عليك النية والباقي على السعودية

ليست المشاعر المقدسة مجرد مواقع على خريطة، بل هي نبض حيّ لا يتوقف عن إدهاش العالم كل عام. وهذا العام لم تكتفِ المملكة بتنظيم الحج، بل أبدعت في تقديمه برؤية تتجاوز التوقع وكأنها تُعيد تقديم الحج من جديد… ليس شكلًا، بل مضمونًا وإدارة وقيمة.
فالحج هذا العام لم يكن كما عرفناه من قبل. فهو لم يكن الأضخم فقط، بل كان الأكثر تنظيمًا، والأكثر تطورًا، والأقرب إلى الحاج… سواء بلغته، أو احتياجه، أو مشاعره.
وهذا القرب لم يأتِ مصادفة، بل كان ثمرة وعي وتخطيط، وانعكاسًا لنظام لا يعرف العشوائية، ولا يقبل بأقل من الامتياز. فكل شيء تم بإدارة دقيقة ومدروسة، تبدأ من النية وتنتهي برضا كل من تطأ قدماه أرض الحرمين الشريفين،
ولذلك، لم يكن الحج مجرد مشهدٍ من الأمن والانسياب، بل صورةٌ لعقلٍ يعمل، وخططٍ تُنفذ، وخدمةٍ تُقدَّم كما لو أن كل حاجٍّ هو وحده موضع العناية.
ومن هنا، بدت التفاصيل الصغيرة هذا العام أكبر من مجرد خدمات. ففي عرفات، بدت الأرض نفسها أكثر رحمة، وكأنها تهيأت لاستقبال خطى الحجيج. وفي الممرات، كان الماء يصل دون طلب، ويُوزّع من آلة لا تُخطئ توقيت الحاجة. بل إن كل حاجّ يجد من يخاطبه بلغته، ويرشده، ويدلّه على الطريق، وكأن كل واحد منهم يُنادى باسمه.
وهذا ليس من باب الإبهار، بل من باب الاحترام. ومن باب أن مَن جاء ملبّيًا، يستحق أن يُخدَم بما يليق بخشوعه. وإذا كان الشكل العام للحج لم يتغير، لكن ما أحاط به من خدمات قد تطوّر بشكل غير مسبوق. فقد أحاطت الكعبة المشرفة شبكة تبريد تُعد الأكبر في العالم، كما توفرت الترجمة الفورية حتى بدون إنترنت.
ولم تقف التقنيات الحديثة عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل استخدام طائرات الدرون لمراقبة الحشود وضمان سلامتها، وتقديم المساعدة عند الحاجة. كما استُخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الحية لضمان انسيابية الحركة، وتحديد مناطق الازدحام قبل وقوعها. كما وفّرت الروبوتات التفاعلية الإرشاد الديني والطبي بعدة لغات، بينما سُخّرت الكاميرات الذكية للتعرف على الحالات الطارئة في وقت قياسي.
وهنا نسأل، مَن غير السعودية العظمى يقدر على جعل كل هذا يحدث؟ ومَن غيرها يملك البُعد التاريخي، والحضور الإداري، والقيادة التي لا ترى الحج مهمة، بل شرفًا مَن غيرها يُدير هذا العدد من البشر بلا ارتباك، ويصنع من كل نسك لحظة مهيبة يُحترم فيها الزمن، ويُكرَّم فيها الإنسان؟
فالفضل، بعد الله عزوجل، لقيادة عظيمة وضعت ضيف الرحمن أولًا. ولخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيزحفظه الله والذي يؤكد أن خدمة الحجيج أولوية لا تسبقها أولوية ، ولسيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي لا يكتفي بترسيخ الرؤية، بل يجعلها تتجسد عامًا بعد عام، حتى أصبحت هذه الأرض تعرف كيف تستقبل ملايين القلوب، وتُشيّعها وهي ممتلئة بالسكينة.
وفي هذا العام تحديدًا، بدا كل شيء في مكانه. وبدت الوجوه مطمئنة، والصوت واحد، والتنظيم صامت، لكنه حاضر في كل تفصيلة. فلم يكن الحاج هذا العام يحمل سوى نيته… بينما حملت عنه المملكة كل شيء، فلا غرابة إذًا أن يُقال: إن حج هذا العام لم يكن مجرد أداء للفريضة، بل كان شهادة على ما يمكن أن يكون عليه المستقبل… حين يتّحد الإيمان بالبصيرة،ودام عزك ياوطن.
الكاتب / طارق محمود نواب
السبت 07 يونيو 2025م
للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )