المقالات

استشراف المستقبل السعودي

استشراف المستقبل السعودي من لقاء صاحب السمو الملكي  ولي العهد الأمير/محمد بن سلمان -حفظه الله -مع مجلة ذا أتلانتيك

 

لقد عكس لقاء صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله ورعاه-مع مجلة ذا أتلانتيك في لقاء واحد فقط مدى الطموح الواسع، والاستشراف العميق، والتصور الدقيق، بأسلوب واضح أنيق؛ دون مجاملة أو تزويق، كما أبان مستوى الفطنة، والحنكة، وبعد النظر، وسرعة البديهة مع الحزم والعزم؛ لسموه الكريم -يحفظه الله -والذي صنع نافذة لمستقبل مشرق للدولة السعودية ولمواطنيها؛ فتكللت جهوده -بفضل الله-بنجاحات لم تسبق؛ على الرغم من تزاحم الصعوبات والعوائق والأزمات الإقليمية، والعالمية، كأزمة كورونا، وغيرها، والتي تخطاها بكل ثقة واقتدار.

كما تجلى من لقاء سموه الكريم -رعاه الله-أنه لم يترك مجالاً للتوقعات ولا للاحتمالات ولا للتكهنات؛ فتناول أبرز الأهداف، والخطط، والتوجهات المستقبلية للمملكة العربية السعودية التي تمضي قدماً وفق الرؤية المباركة 2030، والتي رسمها سموه، وتبناها منذ انطلاقها، وراهن عليها، وحقق كثيراً من أهدافها .

وقد اتسمت إجابات سموه الكريم باستشراف تفاصيل المستقبل مع الشفافية، والمصداقية، والتنوع، والشمول، فقد تناول -أيده الله -العديد من القضايا الداخلية والإقليمية والدولية؛ كما تألق في الكثير من الأمور الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والقضائية، والأمنية، والثقافية، والتاريخية؛ فضلاً عن اعتزازه بحماية مصالح الدولة، والمحافظة على مقدراتها، وحقوق أفرادها، والدفاع عن عقيدة مواطنيها، وصيانة مجتمعها، وحفظ تاريخها، والحزم مع كل من يحاول الإساءة إليها؛ ولعلنا نقف على بعض ما ذكر سموه الكريم -أيده الله-  في هذه المقابلة التي وقفت على جزء يسير من المواضيع التي كان سموه ـ حفظه الله ـ  يراهن على الوصول إليها منذ انطلاق الرؤية المباركة رؤية 2030 وبعضها تم الوصول إليه بعد الاستعانة والتوكل على الله سبحانه وتعالى من خلال النقاط الآتية :

استشرافه ـ حفظه الله ـ  في تحقيق التطور والإبداع في شتى المجالات التي يكون تطورها سبب في التميز في كل شي ويكون هذا التطور مما ترفل به هذه البلاد من مقدرات ثمينة اقتصادياً وثقافياً وبشرياً , حيث يقول سموه :(إننا لا نحاول أن نكون مثل دبي أو أمريكا، بل نسعى إلى أن نتطور بناءً على ما لدينا من مقومات اقتصادية، وثقافية، وقبل ذلك الشعب السعودي، وتاريخنا، نحن نحاول أن نتطور بهذه الطريقة، ولذا لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة.. بل نريد أن نضيف شيئًا جديدًا للعالم.. نحن نحاول أن نكون إبداعيين؛ إننا نحاول استخدام الأموال التي نملكها في صندوق الاستثمارات العامة، والأموال التي نملكها في ميزانية الحكومة بطريقة إبداعية تعتمد على ثقافتنا وعلى الإبداع السعودي) .

استشرافه ـ حفظه الله ـ باعتزازه بالهوية الإسلامية والحرمين الشريفين والثقافة العربية وبيان أن الرؤية من أهدافها  الأساسية تجاه الحرمين الشريفين القيام والدعم المستمر لهما للابد؛ إذ أوضح سموه أن : (دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا.. فإننا لن نقلل من أهمية معتقداتنا.. فالمسجد الحرام يوجد في السعودية، ولا يمكن لأحد أن يزيله؛ لذا فإننا بلا أدنى شك لدينا مسؤولية مستمرة إلى الأبد تجاه المسجد الحرام).

