كف العفريت

إن الشباب هو رمز الحيوية والانطلاق والتجدد وحب الحياة، وربما الاندفاع والتهور والجنون في بعض الأحيان، هذه هي السمات المتعارف عليها لهذه المرحلة التي يمر بها الشباب كلهم بالإضافة إلى التغيرات الفسيولوجية والجسمانية، إلى جانب بعض التناقضات والمشاعر المتضاربة التي قد تؤثر على سلوكياتهم بشكل كبير، وهي السبب الذي يجعلهم مندفعين ولامباليين لدرجة تصل إلى حد الاستهتار في كثير من الحالات. ولكن الآن أصبح ذلك الاستهتار أسلوب حياة للبعض منهم أو لمعظمهم “إلا من رحم ربي”، وأصبحت صفة تتحول إلى جزء من الشخصية نفسها، فنحن الآن أمام ظاهرة تجتاح عالم شبابنا وتعرضه لخطر كبير.
إن شباب اليوم أصبح لا يطيب له سوى الخروج عن المألوف تحت اسم المغامرات والتحديات ولا يروق لهم سوى إيذاء الآخرين وإقلاقهم تحت مسمى المقالب. لكن ما الذي يدفعهم لذلك؟
للشباب أسبابهم المختلفة للقيام بتلك التجارب والتحديات التي تكون في غالب الأحيان خارجة عن السياق الاعتيادي لحياتهم. لكن المسيطر في ذلك هي تلك الرغبة القوية في التحدي والخروج من منطقة الراحة ورؤيتهم للتجارب والمغامرة كفرصة لاختبار قدراتهم وتحقيق إنجازات جديدة، واعتبارهم هذه التجارب فرصة للتعلم والنمو الشخصي والتجديد، حيث يكتشفون قدراتهم وقدرة تحملهم وتطوير قدراتهم في التكيف مع الظروف المختلفة وهذا ما يجعلهم يتجهون لذلك.
وقد يكون ذلك أيضاً بدافع الهروب من الحياة اليومية والملل. ذلك ما قد يشعرهم بالضيق والملل من القوانين التي تحكم حياتهم. لذا، يرون المغامرات والمجازفات كفرصة للاستمتاع بحرية الاختيار والتحرر من العادات المتكررة.
فلا يمكن تجاهل رغبة الشباب في البحث عن الإثارة والتشويق في حياتهم، فهم يرغبون في تجربة الأشياء الجديدة والمثيرة والتحديات. ولكن، ما يغيب عن ذهنهم في هذه المغامرات هو الوعي بمدى قدرتها على أن تنقلب للعبة مميتة متجاهلين حقيقة أن العواقب قد تكون وخيمة وأن فقدان الحذر يمكن أن يؤدي إلى فقدان حياة عزيزة على القلب. فكم من أسر فككت وشباب ضاع مستقبلها أو ضاعت أرواحهم للأبد بسبب هذا الطيش وذلك الانتحار المتخفي؟ وكم من قلب حُطم ومستقبل دُمر بسبب طياشة تلك المغامرات؟
فما نلاحظه الآن وبشدة أن أصبح الشباب في رغبة عارمة تسيطر عليه لتجنب الروتين اليومي والعيش حياة مليئة بالمفاجآت والتشويق أيا كان الطريق الذي يسلكونه لذلك. لكن، هل حقاً يجب عليهم المجازفة بحياتهم من أجل مجرد لحظات من الشهرة الزائفة والسؤال الان هل هم يستحقون المخاطرة بمستقبلهم وأحلامهم في سبيل لحظات زائلة وقصيرة من المرح والتشويق؟
ولما لا تدركون أن حياتكم أثمن من أي مقلب أو مغامرة قد تعرضكم للخطر. فالشهرة والمغامرات الزائفة مهما وصلت متعتها لا تعادل قيمة السلامة والاستقرار. نعم، الشباب يجب أن يكونوا شغوفين ومبدعين ومغامرين، لكن يجب أن يكون لديهم الوعي اللازم والتحكم في أفعالهم.
فهذا الكلام لا يعني الابتعاد عن المرح ومصادر الترفيه، لكن، إذا كان لديكم الرغبة في المغامرة واستكشاف العالم، فليكن ذلك بطرق آمنة. فالمستهتر يحيا بلا حياة تنتظره في النصف الثاني من عمره، فحياته على كف عفريت تتقلب كل يوم وقد يأتي اليوم التي تنقلب فيه ولا تعود مرة أخرى وهناك من الأمثلة الكثير. وطرب الحياة ليس بالضحك على فزع الآخرين أو بخوض مغامرة قد تودي بحياتك… أو حياة غيرك، فحينها لم تستطع أن تعيد تلك اللحظات مرة أخرى. فيا أيها الشباب استمتعوا بالجد الباقي ولا تستمعوا باللهو الزائل.
الكاتب / طارق محمود نواب
06 ديسمبر 2023 م
للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )