أنظمة القناعات

قال انطونيو ماشادو “خلف كل ما نفكر فيه، يكمن كل ما نؤمن به وكان ذلك هو الحجاب الأقصى لأرواحنا”، لطالما نجد ما يغرينا على الاعتقاد بأن الحوادث هي التي تسيطر على حياتنا وأن محيطنا هو الذي يشكل ما أصبحنا عليه اليوم. ولكن هذه هي كذبة الأكاذيب. فليست الأحداث التي تجري في حياتنا هي التي تشكلنا بل قناعاتنا حول ما تعنيه هذه الأحداث هي التي تفعل ذلك.
فليس المحيط ولا الأحداث التي تكتنف حياتنا، بل المعنى الذي نعطيه لهذه الأحداث هو الذي يشكل من نحن الآن وماذا سنصبح عليه غدا. فالقناعات هي التي تقرر ما إن كنا سنعيش حياة تتسم بالبهجة أم بالبؤس والدمار. فالقناعات هي التي تفصل بين الموسيقار الشهير موتزارت وبين حجّار بسيط القناعات، هي التي تدفع البعض لأن يصبحوا أبطالاً بينما ينتهج آخرون حياة تتسم باليأس والقنوط الصامتين.
إذاً لماذا صممت قناعاتنا؟ إن قناعاتنا هي القوة الدافعة التي تحدد لنا ما الذي يؤدي بنا إلى الألم وما الذي يؤدي بنا إلى المتعة. وما أن يحدث لك شيء في حياتك حتى يواجهك ذهنك بسؤالين وهم، هل يعني هذا ألماً أم متعة؟ ماذا يتوجب علي أن أفعل الآن لتجنب الألم أو لتحصيل المتعة؟ الجواب على هذين السؤالين مبني على قناعاتنا، وتلك القناعات تقودها التعميمات عما تعلمنا. هذا ما قد يؤدي بنا إلى الألم والمتعة وهذه التعميمات هي التي توجه أفعالنا، وبالتالي اتجاه ونوعية حياتنا. بالإضافة إلى ذلك فإن التعميمات ممكن أن تكون مفيدة جداً، فهي في الحقيقة تحديد لهوية وطبيعة أنماط متشابهة في الحياة. كما أنها تسهل مسار حياتنا وتسمح لنا بالقيام بالوظائف المطلوبة منا.
كما أن التعميم في النواحي الأكثر تعقيداً من حياتنا قد يبسط الأمور أكثر مما يجب لسوء الحظ، بل قد يؤدي أحياناً إلى قناعات تحد من إمكانياتنا. وعلى سبيل المثال، ربما تكون قد أخفقت في متابعة مشاريع متعددة في حياتك، ولذا نشأت لديك قناعة بأنك لا تملك الكفاءة المطلوبة. وما أن تتوصل إلى هذه القناعة حتى يصبح نمط ثابت. فقد تقول لنفسك: “لماذا أحاول مجرد محاولة ما دمت لن أتابع ذلك؟ أو ربما تكون قد اتخذت قرارات سيئة فيما يتعلق بعملك أو علاقاتك وفسرت ذلك على أنك ستخرب على نفسك بنفسك دائماً. وبدلاً من أن تفكر في أن استراتيجيتك تختلف عن استراتيجيات الآخرين فقد تتوصل إلى قناعة بأنك تعاني من “إعاقة اجتماعية”.
إن التحدي الماثل في كل هذه القناعات هو أنها تحد من قدرتنا على اتخاذ قرارات مستقبلية عمن نحن؟ وما الذي نستطيع أن نفعله؟ علينا أن نتذكر أن معظم قناعاتنا هي عبارة عن تعميمات حول ماضينا مبنية على تفسيرنا لتجارب مؤلمة أو ممتعة. كما أن هذا التحدي عبارة عن تحدي ثلاثي الأبعاد والبعد الاول أن معظمنا لا يقرر عن وعي ما الذي علينا أن يؤمن به، والبعد الثاني هو أنه كثيراً ما تكون قناعاتنا مبنية على سوء تفسير لتجاربنا الماضية والبعد الثالث هو أننا نتبنى قناعة ما حتى ننسى أنها مجرد تفسيرات بل نبدأ في التعامل مع قناعاتنا وكأنها وقائع ثابتة. بل إننا في الواقع نادراً ما نتساءل عن القناعات التي جمعناها منذ مدة طويلة. فإن كنت تتساءل لماذا يفعل الناس ما يفعلون فعليك أن تتذكر أن بني البشر ليسوا مخلوقات عشوائية، بل إن كل أفعالنا هي نتيجة لقناعاتنا فكل ما نفعله إنما هو صادر عن قناعات واعية أو غير واعية حول ما يقودنا إلى المتعة أو يبعدنا عن الألم. فإذا كنت تريد ابتداع تغييرات طويلة الأجل ومستمرة في سلوكك فعليك أن تغير القناعات التي تعود بك إلى الخلف.
الكاتب / طارق محمود نواب
01 أكتوبر 2023 م
للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )