العلاقات بين المبادرة وقيود المعاملة بالمثل
في تفاصيل حياتنا اليومية، نلاحظ أنّ بعض الناس يبنون علاقاتهم على ثقافة المعاملة بالمثل: تكرمني فأكرمك، تزورني فأزورك، تعزّيني فأعزّيك، هذه الطريقة في التعامل تحصر العلاقة في دائرة ردود الأفعال، وكأنّ المشاعر تُقاس بميزان ينتظر ما يقدمه الطرف الآخر أولاً، ومع مرور الوقت، تتحول تلك العلاقات إلى معاملات رسمية تفتقد الدفء والصدق، ويسودها الشعور بالتكلّف.
الاعتماد على ما يقدمه الآخر يجعل القلوب رهناً للظروف. فقد يقصّر من نحب عن غير قصد، أو يبتعد لانشغاله لا لقلة مودة، فنسيء الظن وتضعف الروابط، فتتكشف هشاشة العلاقات المبنية على هذا المبدأ، فتنهار سريعاً عند أول تقصير، ويولد في النفوس شعور بالخذلان وعدم الثقة.
في المقابل، هناك من يجعل قيمه هي مرجعه الأول قبل انتظار أي مقابل. يزور من يحب دون دعوة، ويقف بجانب أصدقائه في شدائدهم قبل نداء الاستغاثة، ويقدّم المساعدة لأن إنسانيته تدفعه لذلك، لا لأنه ينتظر رداً مماثلاً، هؤلاء يتركون أثراً طيباً أينما مرّوا، ويكسبون احترام القلوب بنبل تعاملهم ومبادرتهم الدائمة.
العلاقات التي تُبنى على المودة الصادقة والخلق الكريم تُثمر راحة وطمأنينة، لأنها لا تحتاج إلى براهين متجددة كي تستمر. يكفي فيها صفاء القلب وصدق النية، كي تكون جسراً متيناً يستمر مهما تبدلت الظروف. هكذا تُصنع المجتمعات المترابطة المتراحمة التي تتجاوز الأنانية وحسابات المكسب والخسارة.
الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل النقاط على الآخرين، المروءة الحقيقية أن نكون نحن كما نحب أن نكون مبادرين، محبين، مساندين، فلنعامل الناس بما يمليه علينا خلقنا، لا بما يقدمونه لنا، عندها فقط نرتقي بعلاقاتنا، ونبني لأنفسنا مكانة تليق بنا وبقيمنا، ونترك في قلوب من حولنا أثراً لا يُنسى.
بقلم: أحمد مهدي بالحارث
السبت 25 أكتوبر 2025م
للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )
