المقالات

جيل النيدو وجيل الطيبين

سناب صحيفة صراحة الالكترونية

دائما أجد نفسي في مسافة امنة من وضع المقارنات بين جيل وجيل، فكل جيل وله ظروفه… كل جيل وله مقومات الحياة التي تشكل طابعها تبعاً لاحتياجها، والتي تخدمه أكثر من الجيل الآخر، ولو عدنا للوراء كثيرا وفي الحضارات السابقة منذ ان خلقت البشرية تجد ان الانسان اليوم يعيش في رفاهية عالية مقارنة بما سبق، وسنجد أن الإنسان عبر العصور عاش في ظروف مختلفة، حيث ارتبطت أساليب الحياة بالظروف الطبيعية والتقنيات المتاحة في ذلك الزمن.

وبالتأكيد كل جيل وله ما يميزه عما سبقه من أجيال، سواء كان ذلك التمييز بالثقافة، أو التكنولوجيا، أو القيم، أو أي جانب آخر من جوانب الحياة. فكل جيل ينمو ويتطور على أساس تجارب الأجيال السابقة، وفي نفس الوقت يواجه تحديات جديدة ويبتكر حلولاً جديدة لها وبالتالي فهو يعيش حياة أسهل وأفضل من سابقيه.

فالإنسان اليوم يعيش في رفاهية عالية لم يحلم بها أسلافه فهنالك مكيفات تزيل عناء الحر. ومع وجود هذه التقنية، أصبح الطقس ظاهرة يمكن التحكم فيها بشكل أكبر، وهو ما يوفر راحة لا مثيل لها في الحياة اليومية. ومع ذلك، لا يقتصر التطور الحالي على الراحة البدنية فحسب، بل امتد إلى مجالات أخرى من الحياة مثل الاتصالات ووسائل النقل والتعليم والعمل.

وهنالك تقنية الموبايلات التي انهت دور ساعي البريد، ففي لمح البصر ترسل ما تريد لمن تريد ولو بينك وبينه آلاف الكيلو مترات، فقد أصبح التواصل عبر الهواتف المحمولة والإنترنت جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث يمكننا التواصل مع الآخرين في أي وقت وفي أي مكان بلمح البصر. وبفضل هذه التقنيات، أصبح البُعد الجغرافي عائقاً يمكن تجاوزه بسهولة، ولم يعد من الضروري الانتظار لأيام أو أسابيع لتبادل الرسائل أو وجود صناديق البريد أمام كل منزل في انتظار رسالة ما من شخص عزيز، بل يمكن القيام بذلك في ثوانٍ عبر الرسائل النصية أو التطبيقات الاجتماعية وهو ما عمل على تعزيز وتسهيل التواصل والتفاعل الاجتماعي على مستوى عالمي.

لكن على صعيد آخر ومع كل هذا التطور، اختفى الأثر التقليدي الذي كان يعطي لحياتنا معنى، مثل دور ساعي البريد الذي أصبح من الماضي بفضل التقنيات الحديثة، وذهب أيضاً شغف الانتظار لأخبار الأقارب والأصدقاء. فبينما كان يسبق علينا أياماً لتبادل الرسائل، أصبح بإمكاننا اليوم إرسال الرسائل والمعلومات بسرعة فائقة، دون الحاجة إلى وسيط بشري.

حتى السفر تغير واقعه بشكل جذري بسبب التقنيات الحديثة، فقد كان السفر في الماضي يتطلب استعمال وسائل النقل التقليدية مثل السفن والقطارات، فكان تكلفة مالية وزمنية كبيرة ويحتاج إلى تخطيط مسبق. ولكن مع تطور التكنولوجيا، أصبحت الرحلات أسهل وأسرع وأكثر ملاءمة، فقد أصبح من الممكن حجز تذاكر الطيران والفنادق وترتيب البرامج السياحية بسهولة دون الحاجة إلى الذهاب شخصياً إلى وكالات السفر. لكن بشكل آخر ذهبت كل المتعة في الرحلة ذاتها، فالسعادة في الرحلة وليست في الوصول وكل تلك المعاني الجميلة ذهبت مع ذهاب الرحلة ذاتها.

فالجيل الحالي يعيش حياة عالية الجودة لا يبالي ولا يحمل هم، فكل شيء متوفر وكل شيء يمكنه القيام به دون عناء ودون الحاجة إلى التفكير، لكن في مقابل ذلك خسر الكثير وأنهى على الكثير من الأمور التي كانت تعطي للحياة معنى وقيمة لا يعوضها تلك الراحة الحالية، فكما يتمتع الجيل الحالي برفاهية وتسهيلات لم تكن متاحة للأجيال السابقة، فهو يواجه أيضاً تحديات جديدة تنشأ عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل انعزالية الفرد وتأثيرات الاعتماد الشديد على الشاشات وانعدام الخصوصية الكامل الذي نراه اليوم واستطيع ان ابصم بالعشر ان الجيل الجديد قد ولد وفى فمه ملعقة من ذهب فكل الظروف تسير جنب الى جنب معه والفرشاة بيده ليرسم اجمل اللوحات واجملها في هذا العالم المتسارع الخطوات، ولابد ان نضع بالحسبان ونفرق بين من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب وبين من صنع وتعب وعارفي صناعتها ، فأرى انه لا فائدة من التراشق ومحاولة نيل الافضلية بين الاجيال فهؤلاء يصفوهم بانهم جيل الطيبين والاخرين يصفوهم بجيل النيدو،فالكل وقت اذان وكل جيل له ظروفه التي تختلف كليا وفعليا عن الاخر.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الجمعة  03  مايو 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

زر الذهاب إلى الأعلى