المقالات

زيارة ولي العهد إلى الولايات المتحدة… حضور دولي راسخ ودور عربي قوي

تعكس زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، عرّاب رؤية 2030، إلى الولايات المتحدة رسوخًا متزايدًا لمكانة المملكة على الساحة الدولية. فالاستقبال الرفيع الذي لقيه سموه لم يكن مجرد بروتوكول، بل اعتراف بدور سعودي بات فاعلًا في المعادلات السياسية والاقتصادية العالمية.

اقتصاديًا، تأتي الزيارة ضمن مسار تعمل فيه المملكة على تنويع مواردها، وتعزيز شراكاتها مع القوى الدولية، وتوسيع حضورها في مجالات التكنولوجيا والطاقة والتحول الصناعي. هذا التحول لم يعد خطابًا تنمويًا، بل سياسة واقعية نقلت السعودية إلى قلب التحولات الاقتصادية الكبرى.

وفي المحيط العربي، برز الدور القيادي للمملكة في التعامل مع الأزمات المعقّدة، وفي مقدمتها الملفان السوري والسوداني. فقد اتخذت الرياض مقاربة تقوم على دعم الحلول السياسية، وتقريب وجهات النظر، واحتواء الانهيارات الاقتصادية والإنسانية التي تعصف بهذه الدول.

في سوريا، ساهمت السعودية في إعادة البلاد إلى محيطها العربي، ودعمت مسارًا تدريجيًا يهدف إلى إعادة الاستقرار، ومعالجة جذور الأزمة، وتهيئة بيئة سياسية تسمح للمجتمع الدولي والعربي بالمساهمة في إعادة الإعمار.

أما في السودان، فكان للمملكة دور متقدم في جهود الوساطة، وتخفيف المعاناة الإنسانية، ودعم مسارات التهدئة، انطلاقًا من رؤية ترى أن الأمن الإقليمي لا يتحقق إلا باستقرار الدول الأكثر تأثرًا بالأزمات.

اجتماعيًا، تعكس الزيارة تحولًا في وعي المجتمع السعودي؛ إذ بات المواطن يرى أن سياسة الدولة الخارجية امتداد مباشر لمشروع الإصلاح الداخلي. فالثقة الشعبية المتزايدة برؤية 2030 قائمة على نتائج ملموسة، وعلى ارتباط واضح بين التنمية الداخلية ودور المملكة في حماية استقرار محيطها العربي.

ويبرز في حضور ولي العهد الدولي توازنٌ يجمع بين الاعتزاز بالهوية السعودية وبين القدرة على إدارة الملفات العالمية بلغة مصالح واضحة وحضور مؤثر. وهذا التوازن منح المملكة موقعًا جديدًا تتعامل من خلاله مع العالم بثقة، ومع محيطها العربي بمسؤولية.

وفي نهاية هذه الزيارة، يتضح أن التحرك السعودي لم يعد رد فعل، بل مبادرة تُعيد تشكيل واقع المنطقة. إنها مرحلة تجمع بين قيادة تدرك حجم التحديات، ومجتمع يتحرك بثقة نحو مستقبل يُصنع بإرادة واضحة وتخطيط طويل المدى.

السعودية اليوم ترسخ حضورها الدولي، وتعيد ترتيب محيطها العربي، وتبني مستقبلها بخطوات محسوبة… وهذا هو جوهر التحول الذي تعيشه المملكة.

 

بقلم / د. عبدالله بن قاسم بن دغيّم

متخصص في علم الاجتماع التنمية والتغير

[email protected]

الخميس 23 أكتوبر 2025 م 

للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

زر الذهاب إلى الأعلى