جـ- استشرافه ـ حفظه الله ـ في ترسيخ قيم الإسلام المعتدلة التي سار عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم -وصحابته الكرام، ومحاربة التطرف والغلو بكل أشكاله وبيان المنهج الصحيح الذي يكون سبباً للتعايش بسلام بين أطياف المجتمع الواحد وبين أن الإسلام كان مختطفاً من قبل هؤلاء المتطرفين الذين يريدون الإسلام على طريقتهم المخالفة للإسلام الحق الذي يسعى ـ حفظه الله ـ الى إرجاع المجتمع إليه , ثم ذكر ـ حفظه الله ـ في أخر كلامه في هذه النقطة توجيهاً غير مباشر للدعاة والعلماء الى مواجهة هذه الأفكار وأن بسبب عدم المواجهة لهؤلاء كان اختطاف الدين وتوظيفه لمصالح هؤلاء المتطرفون , وما تنفيذ الحكم  بالقتل في 81 ممن يحمل الفكر المتطرف الضال الا دليل على أنه لابد و أن يكون المجتمع خاليا من هذه التوجهات الهدامة حتى يرتقي المجتمع ونعلم أن الدين من بريء  ؛ حيث قال سموه: (نحن نرجع إلى تعاليم الإسلام الحقيقية، التي عاش بها الرسول- عليه الصلاة والسلام- والخلفاء الأربعة الراشدون، حيث كانت مجتمعاتهم منفتحة ومسالمة، وكان عندهم مسيحيون ويهود يعيشون في تلك المجتمعات، وأرشدتنا هذه التعاليم إلى أن نحترم جميع الثقافات، والديانات بغض النظر عنها، وهذه التعاليم كانت مثالية، ونحن راجعون إلى الجذور، إلى الشيء الحقيقي.. المتطرفين اختطفوا الدين الإسلامي وحرفوه، بحسب مصالحهم، حيث إنهم يحاولون جعل الناس يرون الإسلام على طريقتهم، والمشكلة هي انعدام وجود من يجادلهم ويحاربهم بجدية).

د- استشرافه ـ حفظه الله ـ في المنع من التدخل في الشؤون الداخلية وترسيخ مبدأ سيادة الدولة لا تتبع لأحد ولن تخضع لأحد كائناً من كان حتى ولو مارس الضغوط فإنها لن تجدي نفعاً لان الثقة كانت تتلألأ من كلامه ـ حفظه الله ـ حيث كان سموه ـ قوي الرد بشجاعة غير مستغربه على من تسول له نفسه حب السيطرة والتحكم على الموقف السعودي من جميع النواحي حيث يقول سموه: (ليس لأحد الحق في التدخل في شؤننا الداخلية، فهذا الأمر يخصنا نحن السعوديين، ولا أحد يستطيع فعل شيء حيال ذلك.. ولهذا فإن ممارسة الضغوط لم تجدِ نفعًا على مدى التاريخ، ولن تجدي نفعاً، فإذا كانت لديك الفكرة الصائبة، والطريقة الصحيحة في التفكير، فاستمر فيما تفعله، فالأشخاص سيتبعونك إذا كان ذلك هو الأمر الصائب، وإذا كان الأمر خاطئًا، فالأشخاص سيتبنون طريقتهم الخاصة في التفكير، وعليك تقبل الأمر) .

هـ- استشرافه ـ حفظه الله ـ في حماية كيانات الدولة ومقوماتها وأن الدولة باقيه كما كانت قبل ثلاث مئة سنة بقيادتها ومواطنيها الذين لا يقبلون الا هذه الدولة التي قامت على الملكية وهذا من أسباب حب سموه وثقته المطلقة بمواطنية وشعبة وهو يعلم أنه شعور متبادل بين القيادة والشعب لان الشعب يسمع ويطيع استجابة لما علمه من الدين بطاعة ولاة الامر والقائد يحب الشعب ديانة لإقامة هذا الدين والشريعة فأي نظام في العالم لن يكون مناسباً لهذه البلاد الا النظام الملكي المتعارف عليه منذ القدم ، وفي ذلك يقول سموه: (السعودية دولة ملكية، أقيمت، وتأسست على هذا النموذج.. تحت هذه الملكية هناك نظام معقد يتكون من أنظمة قبلية من شيوخ قبائل، ورؤساء مراكز، وهجر.. إنني لا أستطيع تغيير السعودية من ملكية إلى نظام مختلف، وذلك لأن الأمر مرتبط بملكية قائمة منذ ثلاث مئة سنة).

