محليات

إمام وخطيب المسجد الحرام يحذر من رذيلةِ البُخْلِ والغَدْرِ والغِشِّ

2017-01-20_153805

صراحة – محمد المحسن : أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة خياط المسلمين، بتقوى الله في السر والعلن وفي الخلوة والجلوة فهي وصية للأولين والآخرين . وقال في الخطبة التي ألقاها في المسجد الحرام اليوم : دَيْدَنُ اللَّبيبِ الفَطِن وشأنُ الأَرِيبِ اليَقِظِ، الثَّباتُ على الحقِّ، ولزومُ الجادَّة، واتِّباعُ الصِّرَاطِ المستقيمِ، الذي يستعصِمُ به مِنَ الزَّلَلِ، ويَصِلُ به إلى الغايةِ من رضوانِ اللهِ ومحبَّته، ونزولِ دارِ كَرامته ويحذَرُ من اتِّباع السُّبُلِ التي تفرَّقُ به عن هذا الصِّراطِ قال تعالى { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتقيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وهي وصيَّةٌ ربَّانيَّةٌ بالتزامِ دينِ اللهِ، والاستمساكِ بما جاءَ فيه من عقائدَ وفرائضَ وكمالاتٍ يسعدُ بها المسلمُ في دنياه وعقباه وقال من لوازمِ ذلكَ وضروراتِه: النَّفرةُ منْ رذائلَ وخصالٍ مَقْبوحةٍ جاء النهيُ عنها، والذمُّ لـمُجترحها لأنَّها من سُبُل الشَّيطانِ التي يَضِلُّ سالكُها، ويشقى بالتردِّي في وَهْدَتها. وتساءل فضيلته كم للخطيئةِ من دُروبٍ يَدْأَبُ الشَّيطانُ على إقامتِها، والإغراءِ بها، والحثِّ عليها؛ لعَرْقَلَةِ سَيْر السَّالك إلى ربِّه، الكادحِ إليه، المُقبلِ عليه، يريد بذلك تكثيرَ حزبه، وتَقويةَ جُندِه، وإهلاكَ عدوِّه ومحسودِه: مستشهدا بقوله تعالى {إنَّ الشَّيطانَ لكم عَدُوٌّ فاتَّخذوه عدُوًّا إِنَّما يَدْعُو حِزْبَهُ لِيكونوا من أصحابِ السَّعِيرِ}. وأوضح أن من دروبِ الخطيئةِ ومن أشدِّها خطرًا على العبدِ: ثلاثَ خصال جاء الوعيدُ الشَّديدُ لمن اقترف إثمَ واحدةٍ منها، مشيرا إلى أن الخطئة الأولى هي رذيلةُ البُخْلِ والشُّحِّ والأَثَرةِ في أبشع صورها، والبخلُ ألوانٌ لا تحُدُّها الأمثلةُ، وله دوافعُ نفسيَّةٌ تختلف طبيعتُها وملابساتُها، فمن ذلك: أنَّ بعضَ من ابتُلِيَ بالفَقْرِ وضِيقِ ذاتِ اليَدِ حينَ يُنعِمُ عليه ربُّه بالبَسْطِ في الرِّزْق، يخشى أنْ تعودَ به الأيَّامُ إلى مَرَارَةِ الفَقْرِ، وشِدَّةِ الإمْلاقِ، فيكونُ الإمساكُ دَيْدَنَهُ حتَّى لا يكادُ يُنْفِقُ نفقةً إلا ويحسِبُ لها ألفَ حسابٍ، فهو يكنِزُ المالَ ويحبِسُه، ويَظنُّ به حتى على نفسه، وعلى مَنْ يَعُولُ من أهْلِهِ وأولادِه، وربَّما كان باعثَ هذا الشُّحِّ: الرَّغبةُ في جمعِ الثَّروات لعَقِبِه؛ خشيةَ أنْ يتركَهُم عالةً يتكفَّفُونَ النَّاسَ. وبين أن شرُّ البُخْلِ وهو شرٌّ كلُّه- البخلُ بالفاضل من الماء عن الحاجة، كمن يملك بئرًا، أو عينًا جاريةً في موضع لا ماءَ فيه، فلا يَضيرُه أنْ يستقيَ منها ابنُ السَّبيلِ، أو يَرِدَها حيَوانٌ، ولا خشيةَ من تأثيرِ ذلك عليه، بل إنَّ له في بذله أجرًا أخبر عنه رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم- بقوله: “في كلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطْبةٍ أجرٌ” وقد أشاعَ الشارعُ الانتفاعَ بمياهِ العُيُونِ والآبار ونحوها، وجعل النَّاسَ فيها شركاءَ، كما جاء في الحديث أنَّ النبيَّ-صلى الله عليه وسلم- قال: “المسلمون َشركاءُ في ثلاثٍ: في الكلأ، والماء، والنَّار”. ولفت فضيلته إلى أن الخصلةُ الثانية المقبوحةُ التي جاء الوعيدُ عليها في الحديث: هي غِشُّ إمامِ المسلمين، والغَدْرُ به، بنكثِ بَيْعَتِه؛ لمجرَّدِ الهَوى والمطامعِ الدُّنْيويَّة، من هِبَاتٍ ومِنَحٍ وغيرها ممَّا يجعلهُ الغاشُّ منتهى أمَلِهِ، وغايةَ مقصِدِه، فيكونُ حالُهُ كمن قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسخَطُونَ}. وقال : لذا جاء هذا الوعيدُ لمن غَدَرَ بنَكْثِ البَيْعَةِ، والخروجِ على الإمامِ؛ لما في ذلك-كما قال أهل العلم بالحديث: “لما فيه من تَفَرُّقِ الكَلِمَةِ، ولِمَا في الوَفَاءِ بالبَيْعَةِ من تحصينِ الفُرُوجِ والأمْوَالِ وحَقْنِ الدِّمَاءِ، والأصلُ في مُبَايعةِ الإمَامِ أنْ يُبَايِعَه على أنْ يَعْمَلَ بالحقِّ، ويُقِيمَ الحُدودَ، ويأمُرَ بالمعروفِ، ويَنْهَى عن المنكر، فمن جعل مبايعتَهُ لمالٍ يُعطاه، دون ملاحظة المقصود في الأصل؛ فقد خسر خسرانًا مبينًا، ودخل في الوعيد المذكور، وحاق به، إنْ لم يتجاوزِ اللهُ عنهُ وفيه: أنَّ كلَّ عملٍ لا يُقصدُ به وجهُ اللهِ، وأُريدَ به عَرَضُ الدُّنيا، فهو فاسدٌ، وصاحبه آثمٌ” انتهى.

وأضاف فضيلته قائلا كفى بهذا الغَدْر والنَّكث سوءًا وقُبحًا أنَّ أعداءَ المسلمينَ ما وجدوا عليهم سبيلاً إلا من طريق الغادرينَ، في مختلف ضروبهم وألوانهم ومسالكهم في الغدر، يتخذون منهم صنائعَ وأدواتٍ تهدِمُ ولا تَبني، وتُفرِّق ولا تَجْمَعُ، وتُضِلُّ ولا تهدي، وتُفسِدُ ولا تُصلِحُ، وتُحرِّضُ على الإثم والعدوان، وتنشرُ الأراجيفَ والبُهتانَ، وتَسعى إلى كلِّ ما يعود على البلاد بالضَّرَرِ والخلَلِ والفَسَادِ، فَهُمْ في الحقِّ سُبَّةٌ على أنفسهم أبدَ الدَّهر، متسائلا هل يَحصُلُ الغادِرُ على غُنْمٍ من وراء غَدْرِهِ ونَكْثِه، أو على كَسْبٍ يَنعَمُ به في حياته الدُّنيا؟ وقال اللهمَّ لا! وكثيرًا ما يجزي اللهُ الغادِرَ النَّاكثَ بنقيضِ قصدِهِ، وما أكثـرَ ما سطَّرتِ العِبَرُ من مصائرِ الغادرينَ، وما حلَّ بهم من النَّكَباتِ، وما نَزَل بهم من مَثُلاتٍ وانهياراتٍ، بعد نبذِهِمْ ممن أغرَاهُم وأغواهم، واتَّخذ منهم معاوِلَ هَدْمٍ، وأدواتِ فوضى وتخريبٍ وإفسادٍ. وأردف إمام وخطيب المسجد الحرام قائلا : كفى الغادِرَ النَّاكِثَ خزيًا فضيحتُهُ على رؤوسِ الأشهادِ يومَ القيامةِ عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- أنَّ النبيَّ-صلى الله عليه وسلم- قال: “لكُلِّ غادرٍ لواءٌ يومَ القيامةِ، يُنصَبُ لغَدْرَتِه، يقال: هذه غَدْرَةُ فلانِ بنِ فلانٍ” وقال تعالى (إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرةً لِأُولِي الأَبْصَارِ) وقال تعالى (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). وأفاد فضيلته أنَّ ثالثَ الخصالِ المرذولةِ المقبوحةِ التي جاءت في الحديث: الغِشُّ في البيع والشِّراءِ، بإعمال طُرُقٍ وحِيَلٍ يحتالُ بها الغاشُّ؛ ليكسِبَ الصَّفقةَ، ويربَحَ المغنمَ، ويزيدَ ثروَتَهُ وأخبثُ الغِشِّ، وأعظمُه جُرمًا: ما كان الحلِفُ بالله فيه وسيلةً لترويج السِّلْعَةِ البائرةِ، بأنْ يحلِفَ البائعُ أنَّه أُعْطِيَ فيها من المال كذا وكذا وهو في الواقع لم يُعطَ شيئًا مما زعمه، وأمثالُ ذلك من المغامرات التي يلجَأ إليها بعضُ من رقَّ دينُهُ، وضعُفَ يقينُهُ، فتفسدُ بها دنياه وأخراه، فأمَّا فسادُ دنياهُ فبزعزعة الثقة فيه، وعدم الرُّكون إليه، وترك معاملته، فيحلُّ الكسادُ بتجارته، وينزل الإفلاسُ بساحته، وأمَّا فسادُ أخراهُ، فدخولُهُ في زُمرةِ من توعَّدهُ الله بهذا الوعيد الشديد الوارد في ذلكم الحديث، وفي قول نبي الهدى-صلوات الله وسلامه عليه- : “ثلاثةٌ لا يُكلمهم الله يومَ القيامة: المَنَّان، والمنفِّقُ سلعتَهُ باليمين الفاجر، والمسبلُ إزارَهُ” أخرجه الإمام مسلمٌ في صحيحه . وأوضح أن هذا الوعيد خصَ بمن باع بعد العصرِ لشرف هذا الوقت، واجتماع الملائكة فيه أو لأنَّ الناسَ ينقلبونَ فيه إلى منازلهم مكدودينَ مجهودينَ؛ فيغتنمُ الغاشُّ ذلك؛ لتنفيق سلعته؛ خشيةَ أن تبيتَ عنده؛ فتكسدَ أو تفسُد، فيحلف ويصدقه المشتري ولا يماكسه؛ فيأخذ السلعةَ بأكثر من ثمنها؛ اغترارًا بحلف البائع، وتصديقًا ليمينه. وقال الشيخ أسامة خياط : كفى بالغاشِّ إثمًا أنْ يقولَ فيه سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم: “من غشَّنا؛ فليس منَّا” أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، محذرا من هذه الخصال الثلاث ومن كل خصلةٍ توعَّد الله صاحبها بهذا الوعيد الصارخ وأمثاله تكونوا من الفائزين المفلحين.

وفي المدينة المنورة تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبد البارئ الثبيتي عن أن الاستبشار في كل الأحوال، مستشهدا بقول الله تعالى (( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون))، وهذا الاستبشار يولد الطاقة ويحفز الهمم ويدفع إلى العمل ويصنع المستقبل . وأوضح أنه كلما تأججت مآسي المسلمين في بعض بقاع الأرض تأكدت الحاجة لاستحضار البشائر فهذا هدي رسول الأمة صلوات الله وسلامه عليه فقلب المحنة منحة وأيقظ الأمل في جوف الألم، مشيرا إلى أن من أعظم دواعي الفرح وأسباب البشارة في حياة المؤمن هو انتشار دين الله عز وجل واهتداء غير المسلمين بالإسلام فهذا الانتشار السريع من خصائص الإسلام الثابتة التي تنبع من ذاته مهما قل أتباعه أو تساهل أنصاره أو قسى أعدائه . وقال فضيلته إن الإسلام بدأ في مكة بفئة قليلة مستضعفة عانت ألوان البطش والإيذاء وفي غضون سنوات الإسلام جزيرة العرب فتشكل جيل حمل رسالة الإسلام ونشرها، مؤكدا أن الإسلام انتشر لأنه الدين الذي ارتضاه الله للناس وتكفل بحفظه قال عز من قائل (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً )) وقال صلوات الله وسلامه عليه ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا بعز الله به في الإسلام وذلا يذل به في الكفر ) وبين فضيلته أن الناس أحبت الإسلام لأنه عقيدة إيمانية تشبع فراغ القلوب وتهذب حيرة الأرواح، وتلبي حاجة النفوس وتمنح الأمن وتروي الظمأ، مشيرا إلى أن انتشار الإسلام كان بسبب تمجيده للعلم وتكريمه للعلماء وثنائه على العقل والفكر فاطمأنت الناس إليه لأنه يحقق العدالة الاجتماعية في جميع مظاهر الحياة . ولفت إمام وخطيب المسجد النبوي إلى أن مهمة نشر الإسلام من أعظم الفضائل وأجل المراتب قال جل من قائل (( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) وقال صلى الله عليه وسلم ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) و أن العنصر الأبرز في انتشار الإسلام على يد السلف سيرتهم النقية وعدلهم في أحكامهم وسلوكهم وأكد فضيلته أهمية الإعلام الحديث واستثمار وسائل التقنية في نشر الإسلام لإبراز سماحة الإسلام ويسره والتصدي لمن يحاول تشويه صورته وتحجيره ورأى إمام وخطيب المسجد النبوي أن بعض المسلمين يقع جهلاً في تشويه صورة الإسلام بسلوك طرق ضالة ومذاهب منحرفة ومناهج مختلفة تشتت الأمة وتفرق جمعها وتضعف وحدتها، مؤكدا أن على المسلمين في بلاد الحرمين مسؤولية كبيرة في العمل على نشر هذا الدين بوصفه قبلة المسلمين ومثوى خير رسل الله صلى الله عليه وسلم، مستشهدا بقوله تعالى (( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )) .

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى