المقالات

حطم صنمك

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

في هذه الحياة نحن معرضون لابتلاءات مختلفة، ومعرضون أيضاً لمواجه أنواع كثيرة من المشاعر السلبية كالأنانية والكبر والغرور،  تلك المشاعر ليست مجرد أمور تافهة يمكن تخطيها أو مجرد أشياء لا قيمة لها في الميزان النفسي والاجتماعي لنا وجب تناسيها، بل إنها آفات بالمعنى الدقيق للكلمة تظل تسري بداخلنا حتى تقضي على مظاهر الحياة فينا… إنها تسمم الروح والقلب وتعيق تطورنا الشخصي، وتجعلنا نبتعد عن السعادة والسلام الداخلي,

ان تلك المشاعر التي تجعلنا نعيش في حياة من الجحيم وحديثنا عن الجحيم هنا لا نقصد به جحيم النار، بل نقصد ذلك التحول في حياة المرء إلى عذابات يتقلب فيها كل حين ويصعب عليه في الكثير من الأحيان أن يتذوق طعم السعادة،

فتلك المشاعر لا تفيدنا في شيء، بل وجودها فقط قادر على أن يجعلنا نخسر إنسانيتنا لمجرد امتلاكنا لها ولكن للأسف إنها الأنا… هذا الشعور الملازم لنا والذي يجعلنا عبيدا للآخرين ننتظر إعجابهم وتصفيقهم ورضاهم عنّا، كما أنها الدافع الذي يجعلنا نرى أنفسنا متفوقين أمام الجميع ومستحقين لكل جميل بدلا منهم، ولذلك عليك أن تحطم صنمك وإن لم نحطم هذا الصنم فستتحطم حياتك أولا قبل أن تحطم حياة الآخرين بحيث يصبح هذا الشعور يشير إلى خلل في تكوينك النفسي ومرض يحتاج منا الكثير من التأمل والصدق. وفي الحقيقة الأصنام ليست بالضرورة تلك التماثيل الحجرية أو غيرها من الأنواع المتعارف عليها، بل كل شيء في حياتك لا ينفعك ولا يضرك وينساب عقلك نحوه وأولها هذه المشاعر السلبية فهي اكبر صنم.

كذلك مشكلتنا جميعاً في هذه الحياة أننا نعيش موزعين بين الماضي السحيق الذي لم يبقى له أثر إلا فقط بين عظام قلوبنا، وبين المستقبل الغامض الذي لا نعلم عنه شيء. وبين هذا وذاك تضيع اللحظة الآنية وننسى أن نحياها، فالوقت الذي نحياه حقا هو تلك اللحظة الراهنة لأنه ببساطة الماضي الذي قد انتهى وأصبح جزء من ذاكرة حية أو منسية والمستقبل مجهول الهوية ولا يدري الإنسان إلى أين سيصل، وسواء وصل الإنسان إلى هذه النقطة أو تلك فالمصائر كلها بين يدي الله، فما المستقبل إلا جزء من الغيب الذي لا يطّلع أو يجزم به أحد، لكن السؤال هنا ما الذي يتبقى لنا من كل هذا الواقع؟ إنها فقط اللحظة الآنية أو اليوم الذي نعيشه ولدينا القدرة على امتلاكه والاستمتاع به ولكن للأسف جزء كبير منا يقسم يومه إلى نصفين أو قسمين، الأول يقضيه في الندم على اللحظات الجميلة التي فاتته من حياته أو التي لم يستطع أن يستغلها أحسن استغلال فتورثه هذه اللحظات مشكلات يعيشها في الواقع ويبدأ في الحسرة والتألم على كل جميل فات أو كل سيء عاشه في الماضي. والثاني يقضيه في العيش في مستقبل لا يدري هل سيصل إليه في يوم ما أم لا فيعيش حينها الحسرة والغموض من واقع لا يمتلكه.

وهنا وجب التنبه أن اللحظة العيش الحقيقية هي ما نحياه في اليوم واللحظة الآنية وهذا لا يعني أن ننزع عنا الطموح والأمل ولكن وجب الحذر من الانغماس بين اللحظتين. فالإنسان لم يعد قادرا أن يفعل فيهما أي شيء وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: – “ مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ”  فكل المشاعر السلبية مجرد أصنام وجب تحطيمها والتخلص منها، فاللحظة الحقيقية للعيش هي اللحظة الحالية وليس الماضي أو المستقبل إطلاقاً.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الجمعة  26  أبريل  2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

زر الذهاب إلى الأعلى