و-النظرة البعيدة مع الطموح العالي في تصحيح الحاضر، واستشراف المستقبل الذي لا يكون الا بالجهد والمتابعة والإصرار والسعي الحثيث، ويظهر ذلك جلياً في كلام سموه إذ قال:(إذا قلت لكم: إنني أرى خط النهاية، فهذا الأمر يعني أنني قائد سيء، فخط النهاية يعد شيئاً بعيداً، كل ما عليك القيام به هو الركض، والاستمرار بالركض بسرعة أعلى، والمواصلة في خلق المزيد من خطوط النهاية، والاستمرار في الركض).

ز-  استشرافه ـ حفظه الله ـ في دعم النسيج الاجتماعي وفقاً للمقومات الاقتصادية والثقافية والاعتقادية التي من دعمها يكون النجاح في المستقبل للسعوديين؛ وعن ذلك يقول سموه: (من الناحية الاجتماعية نحن نسير في الطريق الصحيح، لكن على أية حال، لن تبدو المرحلة النهائية مطابقة لمعاييركم الاجتماعية بنسبة 100%، لنقل: إنها ستكون بين 70 و80% .. ولن نصل إلى 100%؛ لأن لدينا بعض المعتقدات التي نحترمها في السعودية، وهذا لا يتعلق بي، بل يتعلق بالشعب السعودي، وأنا من واجبي أن أحترم المعتقدات السعودية، ومعتقداتي كمواطن سعودي بينهم، وأن أناضل من أجلها.. نحن لا نقوم بذلك لينسب إلينا الفضل، هذا لا يهمنا، وما نقوم به هو من أجلنا نحن السعوديين..) .

حـ-  استشرافه ـ حفظه الله ـ في تعزيز النمو الاقتصادي وأن المجال الاقتصادي في المملكة العربية السعودية قوي ومتين و أنه أوسع مما يعتقده الغير أن الخيار واحد إنما الخيارات لدينا متعددة والمستفيد من هذه الإمكانيات ليس محدد بجهة ولا أشخاص؛ إذ يقول سموه: (إن السعودية عضو في مجموعة العشرين، بإمكانك رؤية ترتيبنا قبل 5 سنوات، كنَّا قريبين من المرتبة 20، أما اليوم فنحن على وشك الوصول إلى المرتبة 17 بين دول مجموعة العشرين، ونطمح للوصول إلى مرتبة أعلى من المرتبة 15 بحلول 2030 ونحن في عام 2021، فعلى سبيل المثال، كان هدفنا هو نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.9%، ونعتقد أننا حققنا نسبة 5.6% في عام 2021، وهذا بالتأكيد يضعنا من بين أسرع الدول نموًّا في العالم، وفي العام المقبل، سينمو الاقتصاد بأكمله بنسبة تقارب 7%، والسعودية ليست دولة صغيرة، فهي من ضمن دول مجموعة العشرين، وأسرع البلدان نموًّا في العالم، مما يدفعنا إلى التساؤل، أين تكمن الإمكانيات العالمية؟ إنها في المملكة العربية السعودية، وإذا أردت تفويتها، فهناك أشخاص آخرون في الشرق سيكونون سعداء للغاية، وفي الوقت نفسه تحاول صدهم، أنا لا أستطيع فهم ذلك).

ط- استشرافه ـ حفظه الله ـ في محاربة الفساد بكل أشكاله وصوره و أنه السبب الرئيس في عدم التقدم والرقي، فقد أبان سموه أنه: (في كل ميزانية، هناك نسبة عالية تذهب للفاسدين، لن يكون لدينا نمو بنسبة 5.6% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، ولن تكون لدينا زيادة 50% من الاستثمار الأجنبي في السعودية في 2021م لو استمر الفساد، ولن يكون هناك وزراء أكفاء، ولا أشخاص بارزون أكفاء يعملون في الحكومة ويكافحون ليل نهار، ويعملون على مدار اليوم، ما لم يعتقدوا أنهم يسلكون طريقًا قويمًا ومشروعًا، وهذا لن يحدث طالما كان هناك فساد في السعودية).

ي- استشرافه ـ حفظه الله ـ في تحديث النظام القضائي في المملكة وأن الطموح عالي للرقي بهذا النظام والوصول به الى المعايير الدولية و على أن يكون هذا التطوير عبر أكبر القنوات الرسمية في الدولة ؛ وفي ذلك يقول سموه : (إنني لا أدافع عن هذا النظام، ولا أقول إنه النظام الأفضل في العالم، فأمامنا طريق طويل لتحسينه، ولتغييره من خلال مجلس الوزراء، ومجلس الشورى، لقد قمنا بالفعل بإجراء تغييرات كبيرة، ولا يزال الطريق طويلاً أمامنا حتى نصل إلى معايير عالية على الصعيد الدولي).

ك- استشرافه ـ حفظه الله ـ في تنمية الاستثمار في السياحة وأن المستثمر السعودي مقدم على غيره إذا كان أهل لذلك مع فتح مجال للأجانب لتطوير هذا المجال الحيوي لاستقطاب السياح من جميع الدول من أجل تعزيز الناتج المحلي حيث يقول سموه: (نحاول إبقاء الموهبة السعودية في السعودية نفسها، وإبقاء المستثمرين السعوديين في السعودية، وإقناع المستثمرين الأجانب، ونحاول الوصول إلى هدف مئة مليون سائح بحلول 2030م، حيث ارتفع العدد من حوالي ستة ملايين في عام 2016 إلى 17.5 مليون سائح في 2019م؛ فيجب علينا أن نوفر لهم جميع البُنى التحتية كالمشاريع والفنادق والمنتزهات وغير ذلك.. إذ يجب أن نعمل على هذه الأهداف جميعًا، لتحقيق ما يعادل 10% إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي للسعودية في 2030م).

ل- استشرافه ـ حفظه الله ـ في الاستفادة من النقد الموضوعي عبر مختلف الوسائل الإعلامية وأن النقد البناء يعزز استمرار العمل وتجنب الأخطاء في المستقبل حيث يقول سموه: (اعتقد أن الإعلام السعودي يجب أن ينتقد عمل الحكومة، وخطط الحكومة، أيًّا كان؛ لأن ذلك أمر جيد.. إنهم يفعلون ذلك بطريقة جيدة، ويناقشون عددًا من القضايا، وينشرون الأفكار، ويتحدثون عن كل خطة، وعن كل استراتيجية، وعن كل سياسة تقوم بها كل وزارة، وهذا أمر جيد، ونحن بحاجة إلى ذلك؛ لأنك بحاجة إلى آراء العديد من الأشخاص.. حتى وسائل الإعلام العالمية، متى ما كتبت عن المملكة العربية السعودية، فإن كانت حقًّا كتابة موضوعية، دون أي أجندات أو أيديولوجيات، فهذا مفيد للغاية بالنسبة لنا، لقد تعلمنا من بعض الأخطاء من مثل هذا النوع من المقالات والتقارير).

والحاصل أن ما أشار إليه سموه الكريم في هذه المقابلة يمكن أن يكون نافذة للباحثين، والدارسين في مختلف التخصصات للاستفادة من هذه الرؤية الاستشرافية، وتوظيفها فيما يخدم المصالح الداخلية، والإقليمية، والدولية، كما أن هذه الرؤية المباركة لن تقف عند هذه السنوات؛ بل ستكون إلهاماً للعالم أجمع في فضاء القرن الحاضر، والتي يسعى -حفظه الله – لأن تكون مملكة حديثة ذات هوية دينية راسخة، منفتحة على العالم، ومتصالحة مع الجوار، ذات تأثير كبير على جميع المستويات، وتتمتع باقتصاد متنوع، ومكانة رائدة مع الحزم والعزم والسرعة والإنجاز .

 

باحث دكتوراه: سعد حمد القحطاني

المستشار في اللجنة الاستشارية بالمعهد العالي بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى