انطلاق أعمال المنتدى التاريخي الوطني بدارة الملك عبدالعزيز

صراحة – الرياض: انطلقت في الرياض اليوم أعمال المنتدى التاريخي الوطني، بحضور العديد من المؤرخين والباحثين الشباب المسجلين في عضويته من مختلف مناطق المملكة، سعيًا لتجديد المدرسة السعودية في كتابة التاريخ الوطني الذي يُعنى بتاريخ الأحداث في مختلف المجالات على أرض الوطن منذ أبعد نقطة زمنية ماضية في التاريخ القديم والإسلامي والحديث.
وأوضح معالي الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد بن عبدالله السماري أن المنتدى جاء بعد توجيه من مجلس إدارة الدارة لتطوير الدراسات التاريخية، ودعم المكتبة بمنتجات متميزة من حيث التحليل والمنهجية، فالمنتدى بأعضائه الشباب سيكون ساحة للنقاش والمحاورة مع النص التاريخي للإجابة عن أسئلة استجدت نتيجة الفراغات التي تركها رواد المدرسة في أثناء تأريخهم للأخبار ومجريات الأحداث، وبعد أن انساق التاريخيون في الوقت الحالي خلف السرد لسهولته وجاهزيته وتأديته للواجب الأكاديمي، وأيضًا لدى البعض للشهرة على حساب المحتوى الذي هو الأهم ودونه لا توجد عملية التأريخ، مؤكدًا أن واقع المدرسة التاريخية السعودية مؤلم ولا يتناسب مع أعماق وزوايا التاريخ الوطني.
وأشار المشرف العام على المنتدى إلى أن الاتكال على المراجع السهلة لا المصادر المتنوعة والاقتصار على الأفكار السهلة أسقط الدراسات والأبحاث في فخ التقليدية والتشابه في الكتب المطبوعة، ونزع من هذا النتاج الجدة والتحليل والعمق، داعيًا أعضاء المنتدى إلى البعد عن المجاملة في مجتمع الباحثين والمؤرخين للتقدم بخطوات جادة وحديثة في البحث العلمي، بهدف تجديد المدرسة التاريخية السعودية التي مضى عليها أكثر من قرنين.
وعرَّف معاليه المنتدى بأنه ليس جمعية تاريخية، ولا يتعارض مع أي جمعية مشابهة، وأن أهدافه الرئيسة تتمثل في تفعيل الأفكار الجديدة، والنهوض بها أمام منهج دقيق ومتقيد، ومواجهة آفة النقل والتناسخ في المحتوى الواسعة حاليًّا، حتى يستطيع المنهج التاريخي الحديث مواكبة رؤية 2030 التي جددت في كل جوانب الحياة السعودية ما جعل مهمة المؤرخ أكبر.
وبيّن أن دارة الملك عبدالعزيز لديها دراسة مستفيضة عن متطلبات الانطلاق نحو التغيير في المدرسة التاريخية بتوجيه من القيادة الرشيدة -حفظها الله- الحريصة على تطور المعرفة التاريخية في الوطن لمواكبة احتياجات اليوم، مشددًا على أن التغيير لا يعني تخطئة السابقين ونقض جهودهم، بل هو رغبة حتمية في التجدد والتحديث لدعم الهوية الوطنية كما يحدث في العديد من الدول.
ونوه السماري بأن برامج المنتدى تشمل تدشين منصة افتراضية لمناقشة الأفكار بين الأعضاء وتبادل الخبرات، كما أنها ستكون ساحة للصراحة الصارمة التي تقدم المصلحة العلمية الوطنية على الجانب الفردي، وستكون الدارة منسقًا ورابطًا بين الأعضاء، مضيفًا أن المنتدى سيتنقل بين مدن المملكة مع الارتكاز على موضوعات متفق عليها، كما سيستضيف أفكارًا وموضوعات مبتكرة ومحاضرين متخصصين أو من علوم أخرى داعمة لتلاقح الأفكار ودعم البحوث والمنتجات التاريخية التقنية الجديدة.
وأكد أن دور الدارة يتمثل في تنظيم لقاءات المنتدى وتزويد الأعضاء بالطفرات في الكتابة التاريخية على مستوى العالم، وتلبية طلبات المراجع والمصادر التاريخية وكل ما يسهل عمل المنتدى، إضافة إلى استجلاء آراء الأعضاء حول مؤتمر الدولة السعودية الأولى التي ستعقده الدارة قريبًا، كما ستتبنى شبكة للخبراء لوضع جميع الخبرات المتنوعة أمام أعضائه، وغيرها من وسائل التهيئة لتقوية مسيرة عمل المنتدى الأول من نوعه، فضلًا عن إفادة الدارة من الأعضاء في مشروعاتها المشتركة مع الجهات الحكومية من الوزارات والهيئات كنوع من التحديث والتطوير للعضو.
ونبه إلى وجوب الالتفات إلى الأسلوب القصصي والرواية واستثمار أسلوبهما التشويقي في التعزيز من الحدث التاريخي بدمجها معه إن تطلب الأمر، فضلًا عن وفرتها بكثرة في التاريخ الوطني بعد أن يتخلص الباحث من النظرة الدونية للقصة أمام الأحداث التاريخية ومادية المكان، مشيرًا إلى أن المنتدى سيكون له دور كبير في هذا الجانب الغني متناغمًا ومستفيدًا من مشروع الدارة حول الرواية التاريخية الوطنية.
من جانبه ألقى صاحب السمو الأمير الدكتور تركي بن فهد بن عبدالله محاضرة بعنوان “نقاط مهمة في المنهج” أوضح فيها بعض الهفوات التي يقع فيها بعض طلاب الدراسات العليا التي يجب التوقف عندها وتوضيحها ونقدها في بداية أعمال المنتدى، مقدمًا نصائح في هذا الجانب منها عدم تعصب الدارس للتفسير الجديد الذي ينتجه والفهم البعيد للنص التاريخي والاستعجال ببناء الأطروحة الأكاديمية عليه إلا بعد الاطلاع على كل النتاج الموجود، معرفًا المصدر التاريخي بأنه من شاهد بعينه الحدث أو شارك في صناعته، مشيرًا إلى أن ما ينتج من غير المصدر مهم للدارس إلا أن المصدر أكثر مصداقية.
وأشار إلى أنه يجب التأكد من كون كاتب النص الإلكتروني متخصصًا وليس موظفًا للصياغة أو الاختصار، مبينًا أن الأفضل للحيطة العلمية هو الكتاب المطبوع، مؤكدًا معارضته للدراسات المعتمدة على المقارنة كونها لا محور رئيس لها، لاختلاف الظروف الثقافية والاجتماعية بين طرفي المقارنة، مع عدم إنكار أهميتها، محذرًا من التعامل مع التفسير والرأي والانطباع بالمستوى نفسه مع الحقيقة التي هي ضالة الباحث.