محليات

تسرّب الشباب من وظائف السعودة في بعض منشآت القطاع الخاص

صراحة – متابعات :

ما أن تجاوز المواطنون مسألة التشكيك في جديتهم في العمل، وأصبحوا واقعاً حقيقياً وفاعلاً على خارطة العمل، حتى برزت تساؤلات حول الأسباب الحقيقية التي تدفعهم للتسرب من بعض منشآت القطاع الخاص، وتحديداً «وظائف السعودة». وعلى الرغم من أن فقدان الشركات للشباب ربما لا يُسجل في الشركات الكبرى، التي لديها أنظمة واضحة في التعامل مع موظفيها، وكذلك مميزات جاذبة، إضافةً إلى مستوى رواتب يليق ويلبي احتياجاتهم، إلاّ أن الشركات التي يتسرب منها المواطنون ربما تكون السواد الأعظم في الشركات التي لا تزال تبحث عن سعودة الوظائف، ليبقى «الأمان الوظيفي» هو الهاجس الأكثر تأثيراً في ذلك الهروب. وما بين استعداد شركات القطاع الخاص لمنح الموظفين مزيداً من الحوافز الجاذبة وعوامل الأمان الوظيفي، وبين رغبتها الأزلية في الاحتفاظ بالموظفين الأجانب، يبقى الرهان في نجاح التجربة والمضي بها قدماً مرهوناً بالمرحلة التي لا يجد فيها القطاع أمامه سوى الاستثمار في تلك الطاقات البشرية الوطنية، والتصالح معها بما يمنحها الشعور بالأمان، بل ويحقق مستوى الدخل الذي يوفر لها حياة كريمة، وكذلك حين يجد الشباب أن القطاع الخاص هو فرصة للمشاركة في صناعة اقتصاد حيوي يعود ريعه على المجتمع والوطن بالرخاء. ويُعاني الشباب في بعض شركات القطاع الخاص من غياب برامج التدريب والتأهيل التي يمكنها أن تدفعهم نحو الأفضل، فهم لم يحصلوا على دورات تدريبية متخصصة، وهو ما أفقد بعضهم مهارة التعاطي المهني المتخصص، وبالتالي عدم القدرة على الأداء ثم الإنتاج، وبالتالي التفكير في التسرب، وهنا لابد من تحسين الشركات والمؤسسات من بيئة العمل لديها، عبر تأهيل الموظفين، مع إخضاعهم إلى دورات تدريبية على أفضل مستوى، كما أنه من المهم أن يشعر الموظف ب»الأمان الوظيفي» من خلال حصوله على راتب يساعده على مواجهة ظروف الحياة، وليس راتب «مش حالك»!.

عدم استقرار

وقال «د.إبراهيم السليمان» – عضو مجلس الشورى سابقاً -: إن الشركات في ظل تطبيق أنظمة البحث عن كوادر بشرية سعودية، ومن أجل أن تصل إلى النسبة المقررة في نظام التوطين، بدأت تسعى إلى أن يكون المواطن ليس مجرد موظف وإنما منتج كذلك، من هنا أصبح الطلب على الشباب المؤهلين والمنتجين كبيراً، مما يعني أنه سيقدم له عروضاً من شركات كثيرة، وهو بالتالي ينتقي أفضلها، مما يجعله ربما يتنقل بحثاً عن الأفضل، مضيفاً أن التنظيم الجديد رفع فترة التجربة للموظف، مما سيجعل عملية اتخاذ قرار الموظف أو الشركة في المضي قدماً مبنية على وقت كاف لاستكشاف أحدهما الآخر، وهو ما قد يساهم في الاستقرار، مؤكداً على أن عدم الاستقرار والتنقل من شركة إلى أخرى ترهق الموظف، وترهق الشركات على حد سواء، مطالباً بمزيد من الضوابط التي تحفظ للموظف بيئة عمل جاذبة، وكذلك ضوابط تحفظ حقوق صاحب العمل والموظف.

