استقدام عامل

عام ١٤٢٦ استقدم أحد المواطنين شمال شرق مكة المكرمة عاملاً زراعياً لمزرعته بتلك الناحية عن طريق أحد مكاتب الاستقدام الأهلية المصرح لها بمزاولة الاستقدام، وعندما قدم العامل. أكرمه المواطن المستقدم من أجل يشاطره أعماله الزراعية، وأحسن رفادته. بعد ثلاثة أيام من أقامته في ضيافة مكفوله معززاً ومكرماً، وخلالها أخذه جولة حول المزرعة لا تبعد عن منزل كفيله إلا بأقل من كيلاً، والحيازة الزراعية. على طرف وادي من الجهة الشمالية، تتكون من أربعة ركبان كل ركيب يتكون من أربع حيازات متجاورة، وكل حيازة تتكون من عشرة ودياً، والودي يتكون من ثلاثين حقلاً. والحقل يتكون عدداً من الخيوط. جوانب أطراف الاحواض والركبان من الداخل محفوفة بنخل مجموعها يزيد عن مائة نخلة تبعد أحداهن عن الأخرى اربعة أمتار. يشاطر النخل بعض اشجار الحمضيات والعنب والرومان والتين والموز الاستنبولي، وبعض الحقول ورقية، وأحد الركبان قوطة، وخارج المزرعة عقوم وضفائر حجرية محاطة بأشجار الاثل من الخارج وسياج شائك من السلك الحديدي الشوكي مانعاً من دخول المزرعة إلا مع بوابة المدخل الرئيسية، وبداخلها بئر وبركة. مساحة البركة ١٥م في ١٥م، والبئر عليها غطاس لاستخراج الماء يتدفق بالبركة ، ومن خلالها يوزع على الركبان والاحواض بواسطة المساقي قنوات أو ترعات لتوزيع الماء بما يعرف بالغمر ” غمر مزروعات أحواض الركبان ، ووديه بالمسقى ” . وبالطرف الشرقي الجنوبي من المزرعة حضائر الماشية أغنام وحضيرة بقرة واحدة. بعد الانتهاء من الجولة داخل وخارج المزرعة. أخذه لسكنه في الطرف الشمالي الغربي من المزرعة عبارة عن غرفتين شعبيتين، ومطبخ ودورة مياه ومغسلة. مساحة الغرفة الواحدة ٣م في ٤م وسلمه المزرعة ومحتوياتها والسكن ومنافعه، وطلب أن يبدأ عمله من الغد، وأنصرف المواطن لسكنه غير بعيد من المزرعة.
بعد نصف ساعة من بعد صلاة العشاء جاء العامل يسعى متفتخاً، ويلهث فزعاً، والرعب يغشاه. أفزعته أصوات بالمزرعة، فذهب كفيله معه لسكنه لمعرفة مصدر الأصوات المفزعة، وبجلوسهما بالسكن. يسمعان حفيف النخل، ورفيف أغصان الاشجار. يداعبها الهواء بتياراته الخفيفة والشديدة تصدر أصواتاً تشتد حيناً باشتداد تيار الهواء، وتسكن حيناً بسكونه. لا حدس روح المداعبة الطبيعية بينهما متبادلة تدغدغ عسف جريد النخل، وأغصان الأشجار بغددت حسيس جريد النخل وعسفه، وأغصان الشجر وغصونه، ويتراقص بينهما أوراقهما تبغدد حركتهما، وتصدر تلك الاصوات السيمفونية مغازلة نفسها بنفسها بحبور الطبيعة مغزى تلك الأصوات. هذا الذي أفزعه، فأخبره كفيله إنما حفيف سعف النخل وأغصان الشجر طبيعية لا تقلق منها غير مقتنع بقول كفيله. أراد من كفيله أناره المزرعة ، وأفاده الانارة غير مجدية لأنحاء المزرعة وموجودة بالسكن إلا إنه أراد إنارة عموم المزرعة فقال كفيله: هذا يفسد محاصيل المزرعة والمزروعات ، ويستحيل إنارة المزرعة بالكامل ، انتابه الخوف الشديد من ظلمة وسواد أجواء المزرعة وتخيل أنها أشباحاً ، ورفض السكن بها ، واخذه كفيله ليسكن في غرفة جانبية بالقرب من سكنه لعله يهدى من روعه موقتاً ثم فيما بعد يسكن بالسكن بالمزرعة أمثال نظراءه عمال المزارع .
لاحظ كفيله لا يمارس عمله بالشكل المطلوب، فأخبره كفيله استقدمناك للعمل مزارعاً بالمزرعة، فأفصح لكفيله: مبلطاً، وليس مزارعاً.
سنكمل المقال في العدد القادم، وانتظرونا العدد القادم.
بقلم/ خالد بن حسن الرويس
السبت 08 نوفمبر 2024 م
للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )