونَ في فُضلاءِ الأُمَّةِ وأخْيَارِها،مُتَنَقِّصُون لسلفها ورموزها، والأدهى والأَمَرّ مُنَاصَرَتهم البُغَاة الطغاة الذين أحَالُوا شعوبَهم إلى البَوَار، واعْتسَفوهم بِالحديد والنَّار، وغير ذلك مِن مَظَاهِرَ تَخْفى وَرَاءها عُرَرٌ تقْشَعِرُّ لها الأبْدَان، وعِلَلٌ تَثْلِم الأدْيَان، فيا غَرْبَ الأحزان، لهذا العتو والطغيان، وما أفعالهم في بلاد شتى بِخَافٍ على كل ذي عينين؛ في بَثِّ الفُرْقَة والخلافات والإرهاب والطائفية والعنف وسَفْك الدماء، والأطماع الخفية في المنطقة برمتها، وما المجزرة الوحشية في الغوطة الشرقية عنَّا ببعيد، ولا تسل عن حال إخواننا في الفلوجة الأبية..ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وشدد فضيلته في خطبته أنه من الواجب الوقوف بحزم وعزم في التعامل مع هؤلاء الأفاكين، ولا يجوز أن نعطي آذانا لكل من هَبَّ ودَبّ،أو تطاول بعنقه واشْرَأَبْ، فكيف بمن افترستهم أفكار الضلال، واستقطبتهم موجات الوبال، وضجَّت الخضراء والغبراء من جرائِمِهِمْ، وعانت الأمة من أحقادهم وجَرَائِرِهِمْ،فلم يتخذهم التاريخ إلا مثالا قاتما للطغيان الغَشُوم، ومَسْردًا للاستبداد الظَّلُوم،يتوارى قادتهم خلف شعاراتٍ بَرَّاقة، وكَلِمَاتٍ مُسْتَعْذَباتٍ دَفَّاقة، ظاهرها الرحمات الغدَّاقة، والقلوب المُشْفِقَة العَلَّاقَة، وما هي إلا كَشِيشُ أَفْعَى أَجْمَعَتْ لِعَضِّ، فهي تَحُكُّ بَعْضها بِبَعْضِ انعدمت غَرَائِرُهُمْ ،وأقْبَلتْ علينا بِكَلْكَلِهَا هَرَائِرُهُمْ ، تَنْبُو عن قبولهم صَحَائِح الطِّبَاع، وتتجافى عن استماع كلماتهم الأسماع، فأقوالهم كَهَذَيَانِ المَحْمُوم،وسوداء الهُمُوم، وأثقلُ من الجَنْدَل، وأَمَرُّ من الحَنْظَل، ومن شناعات أولئك؛استغلالهم وسائل الإعلام الجديد في النَّيْل من الدين القويم، وبلاد الحرمين ومقدساتها، وقياداتها المخلصة، وعلمائها الربانيين، ورموزها الثقاة، في حرب إعلامية قذرة، تذكي الحروب والصراعات، وتعتمد الشائعات والمزايدات، مما يجب أن يُتَصَدَّى له بخطط إعلامية محكمة وقوية وعالمية لإحقاق الحق ودحر الضلال والباطل،ولقد صدق رب الأنام ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ~ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾.
وقال الدكتور السديس إذا كان من سنن الله الكونية وجود بعض الفرق والمناهج الضالة، فلقد سخر الله لدينه من يحميه، ويذود عنه ويفديه، وإن اشتد الوطيس بنفسه وما مَلَكَ يفتديه، وإن من روائع الأمل وبديع التفاؤل ما سَطّرَته يراع بلاد الحرمين الشريفين في هذا المضمار الأَشَمّ من الحزم والعزم لرد عدوان عصابات البغي والطغيان، التي مَرَدَتْ على الظلم والعدوان، ثم التحالف الإسلامي العسكري أداءً لواجب حماية الأمة ممن يعيث في الأرض فسادًا، فكان بفضل الله تحالف خير وبركة على الأمة، وليعلن بجلاء براءة الإسلام من إلصاق تهمة الإرهاب به، لاسيما منهج أهل السنة والجماعة السائرين على عقيدة السلف الصالح رضي الله عنهم، ومنهج الدعوة التجديدية الإصلاحية في هذه البلاد المباركة، وقد سَطَّرَت عاصفة الحزم ورعد الشمال أنموذجا مُشَرِّفًا في رَدْعِ الظالم ونصر المظلوم وردالإرهاب وفلوله، والتصدي لمحاولات نشر العنف والفوضى، والغلو والتطرف، وتقويض الوحدة والأمن والاستقرار، والتنمية والمقدرات والمكتسبات، لتحقيق الأمن والسِّلْم الإقليمين والدوليين. فهنيئًا لجنودنا البواسل، وأبطالنا الأشاوس، جنود الإسلام،وصمام الأمان هنيئا لكم الجهاد والرباط في حماية الثغور وعظيم الأجور، فأنتم أقوياء بربكم، ناصرون لمقدساتكم، نلتم ثقة ولاة أمركم، مخلوفون في أهلكم، مسددون في رأيكم ورميكم، لا لانت لكم قناة، ولا فت لكم عضد، ولا أخطأت لكم رمية ولا شُلت يد، ولكم علينا حق الدعاء والمؤازرة والنصرة، وأبشروا وأملوا، واعلموا بكل يقين وقناعة، أن النصر صبر ساعة ﴿ فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراًلَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي, الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم عن الفضائل التي يحويها هذا الدين العظيم واركانه, مبيناً أن إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له أصل كل خير وفلاح, مورداً ما أعدّه الله لعباده المتقين من خير وكرامة في الدنيا والآخرة إذا ما عملوا واتقوا وصبروا.
وبدأ فضيلته خطبة الجمعة مذكراً بانفراد الله سبحانه بالاصطفاء والتفضيل, كما تفرّد بالخلق والتدبير, فقال عز وجل “َرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ”, ولكمال علمه يخصّ ما يشاء بفضله, واختياره سبحانه وتخصيصه دالان على ربوبيته ووحدانيته, وكمال حكمته وقدرته, فاصطفى ملائكته على سائر خلقه, خلقهم من نور ووكّل إليهم شؤون ملكه “يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ”, وكرّم بني آدم واختار منهم أنبيائه ورسله, واصطفى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, فهو سيد ولد آدم وأكرمهم وأفضل الأنبياء والرسل, وصحابته خير صحب وأفضل جيل, لاكان ولا يكون مثلهم, فقال عليه الصلاة والسلام “خير الناس قرني, ثم اللذين يلونهم, ثم الذين يلونهم, وهذه الأمة تمام سبعين أمة هي خيرها وأكرمها على الله, أهل الجنة عشرون ومئة صف, ثمانون من هذه الأمة, وأربعون من غيرها”.
وبيّن فضيلته, أن وأكرم الخلق عند الله أتقاهم, وأنه سبحانه خلق الجنة دار كرامته, وأعدّها الله لعباده المؤمنين, مورداً قول النبي عليه الصلاة والسلام “ولموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها” رواه البخاري، وأفضلها الفردوس, فإنه أعلى الجنة وأوسطها, ومنه تفجّر أنهار الجنة, وفوقه عرش الرحمان, وأفضل نعيم أهل الجنة رؤيته سبحانه, إذ قال عليه الصلاة والسلام “فيكشف الحجاب, فا أعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عزّ وجلّ” رواه مسلم ، وذكر أن الله خلق الأماكن وفاضل بينها, وخيرها ما وصل به العبد إلى ربه, وكان أٌرب لنيل رضاه وجنته, ومكة خير أرض الله وأحبّها غليه, بلد حرام, وفيها قبلة المسلمين, وأول مسجد وضع في الأرض, الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه, جعل الله فيها مناسك عباده, وإليها تهوي القلوب, ويأتيها الخلق من كلّ فجّ عميق, والمدينة مهاجر رسول الله, وبلد حرام, فيها من البركة ضعفا ما بمكة, والصلاة في مسجدها خير من ألف صلاة فيما سواه, ومن تطهّر في بيته ثم أتى مسجد قباء كان له أجر عمرة, والمسجد الأٌقصى أول القبلتين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم, والصلاة فيه عن خمسمائة صلاة, ولا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد, المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجده عليه الصلاة والسلام, وخير البقاع مساجدها, وشرّها أسواقها, مضيفاً أن مجالس الذكر رياض الجنة, مورداً قول النبي صلى الله عليه وسلم : “ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله, يتلون كتاب الله, ويتدارسونه بينهم, إلا نزلت عليهم الملائكة, وغشيتهم الرحمة, وحفّتهم الملائكة, وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم .
وقال الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم إن الزمان مطية للدار الآخرة, واللبيب من اغتنم أنفسه, مذكّراً بأن أفضل الشهور رمضان, فرض الله صومه, وأنزل فيه القرآن, وأشهر الله الحرام عند الله معظّمة, والمعاصي فيها أشدّ قبحاً من غيرها, وخير الأيام يوم النحر ثم يوم عرفة, وما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من أيام عشر ذي الحجة, ويوم الجمعة خير يوم طلعت فيه الشمس, وفيه ساعة لايوافقها مسلم وهو قائم يصلّي يسأل الله خيراً إلا أعطاه, وليالي العشر من رمضان مباركة, وخير ليالي الدهر ليلة القدر فهي خير من ألف شهر.
وبيّن أن الثلث الآخر من الليل أنفس ما في الليل, ينزل فيه الربّ إلى السماء الدنيا, ويتودد إلى عباده, فيقول “من يدعوني فأستجب له, من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له” متفق عليه، وقال إن الله طيّب لايقبل من الأقوال والأعمال إلا طيّبها, ” إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الصالح يرفعه”, مضيفاً أن الأعمال الصالحة مدخّر العباد عند ربّهم, وبها سعادتهم ونجاتهم وفوزهم, والله فاضل بينها, وما تقرب عبد إلى الله بشيء أحبّ مما افترض عليه, ولايزال يتقرّب إليه بالنوافل حتى يحبّه, وأعظم الفروض إيمان صادق, ويقين راسخ, وزاد مستشهداً بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل أيّ الأعمال أفضل؟ فقال : إيمان بالله” متفق عليه .
وأضاف الشيخ عبدالمحسن القاسم, أن في بيان فضائل الخير في هذا الدين, أن خير القلوب القلب السليم, وبصلاحه تصلح الجوارح, وفي الآخرة لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, مبيناً أن الأولين ما سبقوا إلا بصلاح بواطنهم, مورداً قول بكر المزني رحمه الله في ذلك, (ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام, لكن بشيء وقر في صدره” قال بعض العلماء, الذي وقر في صدره هو حبّ الله والنصيحة لخلقه”.
وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي, أن إخلاص العبادة لله وحده لاشريك له أصل كل خير وفلاح, وأن خير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, والمتابعة له سبب القبول وبركة العمل, مذكراً بأن كلمة التوحيد شعار الإسلام, ومفتاح الجنة, جمعت الدين كله, فكانت أوله وخاتمه, وهي ألإضل شعب الإيمان وأعلاها, لقول النبي عليه الصلاة والسلام “الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله” متفق عليه، مفيدا أن الولاء والبراء حصن للدين وأهله, وأن أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في الله, فمن أحبّ في الله وأبغض في الله فقد استكمل الإيمان, وإنما تًنال ولاية الله وحلاوة الدين بذلك.

وبين أن الصلاة صلة بين العبد وربه, وهي أفضل عمل الجوارح وأزكاها, ثاني أركان الإٍسلام, ومبانيه العظام, وفارقة بين المؤمنين والكفّار, أداؤها جماعة في المسجد واجب, وفضلها على صلاة الفرد سبع وعشرون درجة, وأعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى, وخير صفوف الرجال أولها, وخير صفوف النساء آخرها, وأفضل الصلاة طول القيام, إلا ما جاء النصّ بتخفيفه, وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد, وصلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد, وخير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة, وأفضل الصلاة بعد المكتوبة صلاة الليل, وهي في الثلث الآخر منه مشهودة, وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها.
وعدّ فضيلته الصدقة أحد أبواب الخير العظيمة, فهي تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار, وهي برهان على الإيمان ومن خير الأعمال, إذ سئل عليه الصلاة والسلام : أي الإسلام خير؟ قال (تطعم الطعام, وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) متفق عليه .
وقال إن الصوم جنة من النار, وأفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم, وأحب الصيام إلى الله صيام داوود عليه السلام, كان يصوم يوماً ويفطر يوماً, والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما, والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة, وأفضل أنساك الحج التمتّع لمن لم يسق الهدي, والحلق والنسك أفضل من التقصير, وما عمل آدمي يوم النحر أفضل من إراقة دم نسكه.
وزاد, ولروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها, ورباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه, وخير من الدنيا وما عليها, والعلم سابق العمل ومقدّم عليه, وهو إمام والعمل تابعه, ومن يرد الله به خيراً يفقّه في الدين, والله نفى التسوية بين العلماء والجاهلين, وفضّل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب, والناس معادن خيرهم في الجاهلية خيرهم في الإٍلام إذا فقهوا, وخير الخلق من تعلّم القرآن وعلّمه, كما عدّد أفضل التطوّعات التي ينشغل بها العبد, وافضلها القرآن الكريم كلام رب العالمين, وتلاوة الأذكار الصحيحة.
وأفاد أن إصلاح ذات البين دين وقربة, نفعه عظيم, وأثره على المجتمع كبير, لقول الله جل وعلا ” لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”.
وبيّن أن العبد مكلّف بعبادة الله والإحسان إلى خلقه, وأولى الناس بالبر وحسن الصحبة الوالدان, فبرهما قرين التوحيد, وأفضل عمل بعد الإيمان, ثم الأٌقرب فالأقرب, والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم, وخير الناس المؤمن النافع, المحسن للخلق ما استطاع, يعاملهم بما يودّ أن يعاملوه, ويحبّ لهم ما يحبّ لنفسه.
وقال فضيلته إن الدنيا دار سعي وكفاح, وأطيب الكسب عمل الرجل بيده, فما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده, وأطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه, ولا يأخذ الرجل حبله فيحتطب خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه, وأن الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة, وخير النكاح أيسره, وأعظمه بركة أقله مؤنة.
وختم فضيلته الخطبة مذكراً بأن السعادة وانشراح الصدر في القرب من الله, وأن الطاعة تورث الإنس بالله والمحبة له, وأن المؤمن يطمح للوصول إلى أعمالي الأعمال وأكملها وأفضلها, وظنه بالله عظيم, والله لايخيب من رجاه وأحسن الظنّ به.

زر الذهاب إلى الأعلى