عملية وقتية

وأكد «د.السليمان» على أنه من الصعب أن يستقر مواطن شاب في شركة أو مؤسسة يديرها أجانب، حيث أنهم أتوا بهذا السعودي لكي يقولوا لوزارة العمل أن لديهم سعودة، مبيناً أن الشركات الكبرى التي وصلت فيها نسبة السعودة إلى نسب عالية تصل إلى (90%) هي شركات ناجحة، ويتمتع فيها السعوديون بأمان وظيفي وبيئة عمل جاذبة، بل وتبعث على الاستقرار، مُشدداً على أهمية اقتداء بقية القطاع الخاص بتلك الشركات، مع توفير بيئات عمل مشابهة لها من أجل المضي قدماً في توظيف أبناء البلد، موضحاً أن هناك تجاهلاً لمسألة تهيئة السعوديين للعمل في القطاع الخاص، من خلال غياب برامج التدريب على الوظائف التي تتوفر لدى الشركات، ذاكراً أن عملية توظيف السعوديين في القطاع الخاص وعملية استقرارهم تحتاج إلى مزيد من التنظيم والشفافية، كي يصبح القطاع جاذباً وليس طارداً، لافتاً إلى أن إلزامية التوظيف دون وجود مبادرات ومحفزات وتأسيس علاقة تكاملية بين الشباب والشركات هي عملية وقتية، حيث تتم فيها عمليات التوظيف من أجل الوصول إلى نسبة توطين معينة فقط، عندها يصعب استمرار أولئك الشباب الذين تم توظيفهم لتكملة عدد فقط، وليس من أجل الاستثمار فيهم كموظفين منتجين وأبناء بلد.

الجديعي: بيئة العمل الحكومي ما زالت أكثر جاذبية للخريجين

إثبات الذات

وأكد «محمد الرويتع» – مدير عام شركة دار التنفيذيين – على أن برنامج نطاقات ساهم في توفير بيئة عمل أفضل بالنسبة للمواطنين، بحيث أصبحوا يشكلون ضرورة للقطاع أكثر من أي وقت مضى، متوقعاً أن تساهم ضريبة ال (2400) ريال في أن يميل جزء من شركات ومؤسسات القطاع الخاص للشباب؛ نظراً لارتفاع تكلفة الموظف الأجنبي، مضيفاً أن استقرار المواطنين اليوم في القطاع الخاص أفضل منه في السنوات الماضية، مبيناً أن أغلب الشباب المتسربين من مؤسسات القطاع الخاص في الغالب هم يذهبون لشركات كبرى أو جهات حكومية بحثاً عن دخل أفضل، أو عن أمان وظيفي أكثر، مبيناً إنه على الشباب إثبات الذات في المؤسسات التي يعملون بها، وإظهار مزيد من الجدية لكي ينفوا تلك التُهم التي تشكك في انضباطهم، حيث أن القطاع الخاص يختلف عن القطاع العام من حيث عملية الانضباط والإنتاجية.

الحكمي: محفزات الترقية والزيادة والإجازة أقل من المتوقع

خيار استراتيجي

وذكر «الرويتع» أن الغالبية العظمى من الشباب العاملين في منشآت القطاع الخاص قد تجاوزوا بالفعل مسألة النظرة المشككة في جديتهم، وأثبتوا في الشركات الكبرى أنهم مبدعون، منتجون، وليس أدل على ذلك من تولي الشباب مهام متعددة في شركات وطنية كبرى، بعضها نسبة السعودة لديه تتجاوز ال (90%)، وهي من أنجح الشركات في البلاد، مبيناً أن التوطين اليوم وفي ظل التوجه الحكومي ومتطلبات المجتمع المتمثلة بتوظيف أبنائه، يبدو عملية حتمية أكثر من أي وقت مضى، كما يُعد خياراً استراتيجياً للقطاع الخاص يجب أن يتمسك به بشكل جدي، فقد انتهى الوقت الذي كان فيه توظيف المواطنين مجرد خياراً ثانوي، مُشدداً على أهمية تحسين الشركات والمؤسسات من بيئة العمل لديها، وأن تجعلها جاذبة، وأن توفر بيئة عمل توحي للموظف بالأمان الوظيفي، وأن هناك علاقة إستراتيجية تربطه بتلك المنشأة.

ظروف اجتماعية

وأشار «صالح الجديعي» -رجل أعمال- إلى أن توظيف السعوديين في القطاع الخاص هو من حيث المبدأ واجب وطني وليس فيه منّة من رجال الأعمال تجاه مجتمعهم وأبنائهم، مضيفاً أنه على رجال الأعمال أن يدركوا كذلك الظروف الاجتماعية للموظف والفرق بينه وبين الأجنبي، مشيراً إلى أن الموظف السعودي لديه ارتباطات والتزامات اجتماعية وأسرية تحتم عليه أن يكون قريباً من أهله وأن يفي بالتزاماته الاجتماعية تجاههم، على عكس الموظف المقيم الذي تفرغه للوظيفة أكثر، مبيناً أن التسرب الذي يمكن أن يكون مقبولاً هو بحث الشاب عن مصيره ومستقبله، كأن يحصل على وظيفة حكومية يرى فيها مستقبلاً أفضل، أو يجد وظيفة في منطقته أو مدينته، مشيراً إلى أن الشباب في هذه الحالة يمارسون حقهم في رسم مستقبلهم الوظيفي، وبالتالي يجب إلاّ يلومهم أحد.

