المقالات

السيفان والنخلة… رمز يتجاوز الصورة

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

من منظور علم الاجتماع، لا يمكن فصل الرموز الوطنية عن دورها الحيوي في تشكيل الوعي الجمعي وصناعة الانتماء. تجلّى ذلك بوضوح في التفاعل الواسع مع صورة رسالة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – إلى سمو الأمير تركي بن طلال حول مشروع تطوير مطار أبها، التي تصدّرت مشهدًا رقميًا نابضًا بالتلاحم المجتمعي.

الصورة المتداولة، التي تصدّرها شعار المملكة المتمثل في “السيفين والنخلة”، لم تُستقبل باعتبارها وثيقة إدارية فحسب، بل كعلامة محورية تحمل مضامين الهوية والانتماء. من منظور سوسيولوجي، يُعد الشعار تمثيلًا بصريًا لتاريخ اجتماعي متراكم، حيث ترمز النخلة إلى الاستقرار والكرم والتنمية المستدامة، في حين يُجسّد السيفان القوة والقدرة على الحماية، وهي خصائص تمثل بنية القيم المجتمعية في السياق السعودي.

الانتشار السريع للصورة عبر منصات التواصل، وتحويلها إلى رمز في الصور الشخصية دون دعوة رسمية، يُعبر عن ما يُعرف في علم الاجتماع بـ”الفعل الرمزي الطوعي”، حيث يبادر الأفراد والجماعات إلى التعبير عن انتمائهم دون توجيه خارجي، مما يعكس نضجًا ووعيًا بالهوية الوطنية. هذه الممارسة الرقمية تمثل شكلاً جديدًا من التفاعل الجمعي، يدمج بين الولاء والانخراط في سرديات الدولة الحديثة.

في هذا السياق، يمكن اعتبار الحدث بمثابة “لحظة رمزية” تؤدي دورًا تحفيزيًا في ترسيخ الوعي الوطني، حيث يتفاعل الأفراد مع القيادة والدولة من خلال رموز مشتركة، تؤدي دورًا في إعادة إنتاج المعاني المرتبطة بالمكان والانتماء. هذا الحراك لا يعكس فقط ولاءً تقليديًا، بل يعبر عن اندماج المواطنين في مشروع التحديث والتحول الوطني الذي تقوده “رؤية 2030”، بما تحمله من معانٍ للتنمية والتمكين والتطلّع الجماعي للمستقبل.

الشعارات الوطنية هنا لا تؤدي دورًا جمالياً أو بيروقراطياً فقط، بل تصبح وسائط اجتماعية تُستحضر في اللحظات المفصلية لربط الفرد بالكلّ، والشخصي بالجمعي. وهو ما ظهر جلياً حين عبّر المواطنون عن انتمائهم من خلال الصورة، لا بالشعارات التقليدية، بل بلغة حديثة ترتبط بثقافة الصورة والتمثيل الرمزي.

 

خاتمة سوسيولوجية

يُظهر هذا المشهد ديناميكية المجتمع السعودي وقدرته على التعبير عن الولاء والانتماء بطرق تتماشى مع تحولات العصر، حيث أصبح التفاعل الرمزي، لا سيما في الفضاء الرقمي، أداة فعالة لإعادة إنتاج الهوية الوطنية وتعميق الشعور الجمعي بالوحدة والانخراط في المشروع الوطني. فالرمز هنا لم يكن مجرد نقش في رأس الوثيقة، بل مفتاحًا لفهم أعمق للعلاقة بين الدولة والمجتمع، بين القيادة والمواطن، في وطن يُعيد تشكيل ذاته برؤية طموحة، وبشعب واعٍ.

 

بقلم / د. عبدالله بن قاسم بن دغيّم

متخصص في علم الاجتماع التنمية والتغير

[email protected]

الأثنين 04 أغسطس 2025 م 

للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

 

زر الذهاب إلى الأعلى