البدير في خطبة الجمعة: قووا رجاءكم بالله في قبول حجكم، ومحو ما سلف من ذنوبكم

صراحة – محمد المحسن : أوصى فضيلة الشيخ الدكتور صلاح بن محمد البدير إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة اليوم بتقوى الله فإن تقواه أربح بضاعة ، وحذر فضيلته من الوقوع في المعاصي قائلا: احذروا معصيته فقد خاب عبد فرط في أمر الله وأضاعه، قال تعالى :(يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ).
وأضاف فضيلته : أيها المسلمون ،العبودية أشرف المقامات، وأسمى الدرجات ، وفي الأيام القليلة الخالية قضى الحجاج عبادة من أعظم العبادات، وقربة من أعظم القربات، تجردوا لله من المخيط عند الميقات، وهلت دموع التوبة في صعيد عرفات على الوجنات، خجلاً من الهفوات والعثرات، وضجت بالافتقار إلى الله كل الأصوات ، فهنيئًا للحجاج حجُهم، وللعُبَّاد عبادتهم واجتهادهم .
وحث فضيلته قائلا: حجاج بيت الله الحرام، اشكروا الله على ما أولاكم، واحمدوه على ما حباكم وأعطاكم، تتابع عليكم برّه، واتصال خيره، وعم عطاؤه، وكملت فواضله، وتمت نوافله، قال تعالى : ({وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ).
وتابع فضيلته : حجاج بيت الله الحرام، ظنوا بربكم كل جميل، وأملوا كل خير جزيل، وقووا رجاءكم بالله في قبول حجكم، ومحو ما سلف من ذنوبكم، فقد جاء في الحديث القدسي: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) أخرجه الشيخان .
أيها المسلمون، يا من حججتم البيت العتيق، وجئتم من كل فج عميق، ولبيتم من كل طرف سحيق، ها أنتم وقد كمل حجكم وتم تفثكم، بعد أن وقفتم على هاتيك المشاعر، وأديتم تلك الشعائر، ها أنتم تتهيؤون للرجوع إلى دياركم، فاحذروا من العودة إلى التلوث بالمحرمات، والتلفع بالمعرات، والتحاف المسبات، قال تعالى : (وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا)، امرأة حمقاء خرقاء، ملتاثة العقل، تجهد صباح مساء في معالجة صوفها، حتى إذا صار خيطًا سويًا ومحكمًا قويًا عادت عليه تحل شعيراته، وتنقض محكماته، وتجعله بعد القوة منكوثًا، وبعد الصلاح محلولاً، ولم تجن من صنيعها إلا الإرهاق والمشاق، فإياكم أن تكونوا مثلها، فتهدموا ما بنيتم، وتبددوا ما جمعتم، وتنقضوا ما أحكمتم.
وأضاف فضيلته : حجاج البيت العتيق، لقد فتحتم في حياتكم صفحة بيضاء نقية، ولبستم بعد حجكم ثيابًا طاهرة نقية، فحذار حذار من العودة إلى الأفعال المخزية، والمسالك المردية، والأعمال الشائنة، فما أحسن الحسنة تتبعها الحسنة، وما أقبح السيئة بعد الحسنة.
أيها المسلمون، إن للحج المبرور أمارة، ولقبوله منارة، سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما الحج المبرور؟ فقال: أن تعود زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة، فليكن حجكم حاجزًا لكم عن مواقع الهلكة، ومانعًا لكم من المزالق المتلفة، وباعثًا لكم إلى المزيد من الخيرات وفعل الصالحات، واعلموا أن المؤمن ليس له منتهى من صالح العمل إلا حلول الأجل.
أيها المسلمون، ما أجمل أن يعود الحاج بعد حجه إلى أهله ووطنه بالخلق الأكمل، والعقل الأرزن، والوقار الأرصن، والعرض الأصون، والشيم المرضية، والسجايا الكريمة، ما أجمل أن يعود الحاج حسن المعاملة لقِعاده، كريم المعاشرة لأولاده، طاهر الفؤاد، ناهجًا منهج الحق والعدل والسداد، المضمر منه خير من المظهر، والخافي أجمل من البادي، وإن من يعود بعد الحج بتلك الصفات الجميلة هو حقًا من استفاد من الحج وأسراره ودروسه وآثاره.
أيها المسلمون، إن الحاج منذ أن يُلبي وحتى يقضي حجه وينتهي فإن كل أعمال حجه ومناسكه تعرفه بالله، تذكره بحقوقه وخصائص ألوهيته جل في علاه، وأنه لا يستحق العبادة سواه .
حجاج البيت العتيق، يا من امتنعتم عن محظورات الإحرام أثناء حج بيت الله الحرام، إن هناك محظورات على الدوام، وطول الدهر والأعوام، فاحذروا إتيانها وقربانها، يقول جل وعلا: ( تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ ) .
أيها المسلمون، من لبى لله في الحج مستجيبًا لندائه كيف يلبي بعد ذلك لأمر يخالف الكتاب والسنة والشريعة ، من لبى لله في الحج فليلبِّ له في كل مكان وزمان بالاستجابة لأمره أنى توجهت ركائبه، وحيث استقلت مضاربه، يا عبد الله، يا من ذهبت عليه مواسم الخيرات والرحمات وهو منشغل بالملاهي والمنكرات، أما رأيت قوافل الحجاج والمعتمرين والعابدين، أما رأيت تجرد المحرمين، وأكفّ الراغبين، ودموع التائبين. أما سمعت صوت الملبين المكبرين المهللين، فما لك قد مرّت عليك خير أيام الدنيا على الإطلاق وأنت في الهوى قد شُد عليك الوثاق .
يا من راح في المعاصي وغدا، يقول: سأتوب اليوم أو غدًا، يا من أصبح قلبه في الهوى مبددًا، وأمسى بالجهل جلمدًا، وبالشهوات محبوسًا مقيدًا، تذكر ليلة تبيت في القبر منفردًا، وبادر بالمتاب ما دمت في زمن الإنظار، واستدرك فائتًا قبل أن لا تُقل العثار، وأقلع عن الذنوب والأوزار، إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، حتى تطلع الشمس من مغربها والتائب من الذنب كمن لا ذنب له .
وفي الخطبة الثانية ذكر فضيلته : أنتم في الدنيا أغراض المنايا، وأوطان البلايا، أنتم الأخلاف بعد الأسلاف، وستكونون الأسلاف قبل الأخلاف، فاغتنموا زمنكم، وجاهدوا أنفسكم، فإن المجاهدة بضاعة العُبَّاد، ورأس مال الزُهَّاد، ومدار صلاح النفوس، وسددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا وبادروا بالأعمال الصالحة واحذروا الفتن المضلة المدلهمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ : (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا ) .
واختتم فضيلته الخطبة بالدعاء : اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل اللهم هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ، اللهم أجعل ديارهم ديار أمن وأمان يا ذا الجلال والإكرام اللهم تقبل من الحجاج حجهم ، اللهم أجعل حجهم مبروراً وسعيهم مشكوراً ، وذنبهم مغفوراً ، واعطهم ما تمنوه و ما سألوك إياه يا رب العالمين ، اللهم وفق إمامنا لهداك وأجعل عمله في رضاك ووفق جميع أمور ولاة المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وفق من خدم حجاج بيت الله الحرام اللهم سدد أقوالهم وأعمالهم اللهم اجعل ذنوبهم مغفورة يا رب العالمين اللهم احفظ حدودنا وقوي جنودنا اللهم ثبتهم وثبت اقدامهم واربط على قلوبهم يا ذا الجلال والإكرام يا قوي يا عزيز ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، اللهم أن الله لا إله إلا أنت ، أن الغفور الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين .