جولة في عالم الأفاعي

حياتنا مليئة بتشكيلات وأنماط مختلفة من الشخصيات، ومن بين هذه الأنماط ما يُعرف بالشخصية السامة… تلك الشخصية التي مر أغلبنا معها بمُرِّ التجارب، وعانى أغلبنا معها مرارة التعامل من قبل أن نعلم إنها تُعرف بهذا التعريف الذي يكاد يكون مستحدث منذ زمن ليس ببعيد، أو ما تُعرف الآن بالتوكسيك، ولكثرة تلك المسميات كان من المهم أن نعلم سمات وملامح هذه الشخصية، حتى نتمكن من التعامل معها في حال لا زلنا نعاني منها ونعاني من تأثيرها على حياتنا حتى الآن “والذي بالطبع يأتي بالسوء”، ولنبصر ببصيرة مُستقبلية تنبهنا إلى تلك الأخطار المحتملة، ونحذر منها مستقبلاً في حال اعترضت طريقنا يوماً ما، إذ لا يوجد سوى فطنتنا لتمييز الشخصيات السامة وتعلمنا كيف نتفاداها. فلاسيما أنَّ القدرة على تمييز الشخصيات السامة وتعلُّم طريقة التعامل معها، هي السبيل الوحيد لننجو منها،
وهذه الشخصية تخترق حياتنا على كل الأصعدة، سواء صعيد العمل أو العاطفة أو الصداقة، وتتخفى في هيئات حتى في الأهل، وتستنزف طاقاتنا بكل الطرق الممكنة.
فبعض أصحاب هذه الشخصية يتصرفون بطبيعتهم دون وعي أو إدراك لما يتسبب فيه من ضرر للآخرين، والبعض الآخر منهم يدركون تماماً ما يفعلون ويجدون في ذلك متعة ورغبة في التلاعب والسيطرة على الآخرين بغض النظر عما سيصلون إليه في النهاية من تداعيات سلبية. وسميت هذه الشخصية بهذا الاسم لأنها تبث السم في حياتنا، فهي شخصية مخادعة تُظهر نفسها بصورة مثالية ولكن سرعان ما نكتشف بشاعتها لتظهر لنا أنيابها المخبئة خلف قناع الوهم التي تجعلنا نعيش فيه.
فكل ما تريده تلك الشخصية دائماً هي فقط منفعتها الخاصة وفقط مصلحتها الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين دون أي إحساس بهم، فهي من الشخصيات التي تشدنا دائماً للأسفل ولا تعلو بنا لدرجة واحدة، وإن على درجة أول ما يستغنون عنه هو نحن… تلك الشخصيات التي تستنزف طاقتنا الإيجابية، وتستنزفنا عاطفياً وتتركنا خاويين بائسين مكسوري القلب غير قادرين على إكمال طريقنا،
وتلك الشخصية التي تجعلك تشعر بأنها محور الكون، وأن كل الأمور يجب أن تكون وفق رغباتها ومصالحها الشخصية. وتصر على وجهة نظرها حتى لو كانت غير مبررة، وتستخدم التلاعب والضغط النفسي لإقناعك بأنك مخطئ وأنها هي الصواب وتستمتع بخلق المواقف الصعبة وزعزعة الهدوء، مستغلة مشاكل الآخرين لمصلحتها الشخصية، وإن التعامل مع شخص سام يتسبب في إرهاق نفسي وإحباط، حيث يعتبر التعامل معه وإقناعه محاولة للمرور في طريق مسدود، ويتطلب جهداً كبيراً للتعامل مع سلوكياته الضارة. فإن تعمقت في الحديث معهم، كأنك اخذت جولة في عالم الأفاعي،
ولذلك حتى تتخلص من الاحتكاك المباشر بهذه الشخصيات، وفكر بأن هذا الشخص غريب عنك ولا تربطك به أي علاقة أو مشاعر، ولا تبدأ أبداً معه ولا بحوار ولا بسؤال وتجنب ذلك قدر المستطاع، وإذا كنت مضطراً للرد عليه اجعل ردودك مملة ورتيبة و مختصرة جداً، ولا تحاول أن تبرر ولا تدافع عن تصرفاتك، وامتنع عن التجاوب والتفاعل معه وانفصل تماماً عن الموقف الذي يجمعك به، ولا تجاري أبداً سرعة الدراما التي يمارسها عليك ويتغذى عليها، وإذا اضطررت أن تتعامل مع شخصية سامة كهذه، فأهم شيء أن تحتفظ بصفاء ذهنك ولا تنجرف وراء ألعابها النفسية. فالابتعاد استراتيجية وتفادي الاحتكاك المباشر استراتيجية أخرى وهم أفضل طرق للحفاظ على سلامتك العقلية والعاطفية. وتذكر دائماً أن العلاقات السامة لا يليق بها إلا البتر.
الكاتب / طارق محمود نواب
الخميس 23 مايو 2024 م
للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )