محليات

الثبيتي في خطبة الجمعة: أن الانتماء للوطن أمر غريزي وحب فطري مستمد من الانتماء إلى الدين

صراحة – فيصل القحطاني :أكد فضيلة الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة اليوم أن الإسلام يضع كل ما أودعه الله في الأرض من ثروات كبيرة وموارد ضخمة تحت يد البشرية لتحقيق معنى الاستقرار.

وأوضح فضيلته أن كل تكاليف ومقاصد الشريعة وضروراتها؛ جاءت لتثبيت دعائم الاستقرار في حياة البشرية ذلك أن تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا؛ بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة والإسلام رتب أشد الوعيد على الإفساد في الأرض، فمن أفسد في الأرض، وقوض معاني الاستقرار فهو مفسد.

وذكر فضيلته أن في حياة الأمم ومحطات ومنعطفات تبرز قيمتها وأصالة معدنها وتظهر حقيقة الأمم وقت المحن والشدائد، وصلابة بنيان ورسوخ فهم وعلم؛ محن وشدائد تعصف بأمم فتسقط وتهوى وأمم تقوى ويشتد ساعدها، وتعمق جذورها وتسمو هممها، والشدائد لا توهن عزم الرجال، ولا تفت في عضد الأوطان، ولا توقف عجلة الحياة، فهي تحتض الأحداث وتتجاوزها وتسموا عليها.

وأكد فضيلته أن الحادث الأليم الذي وقع قبل أيام في محافظة بقيق وهجرة وخريص وأسفر عن أثر في مقدرات وثروات الوطن والأمة، عمل مأزوم، لن يحقق أهدافه الدنيئة، ولن يروم مراده الفاسد وسيبوء بالخسران المبين بفضل الله ثم بيقظة ولاة أمر هذه البلاد، وعزم رجال الأمن وحراس الثغور.

وإذا تجاوز المفسدون والمخربون الحد وطغوا وبغوا، عوملوا بما يردعهم ليستقر حال الوطن وتدور عجلة البناء والتنمية ومع هذه الأحداث تزداد الوحدة تماسكاً والصفوف تراصاً والوطن بصيرة لتحصين الحمى واستقرار الأمر وتعزيز الأمن والأمان.

لكن ليعلم الشانئون أصحاب الأعمال البائسة، والأفعال المتشنجة أنهم لن ينالوا من أمنها ولن يزعزعوا كيانها ولن يبلغوا مكرهم؛ فهي عصية على الطغيان شديدة البأس على العدوان، بناؤها من الداخل متين، وهي بحفظ الله حصن حصين؛ سيحفظها الله بحفظه فهي ترفع راية الكتاب والسنة التي هي أساس التحكيم ومرتكز التشريع ومنهج الحياة ومكمن التمكين ومصدر السعادة والفلاح وهذا يجعل الأمن في وطننا متماسكاً نشيد بقوته وتشرئب الأعناق لتنميته.

وذكر فضيلته أن الانتماء للوطن أمر غريزي وحب فطري مستمد من الانتماء إلى الدين، وقوة الانتماء للوطن تعزز الأمن بكل صوره وتقوي اللحمة الداخلية التي تحمي ممن يريد إحداث الفتن والقلاقل في الوطن.

 وبين فضيلته أن قوة الانتماء للوطن تعزز الأمن بكل صوره وتقوي اللحمة الداخلية التي تحمي ممن يريد إحداث الفتن والقلاقل في الوطن

وفي الخطبة الثانية ذكر فضيلته أن المؤمن في الشدائد والمحن تقوى صلته بربه ويتعلق قلبه بمولاه ويلوذ بحماه .واللجوء إلى الله والافتقار إليه سبحانه وسؤاله تفريج الكرب ، ورفع المحن والصدق معه سبحانه ديدن المسلم في السراء والضراء ، وإذا افتقر المسلم إلى مولاه ؛ باشر افتقاره بالعمل ولزوم الدعاء وأنه سبحانه تعهد بالاستجابة لمن دعاه ، يدعو المسلم وهو واثق من وعد خالقه قال تعالى : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) وهو سبحانه الحافظ الحفيظ لمن يشاء من الشر والأذى والبلاء ، ومن الدعاء الذي علمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم  : ( اللّهُـمَّ اسْتُـرْ عـوْراتي وَآمِـنْ رَوْعاتـي ، وأحْفَظْـني مِن بَـينِ يَدَيَّ وَمِن خَلْفـي وَعَن يَمـيني وَعَن شِمـالي ، وَمِن فَوْقـي ، وَأَعـوذُ بِك أَن أُغْـتالَ مِن تَحْتـي )

ومن استمد القوة من الله لا يعرف للضعف معنى ولا يجد اليأس في نفسه مكانا فالله هو الناصر والمهيمن وإليه تصير الأمور، والأمة المسلمة تجمع بين اتخاذ الأسباب والتوكل على الله – سبحانه – ومن وكل أمره إلى الله وفوضه كفاه ربه وحفظه وحماه.

واختتم فضيلته الخطبة بالدعاء للإسلام والمسلمين وأن يصلح أحوالهم ويقوي عزائمهم في كل مكان وأن وينصرهم بنصره، ويتقبّل شهداءهم، ويشفي مرضاهم، ويجبر كسيرهم، ويحفظهم في أهليهم وأموالهم وذرياتهم اللهم فرج كربهم وارفع ضرهم وتولى أمرهم وعجل فرجهم واجمع كلمتهم يا رب العالمين، وأن يحفظ ولاة أمور المسلمين وأن يعز بهم الدين وأن يوفقهم لما فيه خير للإسلام والمسلمين، ولما فيه صلاح البلاد والعباد يا رب العالمين.

وأم المصلين لصلاة الجمعة فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي مبتدئاً خطبته بحمد الله والثناء على نعمه والصلاة والسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم، وتوصية المصلين بتقوى الله.

وقال فضيلته عباد الله: ومن مطالب الحياة الطيبة الأمن والأمان، فكيف يعيش المرء في حالة لا يجد فيها أمنا ولا استقرارا، وكيف يطيب عيشه إذا عدم الأمن، وهو كذلك ضرورة لكل مجتمع حيث السلامة من الفتن والشرور والآفات، وبه يتحقق الاطمئنان والسكون والرخاء والازدهار، وبه تستقيم المصالح وتحفظ الأنفس، وتصان الأعراض والأموال، وتأمن السبل وتقام الحدود، وبفقده تضيع الحقوق وتتعطل المصالح وتحصل الفوضى ويتسلط الأقوياء على الضعفاء ويحصل السلب والنهب وسفك الدماء وانتهاك الأعراض إلى غير ذلك من مظاهر فقد الأمن للمجتمع.

وأكد فضيلته على نعمة الأمن فقال: إن الأمن -عباد الله – مطلب في حياة الإنسان إذ هو بطبعه ينشد الأمن وما يبعده عن المخاطر والمخاوف، ولأهميته وعظيم مكانته دعا الخليل إبراهيم عليه السلام لأهل مكة قال ( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) فقدم طلب الأمن على طلب الرزق لأن الأمن ضرورة ولا يتلذذ الناس بالرزق مع وجود الخوف، بل لو تأملنا في جملة من آيات القرآن التي تحدثت عن الأمن والخوف لتبين لنا بجلاء التلازم الوثيق بين الأمن ورغد العيش من جهة، وبين الخوف والجوع من جهة أخرى، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، وقال تبارك وتعالى مبينا منته وفضله على قريش: { الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }    ومما يدل على حاجة المرء للأمن أنه كان أحدَ المسائل التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم ربه فعن ابن عمر رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال (اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربنا وربك الله) رواه الطبراني والمعنى: اجعل رؤيتنا للهلال مقترنة بالأمن من الآفات والمصائب وبثبات الإيمان فيه والسلامة من آفات الدنيا.

وبين فضيلته مضار اختلال الأمن فقال معاشر المسلمين: إذا اختلَّ نظام الأمن وزُعزِعت أركانُه واختُرِق سياجُه، فلا تسأل عن الآثار الوخيمة التي تحدث نتيجة ذلك من الفتن العاصفة والشرور المتعاظمة؛ إذ لا يأتي فقدُ الأمن إلا بإثارة الفتن العمياء، والجرائم الشنعاء، والأعمال النَّكراء.

    ومن هنا؛ فالأمن في الإسلام مقصِدٌ عظيمٌ شُرِع له من الأحكام ما يحميه ويحفظُ سِياجَه، ويمنع المساس بجنابه، فقد تضافَرت النصوص الشرعية على وجوب المحافظة على الضرورات الخمس، وهي: الدين والنفس والعقل والعرض والمال أوجب الشرع حفظها وحمى حماها، وحد الحدود وشرع التعزيرات للحيلولة دون النيل منها، بل إن الإسلام حرَّم كل فعلٍ يخل بالأمن والاطمئنان والاستقرار، وحذَّر من كل عملٍ يبث الخوف والرعب والاضطراب، من مُنطلق حرصِه على حفظ هذه النعمة الجليلة.

ثم أكمل فضيلته في خطبته الثانية عباد الله: إن المؤمن الصادق لا يرضى بأن تمس بلد الإسلام بسوء فضلا عن أن تكون بلادَ الحرمين بل يقف معاديا متصديا لكل من يريد التطاول على قيمها وثوابتها أو يسعى في إشاعة الفوضى فيها أو الاستجابة لمن يريد زعزعة الاستقرار والإخلال بأمنها.

ولا غرابة في ذلك فالمحافظة على الأمن والاستقرار في مجتمعنا عبادة نتقرب بها إلى الله عز وجل، وهي مسؤولية الجميع، فلا بد من تكاتف الجهود في هذا المجال للتصدي لمن يحاول الإخلال بأمن البلاد والعباد والوقوفِ أمام كل دعوةٍ تُهدِّدُ الأمن، وتُزعزِعُ الاستقرار، فلا هناءَ في عيشٍ بلا أمن، ولا سعادة في مالٍ بلا استقرار.

ثم ختم فضيلته خطبته المسلمين بنصح المسلمين فقال : لا شك أن الذين يروعون المسلمين، ويقومون بالإخلال بأمنهم، ويهددون مصالحهم الاقتصادية أن عملهم هذا من أعظم الفساد في الأرض ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ؛ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)  وقال تعالى: ( ولا تبغ الفساد في الأرض إِن الله لا يحب المفسدين) : أي ولا تطلب الفساد فى الأرض عن طريق البغى والظلم فإن الله لا يحبّ بغاة البغي والمعاصي

زر الذهاب إلى الأعلى