المقالات

جرة قلم

 

كل واحد منا في هذه الحياة يشق له طريقا يبحث فيها عن سعادته، فهذا يختزلها في جمع الثروة الممكنة، والآخر يراها في حب الناس له والشهرة لديهم، لكن قليلون منا من ينتبهون إلى أن السعادة ليست دوما خارج الذات ، بل إن أهم ما يمكن أن تقدمه لنفسك ولسعادتها هو الإقبال عليها وحبها وإحاطتها بالعناية اللازمة.

غير أن الطريق إلى نفسك ليس طريقا سهلا مفروشة بالورود بل على العكس من ذلك، هو طريق وعر قد يحتاج منك صبرا ويقينا بأن السعادة الحقيقية توجد داخلك فابحث عنها. فهناك دروسا وتجارب وخبرات عملية تنتهي بأن السعادة مهما أرشدك إليها الآخرون فستظل اختيارك واختيارك وحدك،

وهناك الكثير من الأمثلة التي تدل على أن الإنسان يمكنه أن لا يكون سعيدا في حالته الآنية فقد يكون كأن يكون محاطا بمجموعة من الأشخاص السامين والسلبيين أو أن يشعر بالإحباط من كثرة العثرات والعراقيل التي تصادفه في هذه الحياة، وغيرها من التفاصيل الصغيرة التي تواجه أي واحد منا أثناء رحلته القصيرة في مدارات الدنيا التي نعيشها،

فكل هذه الأشياء مفهومة لكن غير المفهوم هو أن يتصرف الإنسان كإنسان آلي مبرمج على التعاسة والحزن والكآبة، في حين يجب أن يهتم بمقدار الطاقة التي يمكن توفيرها في حالة عدم التفكير في الأذى والأفكار السلبية والأمور غير المجدية، وهذا الشعور الملازم لنا والذي يكاد لا يفارقنا ليس أمرا سهلا يمكننا التخلص منه بجرة قلم بل هو عمل يتطلب توافقا داخليا.

فعادة السعادة يمكن تطويرها داخل أي فرد منا إذا اختار أن يفعل ذلك، والطريق إلى ذلك هو التخلص من العبء العاطفي والعقلي الذي نحمله. ولعل أهم شيء نبدأ من خلاله هذه الرحلة الممتعة هو ممارسة التأمل والتفكير والتسامح الداخلي وتقوية الرغبة في أن نلتقي بذواتنا لأنها هي مفتاح اكتساب سعادتنا. فالسعادة عمل يتطلب توافقا داخليا يجب تطويره.

كما انها مشروع نسعى جميعا إلى أن نستثمر فيه كل حياتنا، ولهذا يجب أن يتحول هذا المشروع إلى أفق نسعى إلى تحقيقه في كل لحظة، لكن هذا لن يتحقق إلا بعد أن تتحول السعادة إلى عادات يومية. وقبل أن تكون كذلك، لا بد أن نتخلص من بعض الأفكار السلبية التي تعشعش بعقلك الباطني.

فكثيرون منا يبحثون عن سعادتهم عند الآخرين، أي في عالم خارج حياتهم.

وباختصار شديد السعادة لا تحدث لك بل تحدث بسببك.

وللمساعدة في إيجاد بعض العادات التي تشعرنا بالسعادة، اضع امامك مجموعة من النصائح فمنها البحث عن الجانب المشرق من الحياة، بالابتعاد قدر الإمكان عن فخ المقارنة مع الناس، الابتعاد عن الهاتف دون ضرورة، التواصل الإيجابي مع الطبيعة، تحمل مسؤولية القرارات التي نختارها بنسبة 100%، التواصل الداخلي مع الذات، قضاء الوقت في الأشياء المهمة والاستمتاع بأوقات الراحة من أجل زيادة الطاقة وتحسين المزاج.

وبالرغم من أن الإنسان يتحدث بشكل يومي عن السعادة إلا أن تعريفها ورسم حدودها أمر ليس باليسير لمجموعة من الاعتبارات.

ولكن بالرغم من هذا الاختلاف الحاصل في هذا المفهوم، إلا أن لا أحد ينكر بأنها هي حالة عاطفية وشعورية يشعر من خلالها الشخص بالرضا والفرح وكل المشاعر الإيجابية.

وبما أن سعادته هي مصطلح محدد فإن علماء النفس يستخدمون مصطلح الرفاهية الذاتية لوصف هذه الحالة الإنسانية وبالتالي تكون سعادة في هذه الحالة أو بالأحرى الرفاهية الذاتية مشتملة على محددين أساسيين تتحقق من خلالهما هما توازن المشاعر، والمقصود بهذا التوازن استقرار المشاعر الإيجابية والتقليل من الشحنات السلبية وانعكاساتها على نفسية الفرد.

اما الشيء الثاني هو الرضا عن الحياة، والمقصود به الحالة التي ينسجم فيها الإنسان مع كل ما يقوم به من أعمال أو ما يحدده من اختيارات.

وقد يبدو عنوان شخصية سعيدة لروح حزينة مربكا بعض الشيء لأن الناس تظن بأن الشخصية السعيدة لا يمكن أن تحمل روحا حزينة. لكن بالتأمل في واقع الحياة يمكننا الجزم بأن هذا الأمر ممكن، خاصة حينما يفقد شخص منا عزيزا أو قد عاش مأساة لا يمكن نسيانها ابدا. فالحياة ليست دوما شيئا مثاليا لا يمكن تصوره خارج الحزن والمأساة.

فهذا الأمر لا يعدو أن يكون ضربا من الخيال، لكن هل يمكن أن نجد السعادة في أتعس المواقف؟ نعم يمكن ذلك. غير أن غالبا حينما نشعر بالألم والحزن نحاول التخلص من هذا الشعور ونرى أن علينا تجاهل والتظاهر بأننا بخير، وهذا الموقف يجعلنا في موقف دفاعي واستجابات إنسانية طبيعية لا تبعد عنا الحزن بقدر ما تبقينا فيه، فما يجب الانتباه إليه هو أن الهروب من الألم هو ألم في حد ذاته.

لهذا يجب علينا أن نشعر بالحزن وأن نختبر هذا الألم، أي أن نتعامل مع الألم ككائن حي لأننا ما دمنا في هذه الحياة، فإن هذا الشعور سيلازمنا شئنا أم أبينا، ولن يكفينا الهروب من التخلص منه. كذلك يجب أن نتعود على الاستمتاع بأتفه الأشياء وأدقها وأن نرى السعادة في كل شيء محيط بنا.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

16  سبتمبر 2023 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

تعليق واحد

  1. مبدع يا ابو محمود استمتعت بالمقال من اول سطر الى اخر كلمه ، شكرًا جزيلا على هذه الطاقه الايجابية و الباقه الادبية الجميله 🙏🏻

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى