التفكير الانتقادي
التفكير هو الشيء الذي يحدد كل شيء حولك كإنسان، فما تعرفه عن نفسك أو ما تعرفه عن غيرك، أو ما تعلمه من معلومات أو ما تشعر به من مشاعر جميعها أفكار تدور في عقلك أنت فقط وأنت من يدرك ويشعر بهذه الأفكار وحدك وقد يعيش الكثير من الناس وهم لا يعلمون الدور القيادي الذي يقوم به التفكير في حياتهم الشخصية وفي الغالب إذا واجهتهم مشكلة فإنهم يلقون اللوم على الظروف وليس على أفكارهم الشخصية، ولذلك كي تحسن جودة حياتك فعليك أن تحسن طريقة تفكيرك وهذا سيحدث عندما تفكر في تفكيرك وهذا هو ما يعرف بالتفكير النقدي أو التفكير الانتقادي.
إن المشكلة الأولى التي تواجه التفكير هي اعتقاد الإنسان أنه لا يخطئ في التفكير، وهذا يدعى الكبرياء الفكري حيث هناك الكثير من المعتقدات والأفكار تكون عبارة عن موروثات ليس لها أساس صحيح في حين أن العقل يقتنع بها، وهذا بسبب عدم وجود نوع من التواضع الفكري لتفنيد ونقد مثل هذه الأفكار، بل مثل هذا الإنسان يكون متصلبا ومتشبثا بمعتقداته لدرجة الخوف عليها.
في حين أن أي فكرة صحيحة لا تخاف من النقد منها، لأنها وببساطة صحيحة، والتفكير من الممكن أن يصل لمرحلة من الأنانية لدرجة أن الإنسان ينافق نفسه حيث يريد العقل البشري بفطرته أن يرى نفسه في موقف إيجابي ولذلك أحيانا كثيرة نحن كبشر نستمتع بنفاقنا لأنفسنا ونفاق الآخرين لنا لمجرد أننا نريد أن نشعر بجودة تفكيرنا وهذا يدعى خداعا للنفس.
فمثلا هناك أشخاص كثر يقتنعون بأن الرياضة هامة جدا ولكنهم يجلسون في المنزل دون عمل أي رياضة ولكن تفكيرهم يجعلهم يشعرون أنهم على ما يرام وأن مجرد تفكيرهم في الصواب يجعلهم على صواب، والحل هنا هو أنك يجب أن تبتعد عن مجاملة نفسك وتضع أفكارك الشخصية في موضع النقد ومحاولة التخلي عن الشعور المريح الذي ينتج مع نفاقك لنفسك.
كما عليك ألا تدع انتقادك لتفكيرك يجعلك تتعالى على كل من حولك وتعتبر أن تفكيرهم لا يليق بك بل يفضل أن تتعاطف مع أفكار الآخرين وتضعها تحت نفس مقاييس النقد التي تضعها لنفسك، وإذا كانت أفكارهم مناسبة لك فلا تجعل كبريائك يكون حائلا بينك وبين هذه الفكرة لمجرد أنها ليست فكرتك. بل عليك أن تتبنى الأفكار الإيجابية بغض النظر عن الشخص الذي يعتقدها، أما في حالة عدم اتفاق أفكارك مع شخص آخر، فهذا لا يعني أن تعاديه، بل بالعكس يمكنك أن تتعاطف معه أيضا بصورة إيجابية وتكسبه حتى وهو يختلف عنك في طريقة تفكيره. ولذلك على الإنسان أن يتحلى بالتواضع الفكري حتى يستطيع نقد أفكاره الذاتية بصورة سهلة وبسيطة.
وكل شيء تفعله يكون ناتجاً عن غاية داخلية لديك، وهذه الغاية تظهر في شكل أهداف سواء أهداف صغيرة أو أهداف كبيرة، وفي العادة العقل البشري يذهب في اتجاه خاطئ إذا كانت هذه الأهداف غير واضحة.
فهناك أهداف ليست أساسية وأهداف أخرى تمثل لك سبب وجودك في الحياة نفسها، وعليك أن تتفطن لهذه الأهداف والغايات حتى لا تسمح لعقلك بأن يسير في مقصد عشوائي، هذا بجانب فحص كل أهدافك لأنها نفسها هي التي تحدد طريقة حياتك، وهل هي مناسبة لك أم هي مجرد أهداف مزيفة أيضا.
