المجاملة

من الأمور الجميلة في الحياة هو أن لا تكون حادًا في طبعك أو جادًا في كلامك بشكل دائم، لأن الحياة تتطلب أحيانًا التغاضي تارة والتجاهل تارة والمزح تارة وجبر الخواطر في كثير من الأحيان، بل هي نهج إسلامي تربوي يعكس مدى نضجك وتسامحك وجمال طبعك ورقي اخلاقك.
قال تعالى:
﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾.
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال:
( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانهُ). رواه مسلم.
ويطلق على هذا التعامل “المجاملة”، فالمجاملة يمكن أن تكسب بها صديقًا أو حليفًا أو نصيرًا، ويمكن أن تخفف بها غضبًا أو عداوة أو شحناءً، وتحترم بها من يستحق الاحترام وغيرها مما يحقق مصلحةً عامةً أو خاصةً ولا يلحق الضرر بالآخرين، وتخلو المجاملة من التفريط بحقوق الآخرين أو خداع المخاطب أو غشه.
ورغم جمال المجاملة إلا أنها في أمور أخرى تُعد أمرًا سلبيًا بل تؤدي إلى التهلكة.
ومن المؤكد أن المجاملة تفرض نفسها في كثير من المواقف، ولها أوجهٌ عدة:
– مجاملة مجردة مطبوعة في الإنسان
فهو يجامل كبير السن والصديق والقريب والزوجة والأخوة والوالدين وكل من يريد المحافظة على العلاقة معهم، وهذه في نظري منبعها الطيبة والتواضع وحسن الخلق والحرص على علاقة مستمرة لا يخسر فيها أحدًا ولا يشوبها منغص، علمًا أن هذا الأسلوب إذا لم ينفع فلن يضر.
– وهناك نوع آخر للمجاملة وله وجهين:
١- أن يجامل شخص ما لأن مجاملته وراءها منفعة خاصة إما منصب أو مال أو اتقاء شر، إلى آخره…
٢- أن تكون المجاملة تشجيع لشخص ما برز في أمر معين وإن كان عليه ملاحظات إلا أن مجاملته تدفعه للأفضل مثل الشباب والمصلحين وأصحاب الخلافات ومن لهم تأثير إيجابي في المجتمع من إعلاميين وكُتّاب وشعراء وأصحاب الحِرَف المفيدة والمواهب.
فهنا أرى أن مجاملتهم ليست نفاقًا وإنما استحقاقًا لهم وتشجيعًا واعترافًا بما لهم من مردودات إيجابية على مجتمعهم وعلى أنفسهم.
البعض يرى أن مجاملة بعض الشخصيات نفاق لإنه كذا وكذا، ولا يدرك بأن المجاملة لها مردود إيجابي على غيره أو على جهة معينة في مصلحة عامة أو حتى في استصلاحه شخصيًا.
أما من يجامل شخص لإخفاء الحقيقة عنه فهذا غش ويجب أن يصارح ولا يجامل.
ومن المجاملات المذمومة:
– مجاملة ظالم على مظلوم رغم أنه يستطيع قول الحقيقة، فهذا شريك في الظلم.
– مجاملة منافق معلوم نفاقه، لأنه مجاملته تجعل النفاق يصبح ظاهرة في المجتمع.
– مجاملة شخص طلب منك الاستشارة فجاملته لأن وراءه منفعة معينه، رغم أن قراره سيلحق الضرر به وبالآخرين.
– مجاملة شخص سلبي يأخذ من طاقتك وجهدك ووقتك بشكل دائم ولا يضيف لك إلا التشاؤم والسلبية والقلق، وطوال وقته متذمر وناقد ومُتظلّم.
والفرق بين المجامل والمنافق، أن المجامل يظهر صدقه ولو بعد حين، وأمّا المنافق يُظهر كذبه ونفاقه بعد أن تتحقق أهدافه.
والمجامل يظل صديقًا مخلصًا لمن جامله، أمًا المنافق فيخلع الصداقة والمحبة بعد انتهاء المصلحة أو تحقيق الهدف.
وعلى ذلك فإن الإفراط في مجاملة من لا يستحق قد يقع صاحبها في شبهة النفاق، وعلى ذلك لابد من مراعاة المعيار الأساسي للمجاملة وحدودها المسموحة بها ومن يستحقها ومن لا يستحقها.
والمجاملة يسعى صاحبها دائمًا لمصلحة المُجامل أو المصلحة العامة، بينما المنافق يسعى دائمًا لمصلحة نفسه فقط ولا يتورع عن إلحاق الضرر بالآخرين أو المجتمع والوطن مقابل الحصول على مصلحته الخاصة أو تحقيق هدفه.
وأخيرًا؛
– إذا تركنا المجاملة بشكل نهائي أعتقد أننا سنكون مجتمع صامت ولن يكون لنا تأثير إيجابي على المجتمع ومثبطين للمواهب.
– لا تبالغ في المجاملة حتى لا تسقط في بئر النفاق، ولا تبالغ في الصراحة حتى لا تسقط في وحل الوقاحة.
– المجاملة فن وثقافة وسلوك يجب الإلمام بها.
بقلم / علي القرني