وأضاف أن التسرب غير السلبي -حسب قوله- الذي قد يربك إدارات الموارد البشرية في منشآت القطاع الخاص، ويشتت جهودها يتمثل في الضغوط التي يواجهها الموظف بسبب عدم حصوله على تدريب أو خبرات تناسب طبيعة العمل، مما يجعله يشعر أن ذلك العمل يمثل صعوبة بالغة، بل ويشعره بالإخفاق، مما يدفعه إلى البحث عن عمل آخر يستطيع أن يحقق فيه نجاحات.

برامج تدريب

وأوضح «الجديعي» أن هذه المشكلة يعاني منها قطاع الأعمال بسبب غياب برامج التدريب والتأهيل التي يمكنها أن تدفع بالشباب نحو الأفضل، مضيفاً أن الغالبية العظمى من شبابنا الباحثين عن العمل هم خريجو مدارس أو جامعات، ولم يمكنوا من الحصول على دورات تدريبية متخصصة، وهذا ما أفقد بعضهم مهارة التعاطي المهني المتخصص، مضيفاً أنه يجب أن يُعاد النظر في مخرجات التعليم ومدى ملاءمتها لمتطلبات سوق العمل، وأن يُمكن أبناءنا من الحصول على فرصة التسلح بالمهارة والتخصص، من خلال ورش تدريب وتأهيل يمر بها طالبوا العمل قبل توظيفهم، مؤكداً على أن أن مسؤولية التدريب يجب أن تناط بالجهات الحكومية المعنية بالتدريب والتوظيف، وأن تكون مسؤولية القطاع الخاص توفير وظائف جيدة وبيئة عمل جاذبة لأبنائنا الشباب.

وحول سؤال عن التسرب بين الشركات، وانتقال الشاب من شركة إلى أخرى قال: إنها حالات لا تصل إلى الظاهرة، مشيراً أن التسرب الحقيقي هو من القطاع الخاص إلى القطاع الحكومي، وهو ما يعني أن بيئة العمل الحكومي مازالت جاذبة أكثر من بيئة العمل في القطاع الخاص بشكل واضح.

زيادات سنوية

ورأى «م.ناظر الحكمي» – مدير تنفيذي للموارد البشرية في مجموعة الأمار الغذائية – أن تدني الحد الأدنى للأجور وعدم الوضوح في مستقبل الموظف وفرص التطور الوظيفي والترقيات؛ تعد من أهم المسببات التي تطرد السعوديين من القطاع الخاص، بل وتؤدي إلى تسربهم إلى القطاع الحكومي أو إلى شركات كبرى، مضيفاً أن عدم وجود زيادات سنوية واضحة للرواتب مربوطة بالأداء وكذلك ساعات العمل الطويلة أحياناً في بعض الشركات كلها تشكل عوامل دافعة للتسرب من القطاع الخاص، مبيناً أن الشعور بالأمان الوظيفي في القطاع الحكومي يشكل أبرز المغريات للشباب للخروج من قطاع منشآت القطاع الخاص، ذاكراً أن الشاب الذي تخرج للتو من الجامعة، الذي يرتب أموره لبداية حياة زوجية، يبحث عن الاستقرار الوظيفي بغية الوفاء بمتطلبات تلك الحياة، مما يجعلنا نشاهد حالات من الشباب قد تركوا وظائف في القطاع الأهلي وذهبوا إلى وظائف حكومية قد تكون أقل منها دخلاً، معتبراً أن عدم وجود يومي إجازة في القطاع الخاص سبب آخر قد يضاف إلى جملة الأسباب التي تدعو بعض الشباب إلى مغادرة القطاع الخاص.

بيئة عمل

وأكد «م.الحكمي» على أن المواطن السعودي لديه التزامات اجتماعية وأسرية أكثر من العامل المقيم، وبالتالي تبدو إجازة يومين مناسبة له للوفاء بالتزاماته تلك، مضيفاً أن بيئة العمل بمؤثراتها المختلفة قد تشكل أحد عوامل الطرد في حال إن كانت تضم منفرات للموظفين السعوديين، مبيناً أن تلك المشكلات متى ما تمت معالجتها فإن ذلك سيتيح فرصة أفضل لاستقرار الشباب، مُشدداً على أهمية وجود مجالات كافية للتدريب المثمر، مع نقل الخبرة وكسر الحواجز إن وجدت، وهكذا ينطلق شبابنا إلى آفاق أرحب ويصلون إلى ما يتمناه الجميع، وهو أن يكونوا قادة النهضة المستمرة لهذا البلد المعطاء ولأهله الأوفياء.( الرياض )

زر الذهاب إلى الأعلى