المقالات

رحلة صلة الارحام

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

سلسلة الرحلة من أم القرى إلى مصدة عالية نجد . الأب/ خالد نهار في جلسته في سجا اثناء توقفهم ، واستراحتهم بعد جولة على أطلال أرحامه خوال أولاده بسجا . خلال استراحة ساعة أو أقل في جو طلق ، وقبل الظهيرة وحصباء أديم الموقع يومض ويتلألأ مع سطوع الشمس ، تتلامع تلك الحصباء وحصياتها ما صغر منها حجماً ، وما كبر . ينظرون من حولهم فياض شاسعة ، وفجاج واسعة ، وفيافيها ممتدة على مد البصر ، وفضاءه الواسع  . تناولوا خلالها حساءً من القهوة ، وقطعاً من البسكويت بسجا بين ظلم النعام وعفيف المشارب . انفرد الأب بالحديث ، وذكرياته عن الموقع ، وخص حديثه عن زوجته الأولى يرحمه الله . معدد مناقبها ، ومزاياها بما نصه: أمانه وطاعة ، وحسن التبعل ، ولم يسمع منها مايكدر خاطره يوماً قط ، ولا لفظ ” لا “النافية أو التلكؤ في أمراً ما ، وإذا أمرتها بأمر طاعته دون هوادة ، وإذا غبت حفظت البيت والحلال . تجلب الحطب من أماكنه البعيدة لا يصلها إنسان ، وتعزل حطب السمر والسلم على جانب للضيوف من أجل دخانه قليل لا يزعج الضيوف ، وناره قوية الحررة ، وسرعت نضج ما عليه ، وكذلك جمره المتصرم من الحطب . تعزله على حدى وتحتفظ به للضيوف من أجل الطيب . تشعله من جديد إذا دعت الحاجة إليه أو جاء ضيوف ذات أهمية للبخور ، وغيره من المستلزمات في حال انعدام الحطب  ، وإذا جاء المطر اخرجت الأوعية ، وعرضتها من أجل يتساقط قطرات المطر فيها للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن ماء المطر من أجل قهوة الضيوف أو للشرب ، وفي حالة انعدامه تقوم بتبخير الماء الدبج أو الهماج ، وجمع فطرات بخاره في وعاء للقهوة والشاي والشرب مشقة مابعدها مشقة مشقة الحياة . الله أعلم بها ، وعليم بها . تعاني منها الحياة الاجتماعية في ذلك الزمان لاسيما نجد وعاليته . الحمدلله ثم الحمدلله ثم الحمدلله . اليوم بفضل جهود الدولة تشرب نجد ، وربوعها وقرأها من تحلية بحر الخليج العربي من الدمام حتى سجا والفيافي هذه ، والمفازات تشرب ماءًً عذباً حلواً فرات زلال بفضل من الله ثم القيادة الرشيدة . رفعت مشقة جلب الماء العذب من أماكن بعيدة ، ويسرت الصعاب لمواطنيها ، وسهلت العسير كرماً منها ، ورفاهية مواطنيها ، وكرامة العيش ثم أستطرق عن مناقب زوجته الأولى إحترمت والدي ، ورعته على كبر سنه في مأكله ، ومشربه وملبسه ، ومسكنه ونظافته ، واحترمت أخواني ، وكل من له صلة بي ، وحفظت المال والحلال ، وأحسنت الدبرة بهما ، ولهذا احترمتها . لم تتفوه يوماً قط بكلمة بذية ، ولم اسمع منها أي شائبة ، ولم تنقل لي خبر محزن أو سيء ، ولم اعدد بالزواج عليها لمزايا فيها . المرأة التي تداري الزوج تملك مفاتيح قلبه بحسن مخارج الفاظها ، وكذلك تملك مفاتيح معدته بحسن صنع الطعام وحساء المشرب ، ولا حدس الرجل إذا حب الزوجة لمحاسن فيها يغليها ، وقد تستحوذ على قلبه ومعدته ، ويتمخض عن هذا الاستحواذ ما يصميه ويعميه عن معايبها ، ويراها ميزة تنفرد بها ، واسترسل قائلاً: ما أنا فيه من سعة العيش ، وحسن الحال يتزايد من دخولها عليا ، وكذلك من اليتيمتين التي رعيتهن وربيتهن لا حدس ربيتهن  حتى كبرا ، ووضعتهما في ذمة أيدي أمينة أحداهن زوجتها عيد بن بند والأخرى زوجتها محمد بن سعود بن حاضر . وصدرت منه زفرات عدة حينما يستعرض شريط الذكريات . تحدث أحد الجالسين عن الديرة هذه لمن تعود ، فقال: لأبن سعود ، والحمدلله الذي استبدل القبيلة بالدولة ، والخوف بالأمن ، وحفظ الدين والدماء ، والحقوق وقطع دابر السطو والغزو ، والحنشلة أفراداً وجماعات ، وأمن طرق الحج ، وكل هذا بفضل الله ثم أبن سعود ، وإلا ما تقهويتم بهذه الحمادة في ظل أمن الدولة الرشيدة انتهى كلام الأب لأولاده .

اعادوا شراع الونيت على حناياه كسابقه ، وضفوا أغراضهم بالمركبة ، وحركوا من الموقع باتجاه القار ” الطريق العام ” نحو عفيف المشارب ، والاب يشرح لهم المسميات والمواقع ، والأماكن وفرقان العربان توزع هنا وهناك وانتشارها في سجا تشاهد كثرة الخدور السوداء ، والضعون والخدر جنب الخدر لاسيما إذا طاح الخير والحياء ، وتساقطت الامطار ، ورتوت البيداء من وابل سحب السماء ساقها الله إليها بقدرته . تدافعت العربان من كل حدب وصوب إليه ، وأخضرت الأرض بالعشب ، وكساء اديمها ، وفاح عبق الخزامى والشيح يتطاير في كل اتجاه مدغدغ الأنوف ، واخرجت بكل زوج بهيج نبتها ، وانتشار مواشيهم هنا وهناك . تشاهد ركونه القريب والبعيد .

أثناء مرورهم بوادي خنثل ، هذا الوادي وقعت به عدة وقائع ، وصراعات ومزاحمة القبائل عليه ، ونقل الأخ وابن العم/ مبارك بن شعيل الرويس من مقر إقامته بالدمام عن هذا الوادي انقل إليكم قوله حرفياً:( .. والشيء بالشيء يذكر  في تلك المنطقة قريبا من ظلم ، وادي خنثل المعروف بهذا الاسم في الجاهليه وصدر الاسلام ، ولا اعرف هل مازال على مسماه  حتى اليوم او تغير كما تغير غيره ، وكان لبني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة من هوازن ، وقد قتل به سعد بن الصبيح التميمي زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتله مربع بن وعوعة الكلابي ثم لما عرضت تميم القضية على عمر اقسم اليمين مربع انه لم يقتله ، ولم تستطع تميم ان يأتون بالبينة على قيامه بذلك ، فاطلق سراحه ولكن الفرزدق لم يقتنع واخذ يحرض اخوته على الثأر بقوله :

ليت شعري ما اخوة سعد فاعلون ومربع

على خنثل يسقى الحليب المقنعا

فلما علم بذلك جرير قال بيته المشهور  :

زعم الفرزدق ان سيقتل مربعا

ابشر بطول سلامة يا مربع ) انتهى ماذكره الاخ الفاضل ، واستأنف الأب الحديث موضحاً جل جهابذة شعراء الجاهلية مابين عفيف والدخول ، فحومل والسقوط ، وركبة وشفاء نجد من هذه المنطقة من أطراف عفيف شرقاً لأطراف مدركة غرباً ، وإلى أطراف الهضب جنوباً كانت مدارجهم ، ومازال ينتج فحول الشعراء العمالقة حتى عصرنا الراهن .

يواصلوا السير على القار بين جنبات سجا ، والأب يلتفت يميناً ويساراً ، ويقول: هنا مدارج الخيل ، ومواطي العيس . ما أجمله من مدارج ومواطي ؟ هناك بالعدوة البرق محفل استقبال المؤسس الأول يرحمه الله نجلّ الامام، وحفيد الائمة ، وسليل سلاطين نجد الصوارم يرحمهم الله . أخذوا سيرهم باتجاه عفيف المشارب مروراً بعبلة والتنيبيكة مورد ماء للبادية مرجحة  الموازين ألاد روق إحدى جذمي عتيبة الهيلا . وساع المضارب ، والصواني حسن الطرفين .

من بعيد أبصروا مباني عفيف المشارب تظهر شيئاً فشيئاً ملوحةً بقصورها ، ومرحبه بداخليها على مدخلها مبخرة ودلة كناية عن كرم الضيافة وأهلها .

دخلوا عفيف المشارب قبل المغرب ، ومازالت الشمس حية ، وعفيف المشارب أول إقلاع للمؤسس الأول يرحمه الله بالملاحة الجوية من خلال الطيارة داكوتا عام ١٩٤٥م – ١٣٦٤ هجرياً في ٣٠ سبتنمبر الموافق ٢٥ شوال ، وكبتن قائد الطائرة/ جون قراند أمريكي الجنسية ، ومساعده الجداوي/ حمزه طرابزوني سعودي . مزايا هذه الطائرة تهبط باي موقع ترابي . تاريخ للمملكة عموماً وعفيف المشارب خصوصاً لا ينسى هبوط وإقلاع تلك الطايرة . أول طائرة حلّقت بالمؤسس الأول يرحمه الله بين فضاء عفيف المشارب ، والطائف المأنوس فوق السحب بدل تقله المركبة فوق الأرض .

أراد المؤسس الأول ركوبها امسك أحد مرافقيه – الخويا – بطرف بشته ان لا يركبها فقال: الملك يرحمه الله متوكلاً على الله ، وما خاب من توكل على الله . هذه وسيلة نقل جوية كسائر وسائل النقل البرية ، والبحرية تختصر المسافة بأقل وقت ممكن ، ومريحة بقول لين وهدوء ، والقدر لا مفر منه جواً أو براً أو بحراً في السعة أو الحرج ، واسترسل جلالته يرحمه الله قائلآ : قطع الزمن والمسافة يخضع لقوة وسيلة النقل ، ومعتمداً على الله وطلب ان يركب معهم ، فرفض فقال: الملك توكلنا على الواحد الأحد الفرد الصمد .  لما أقلعت الطائرة ، وشاهدها في الخضيراء تشق عباب الفضاء ضرب كفاً بكف فقال: لوالله غدت بملكنا ، وعفيف المشارب أول إقلاع لجلالته منها ، واتوقع الدولة غير غافله عن هذا الحدث للمؤسس الأول يرحمه الله . انشاء مطار بعفيف باسمه أو باسم نعوته ” مطار المؤسس الأول ” أو الموحد الأول من وجهة نظر الكاتب ، وهو الأفضل . عفيف في قرارة نجد العذية ، ومحافظة كبيرة . وتتوسط محافظات نجد ومراكزها ، وذات كثافة سكانية ، وتشهد حركة تجارية ، وقوة شرائية منقطع النظير ، وتتوسط أربع مناطق:الرياض ، مكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، والقصيم .

عفيف ما خوذه من العفة صفة تدل على الثبات ، والارتفاع عن الرذيلة ، والأمور المستنكرة . تعني مجامع مكارم الاخلاق ، والنبل والنزاهة ، والعفة عن المحارم والمكاره ، وأهالي عفيف حواتم زمانهم في العصر  الحالي ، وعصوراً سابقة . وساع الصواني المنهمرة بأنواع الطعام البروتين الحيواني والنباتي محفوف بحليب النوق والمرق ، وفذات من التمر ، وشيء من العسل يجلب من حرة كشب ، ولم يسبقهم إلا حاتم الطائي في زمانه العصر الجاهلي .

عفيف المشارب سنورد إن شاء الله  مقال منفرد وموسع البعد التاريخي ، والإنسان والمكان ، والتكوين الاجتماعي .

بدخول الرحلة عفيف سألوا عن منزل محمد بن محماس بن محمد الرويس يرحمه الله أخو الزوجة الثانية ” دليل بنت محماس ” وارشدهم احد السكان على منزله اذا اقبلتم على مبنى إمارة عفيف لفوا من دونه خلو المبنى على يساركم متجهين نحو الجنوب على مد البصر يواجهكم بيت في الواجة أمامه برحة ، وبيوت شعبية على اليمين منزله بصفها ، فإذا وجدتم شاحنة المور واقفة عند الباب موجود بالبيت ، وإلا فلا  . وفعلاً وجدوا المنزل ، والمور غير موجود سوّى عائلته ، وأطفاله الصغار ، ولكن الزوجه/ منيره الروقية امرأة ظفرة  فتحت المجلس ، ورحبت بوجودهم ، وادخلت الجميع تكثر من التراحيب ، واحضرت احد المجاورين من أجل ذكاة وسلخ خروف نجدي كبر التبيع أسود اللون كله ما عدا الرأس والأقدام أبيض اللون . وأخبرت الجيران بالعشاء كان عشاءً جميلاً ولذيذ لم تلمسه المطابخ التجارية ، واستانس الأب بالحديث مع الجيران المدعون للوليمة ، وتبادلوا أطراف الحديث مستمتعين بالإجتماع ، وجل الحديث عن القصص الماضية متنقلة بين أحداثها وقصايدها ، وبين الانساب حيناً . باتت الرحلة تلك الليلة تشعر بطعم النوم ولذته ، وفي الصباح احضرت الفطور ، والحليب المفور بنت مرجحة الموازين ألاد روق . تشتغل وجاراتها بعد منتصف الليل في صنع الخبز ، واعداد الفطور ، وبعد الفطور غادرة الرحلة مروراً بعفيفه مورد ماء قديم ، ولما اقتربوا من الجفنا وسلسلة جبال النير شاهدوا على ظهر الطريق ضب ضخم الجثة يطحس على ظهر الطريق رويداً رويداً ، وظهره ورأسه اسحم شديد السحامة ، وبطنه رمادي الشكل . صاح اللي فوق السلة التمساح التمساح إلًا أحدهما قال: فرخ الديناصور ، وان دل هذا . هناك فاقد بالتعليم منهج العلوم بالدراسة الأولية لم يتضمن تعريف بالصور للحياة الفطرية ببلادهم ، وإنما الحياة الفطرية بخلاف بلادهم ، والضب غير معروف بمكة .

صفط قائد المركبة على جنب قارعة الطريق العام ، وأراد ان يمسك به كاش منتفخاً يسمع فحيح صوته ورجع للمركبة لأخذ عصا والده ووضعها على رأسه ثم امسك به ، والنسوة تصرخ اتركه .. أتركه سكني ، والذعر انتاب من في السلة بمجرد سماع السكني . طلب شيء يضعه فيه ، فإذا بخريطة فيها قليل من تمر فرغ في احد الأوعية ، ووضع الضب في الخريطة ، ووكاءها رباطاً ، وأراد ان يضعه عند النسوة بحوض الونيت ، فارتاعن ان يوضع عندهن ، فأراد ان يضعه فوق السلة عند الأولاد ، فارتعص الأولاد من في السلة من ذلك ، فوضعه بالغمارة خلف مرتبة السائق ثم واصلوا المسير يشاهدون منيفة عن يسارهم ، فالقاعية ، وقهاوي ومطاعم اليمنة تهلل وترحب بالمسافرين ، وفي هذه المطاعم اليمنية يذكر طرفة وقعة بها ان أعرابياً أتى من حرة  رهاط فاذا اليمنة يرحبوا على مداخل محلاتهم . دخل احدها ، وخيروه في الماكولات ، فلما آكل شكر لهم ، فطلبوا الحساب فرفض معللاً انه دعي وخير في الطعام ، وعتبر هذه ضيافة من عادات أهل نجد العذية الكرم منهم: مصوت بالعشاء منهم ، ومنهم يشعل النار في قمم  الجبال والمراقب ، والتباب من أجل تجلب ضيف ، ومنهم من يعتق مملوكه ان جلب ضيفاً ، فاجتمعت اليمنة لضربه من عدم دفع الحساب قيمة ما اكله وشربه ، فتدخل الحاضرون بمنع اليمنه من مد اليد لوجود الدولة والنظام ، وحلوا اسباب الخلاف بحضور مالك المطعم وكفيل عمالته اليمنة ، ومن بعد هذه الحادثة اخذت اليمنة حذرها ، وماعد يرحبوا خارج محلاتها . هذه الواقعة أو الحادثة وقعت عام ١٣٩٢ هجرياً . القاعية مورد ماء للبادية .

أخذت الرحلة مسيرتها باتجاه البحادية عن يمينهم طينان . تجاوزوا البجادية ، والبجادية تنسب لبئر بجاد أبن قنيفذ الفليت . بلدة ناشئة عامرة بالعمران  . جميلة بجمال أهلها .

منها باتجاه الدوادمي اعترض وادي الرشا منّ الأودية العظيمة بالسعودية ، ومن الوديان العملاقة . سمي وادي الرشا لأمتداده طولاً وعرضاً ، واتصاله بوادي الرمة . قال الأب: ياما وقع فيه من معارك ووقائع واحداث دونها التاريخ . وأوضح الأب وادي الرشا ميدان معارك ، ونزعات في عصور الدولة العثمانية القبورية في عصورها المظلمة برباعية ربق التخلف : الجهل والأمية والمرض والفقر ، واحتمت عتيبة الهيلا حرش العراقيب حتى بزغ عهد ابن سعود وكفاهم معاناة وشر ذلك ، ونصبت موازين العدل وعمود الشرع ، وسخا العطاء  . بظهور المؤسس الأول يرحمه الله عادلاً في قضيته . رؤوفاً برعيته . سخاً بعطاءه بحديته الثلاثية: الشره والمناخ والعادة مكارم ثلاثة لم يسبق لها أحد من ملوك الأرض سواه .

العدد القادم إكمال المقال . دام عزك ياوطن ، ودام سلمانها سلمان الحزم ، ودام عز ولي عهده الأمين . عضيد خادم الحرمين الشريفين . محمد العزم . مهندس رؤية الوطن بناء الإنسان ، وتنمية المكان نحو العالم الأول ، ودام عز القيادة الرشيدة مجففة الارهاب ومنابع الارجاف ، وقطع دابر الفساد ، ومساربه ماخفي منها وما ظهر .

بقلمخالد بن حسن الرويس

الأربعاء 30 إبريل 2025 م 

للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

 

زر الذهاب إلى الأعلى