الدراما التلفزيونية واشكالية الاختراق الثقافي

برز دور الاعلام كقوة ناعمة وسلاح فعال منذ ان وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها وخصوصاً حينما ادرك صنّاع الاعلام أهمية الدعاية غير المباشرة في التأثير وبناء صورة ذهنية جذابه تغير توجهات وثقافة المجتمعات، وتأتي صناعة الدراما في مقدمة هذه الأسلحة التي أثبتت فاعليتها واثرها المباشر على الجماهير.
“تشير التقديرات أن هناك ما يقرب من 500000 فيلم (أو أفلام روائية طويلة ، أفلام سينمائية ومسرحية) موجودة حاليًا”.
فمنذ بدء البث التليفزيوني في أميركا إبان الأربعينيات من القرن الماضي والدراسات لم تتوقف حول تأثير الدراما على عقول المشاهدين وأمزجتهم، والأمثلة والشواهد على ذلك كثير فعلى سبيل المثال بلغ عدد مشاهدين مسلسل “فريندز” ٢٥ مليون كل ليله وأشارت الدراسات الى أن المسلسل ساهم في انتشار تعليم اللغة الانجليزية بين أوساط الشباب حول العالم وزاد من هجرة الشباب الأمريكي لمدينة نيويورك بل وأصبحت مزاراً عالمياً، وحث الكثير على الاستقلالية وتبني نموذج الحياة الفردية بعيد عن سلطة الاهل، بالإضافة الى دورة في التأثير على اللغة الاتصالية للمشاهدين من حيث استخدام نفس التعابير اللفظية والجسدية لأبطال المسلسل.
والملاحظ أن معظم الاعمال الدرامية الأمريكية تنتهج الغزو الفكري بغرض التأثير على الثقافة الوطنية للشعوب بطرق مختلفة. بمعنى ما، “تضفي الطابع الأمريكي” على القيم والمعتقدات العالمية، وبالتالي فإنها تقلل بطريقة ما من سمات الثقافة الوطنية وتكيف وتعزز العادات الأمريكية. الى ان اصبح يميل الناس إلى نسخ أفكار وعادات وثقافة الشعب الأمريكي “الامركة” بل أصبحت الهجرة الى أمريكا حلم كثير من الشباب حول العالم.
تنامي الإنتاج الدرامي التركي:
من جهة أخرى تربعت تركيا على عرش الوصافة بعد أمريكا وبحسب “الاناضول” (150 مسلسلًا تركيا للخارج يقودها للمركز الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة). “القرن العظيم” على رأس المسلسلات التركية المصدرة بـ500 مليون مشاهدة ، ومن المتوقع وصول إيراد تركيا من وراء مسلسلاتها انحو مليار دولار بحلول العام 2023.
وذكر المدير العام لشركة Memphis Tours المصرية للسياحة “إن الحركة السياحية من العالم العربي إلى تركيا شهدت تطورا كبيرا منذ انتشار موجة المسلسلات التركية المدبلجة إلى العربية في المنطقة.”
وحسب المختصين فإن قدرة الدراما التركية على الدمج بين القيم الإسلامية وقيم العولمة قد ساهم في هذا الانتشار بالإضافة الى العمل المؤسسي الذي تتبناه وزارة الاقتصاد التركية حيث وضعت مؤخرا استراتيجية وخطة عمل، لتشجيع تصدير الخدمات الثقافية، بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة التركية. لن تستطيع الدول النامية الوقوف امام هذا الفيضان الدرامي الكبير الا بصناعة دراما محلية تلبي احتياجات المشاهد وتحافظ على السمت الثقافي للمجتمعات الوطنية ضد الغزو الثقافي الخارجي.
الكاتب / ناصر بن شنّان
أكاديمي سعودي مختص بالإعلام والاتصال
27 فبراير 2023 م