بالإضافة إلى إنه من المهم جدا أن تجعل شخصيتك وأفكارك وأهدافك نابعة بشكل أكيد ومطلق من داخلك ليس من الآخرين، فالحياة البشرية عموما حياة اجتماعية وتستلزم منك أن تكون عضوا في مجتمع ما إما مجتمع أسري أو ثقافي أو ديني، ومن هذه المجتمعات يتشارك البشر في كثير من الأفكار والأهداف مع العلم أن كل مجتمع له قواعد داخلية غير معلنة توجه جميع أعضاء هذا المجتمع، وعلى الرغم من أن العيش في جماعة هو واقع له مميزات ولكنه أحيانا يؤثر على الأفكار والأهداف بحيث تجد حياتك تذهب ناحية أنك تحقق أهداف وأفكار الآخرين وليس أفكارك الشخصية.
وحاول أيضاً أن تفرق بين الامتثال للأعراف وبين الخضوع الكامل للمجتمع المحيط بك، فقط أنت تحدد كيف ومتى تخضع للمجتمع المحيط بك، وعليك أن تتحلى بالذكاء أثناء هذا الأمر ولو حدث تعارض بين أفكارك والمجتمع المحيط بك فعليك أن توضح أفكارك لنفسك ولغيرك ولكن بصورة كاملة.
وهذا يحدث عندما تكون أنت نفسك تفهم ما تريده بشكل واضح، فعندما تفكر مع نفسك في كيفية سرد أفكار للآخرين بصورة مبسطة ومفهومة سيجعلك أنت نفسك متفهم لمقصدك وهدفك بصورة واضحة ومباشرة وستجنبك هذه الطريقة الاصطدام مع الآخرين،
فالعقل البشري يتمركز بصورة طبيعية حول نفسه، لذلك نجد أن البشر يفكرون دائما في ما هو أفضل لهم وليس لغيرهم، وهذا الأمر طبيعي جدا، ولكن عليك أن تفهم هذا وأن عقلك في كثير من الأحيان يكون خادعا لأنه يفكر في ما يريده لنفسه ولا يفكر في المصلحة العامة، فمثلا بالنسبة لأي أب أن يقضي وقته مع زوجته أو أصدقائه هو أمر أفضل بكثير من انتظار طبيب لكي يكشف على ابنه.
ولكن الأب هنا يستطيع التغاضي عن ما يريده عقله من متعة وترفيه في سبيل الابن الذي يحتاج لرعايته، ولذلك عليك أن تفهم جيدا رغباتك وتتحكم بها حتى تستطيع توجيه أفعالك بناء على الأفضل لك ولغيرك من ناحية أخرى عليك أن تتحكم في مشاعرك أيضا، فأحيانا كثيرة تجد نفسك تشعر بمشاعر معينة ولكن يتحتم عليك أن تتصرف بشكل مغاير عن شعورك الداخلي.
ولكن ماذا لو لم تتحكم في انفعالاتك؟ حينها أفكارك ستكون هوائية جدا، فبمجرد أن تشعر بالملل من شيء تفعله ستتركه فورا أو بمجرد أنك لا تستلطف شخصا ما ستقوم بمهاجمته، ولذلك علينا أن نوازن بين ما نشعر به وبين ما نفعله، وهذا يحدث عندما تلاحظ انفعالاتك السلبية مثل العصبية دون مقدمات ثم تفكر فيما يجعلك تفعل هذا بهذه السرعة وتعطي نفسك بضع ثوان للتفكير.
ومع الوقت ستجد أنك تفكر في ردود أفعال من قبل أن تفعلها، أيضا التحكم في رغباتك يعد من ضمن الأشياء الأساسية التي توجه انفعالاتك وسلوكك، فمثلا رغبتك في السيطرة أو انتقاد أفعال الآخرين، هذه الرغبات ليس لها أي قيمة إذا لم تعرف الغرض الحقيقي من تفكيرك فيها، وعليك أن تسأل نفسك لماذا تريد أن تسيطر على هذا الأمر أو ما الذي ستكسبه حينما تنتقد فلان بصورة علنية وتقوم بإحراجه،
فمعظم هذه الرغبات تكون غريزية، ولكنك كإنسان ناقد ومفكر عليك أن تتحكم فيها حتى تستخدمها في وقتها الصحيح لتكون ذات فائدة لك ولغيرك وليس العكس.
الكاتب / طارق محمود نواب
01 سبتمبر 2023 م
للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )