المقالات

إدمان من نوع آخر!

الإدمان… كلمة لها تأثير قوي تشعرنا بالرهبة وأحيانا بالخوف، وبالطبع اول ما تبادر إلى ذهنك الآن هي تلك الصورة المحفورة في داخله للمدمن الجالس في ركن من أركان حجرته يتناول الحبوب المخدرة… هذه الآفة الخطيرة التي تفتك بشبابنا مع الأسف عبر أصناف مختلفة يتم تهريبها بطرق متعددة لتحقيق هدف واحد لا أكثر، وهذه اللعنة القادرة على تحويل شخص بالغ له عقل كبير وشأن أكبر إلى سجين لا يمكنه الهروب منه. لكن ومع الأسف ليست هذه الصورة الوحيدة للإدمان بل تتعدد صور الإدمان كما تتعدد الأوجه في حياتنا.

فهناك إدمان العمل، بمعنى إنك تعمل وتعمل ثم تعمل إلى أن تصبح أسيراً لجدول زمني يتلاشى فيه الحد الفاصل بين النهار والليل. تعمل بلا هوادة حتى تتجاوز نفسك وحقوقها، مغمضاً عينيك أمام نفسك وتنسى حقها وحق من حولك عليك. وهناك أيضاً إدمان من نوع اخر، ذلك الإدمان لدورك في سيناريوهات حياتك، كإدمان دور الضحية الذي تعمل على تكراره مرات ومرات إلى أن يظل محاصرك داخل متاهات الهشاشة الذاتية.

فالوقوع في سرادق الإدمان يترك أثاراً عميقة تتسلل إلى أنسجة الوجدان البشري إلى أن تجتاح الجدول اليومي، حيث يتحول حينها الطموح إلى جشع، والعمل إلى هوس لا ينتهي. وبالطبع، كل هذه الأنواع من الإدمان تستنزف الطاقة وتتسلل بك إلى ركن مظلم من الروح، حيث تتلاشى الحدود بين الجد والمزح، وتتداخل الرغبة في التقدم مع التضحية بالجوانب الأخرى من الحياة.

فالإدمان ينمو كظل مستمر يلتف حول الروح، وكلما طالت فترة الإدمان، زادت الصعوبة في الخروج من هذه الدوامة المستمرة. فتتسارع الحاجة إلى جرعات جديدة من التكنولوجيا، أو العمل، أو حتى العلاقات السطحية، مما يعزز هذه الدوائر السلبية. لكن وسط كل ذلك ما الذي يحتاج إليه المدمن؟

هل تعتقد أن المدمن يحتاج إلى المادة المخدرة ذاتها أو لذة أو أموال أو أي شيء مادي آخر؟؟؟؟ اعتقد لا فكل هذه الاشياء مجرد بدائل وبدائل ضعيفة جداً لا ينظر إليها المدمن، فما يبحث عنه كل مدمن… هي علاقة، تلك العلاقة التي تمثل الدعم الذي يفتقده المدمن، ولكن هل يعني ذلك أن الحل هو فقط إيجاد علاقة؟ المدمن عادة يحتاج إلى علاقة تكون بمثابة السفينة التي تنقله من عباب الإدمان إلى شاطئ التعافي… تلك العلاقة التي تعوضه عن النقص الداخلي الذي يشعر به… علاقة تشعره بالعوض عما رآه أو شعر به منذ صغره… علاقة تعوضه عن كل تقصير وتعطيه الاهتمام في كل حالاته وفي أسوأ ظروفه، علاقة لا يُقال له فيها “لا” بسبب وبدون سبب.

فلكل مدمن ثقب اسود في حياته يبحث دائماً عما يملؤه وكلما اقترب على الانتهاء يبتلع ذلك الثقب كل ما تم وضعه دون أن يبقى له أثر فيحاول مرات أخرى إلى أن يقع في جُب الإدمان الذي لا يستطيع الخروج منه ويصبح الإدمان حينها مرآة تعكس الهواجس الداخلية والتحديات الشخصية التي تتسلل إلى الحياة اليومية دون أن يلاحظ الفرد، ومع مرور الوقت، تتجسد كسلسلة من القرارات الخاطئة والتصرفات الضارة. إلى أن يصبح التحرر من هذا القيد تحدّياً لا يقوى عليه أي شخص.

فالإدمان مجرد احتياج لعلاقة مختلفة عن كل العلاقات المحيطة بالشخص ذاته، علاقة تمثل له التعافي وعندما يجد هذه العلاقة يظل يتأمل في رحلته خارج أوكار الإدمان، يجد نفسه في مواجهة أسئلة حيوية حول هويته وهدفه في الحياة. يتحول الصراع إلى محنة تكون نقطة تحول حياتية، لذا فالتغلب على الإدمان ليس مجرد إصلاح للعادات الضارة، بل هو استعادة للتوازن الروحي والعقلي.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الخميس 01 فبراير 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى