المقالات

الدولة اليهودية

الدولة حدود لنظام قانوني ونظام سياسي واقتصادي خاص، ولكن ليس بعقيدة خاصة ليست لغيره لأنه وبطبيعة الحال الدين لجميع من على الأرض فهذا من الله لخلقه ليس لأحد بعينه، إلا اليهودية بأعين من ورِثها والتي هي دين للمكرمين وصفوة الخلق ولمن ولدا يهودياً ولا يمكن أن ترى يهودياً يدعو لاعتناق اليهودية كما قد جاء في سفر التثنية بالتورات (2:14) «لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.»، وهذا سبب أقلية اليهود بالعالم بالرغم من أن التورات أول الأديان وبطبعة الحال الأقلية ضعيفة أمام الكثرة فالكثرة هي ذات السلطة دائماً والقادرة على مواجهة النزاعات والدفاع على أقل تقدير، ومن هذا الجانب اُضطُهِدوا اليهود في أوروبا وقد كانوا عبيد وعند تحسن أحوالهم نبذُوا اجتماعياً وهُجِّروا من دولة إلى أُخرى بل وكان المسيحيين يعلنون أمام الملأ بعدم البيع لليهود ولا الشراء منهم، بالرغم من أن اليهود من أصول أوروبية مثل مسيحيين أوروبا ولم يكن لهم قبول ولم يكن يحميهم القانون بل كان القانون في بعض الدول الأوروبية تمنع عن اليهودي حقوق وطنية التي تكون متاحة للمسيحي. وبعد أن قطن مجموعة من الأُسر اليهودية في فرنسا، أيضًا كانوا أقلية ومهددين بالتهجير في أي وقت وبعد استقرارهم فترة من الزمن حدثت محاكمة النقيب دريفوس- اليهودي في نهاية عام 1894م وذلك بسبب اتهامه بالخيانة بأنه أرسل ملفات سرية فرنسية إلى المانيا حيث عُرفت فرنسا بمعاداتها للسامية وبسبب هذه المحاكمة أتضح الانقسام الفرنسي بين مؤيد القضية ومعارض وتسبب ذلك في نزاعات مع اليهود وهذا أدى إلى التهجير بعد سنوات من الانقسام والعنف ومن هنا تم استغلال الموقف وكتب “تيودور هرتزل” اليهودي (مشروع الصهيونية) عام 1895م الذي يهدف إلى تأسيس دولة يهودية مستغل بذلك جانبين، الأول هو تأييد اليهود في ذروة وجعهم، الثاني والأهم هو تأييد الدوال الأوروبية ودعمهم لليهود بالجمعيات الخيرية لترحيلهم ليس حباً لهم بل  للتخلص منهم كما ذُكر بين اليهود في مشروع الصهيونية، وقد كان في المشروع خيارين هو تأسيس الدولة اليهودية إما في الأرجنتين وإما في فلسطين وكان تداول المشروع على نطاق محدود إلى أن تجرأ ونشره للعلن عام 1896م وتم عقد مؤتمر صهيوني في بارل بسويسرا عام 1897م وفيه أسس المنظمة الصهيونية التي قررت بإنشاء دولة يهودية تتكون من جميع يهود أوروبا وجمعهم جميعاً بتأسيس منظمات مصغرة في كل دولة بالتعاون مع حكومة هذه الدولة التي تريد التخلص من اليهود وترحيلهم على دفعات إلى أرض فلسطين لكي لا يتم ملاحظة ذلك، وتم  اختيار فلسطين لكونها أرض الميعاد لبني إسرائيل كما ذكر التورات (تكوين-12) ” وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض” ، فدخلوا اليهود كما خططوا إلى أرض الكنعانيون خلف ستار الضعف حتى تمكنوا منها واستباحوا أرضها وذلك بما أوصى به “تيودور هرتزل” في مشروع الصهيونية (وتأتي القوة قبل الحق فإن من العبث لدينا أننا نكون وطنيين ومخلصين) صفحة 33 من المشروع الصهيونية، وأقوى ما خطط له بالمشروع هو قوة اقتصادية فلن تكون القوة بالعدد بل القوة بالمال، ووجدت الشركة اليهودية الداعمة تحت رعاية إنجلترا ومقرها لندن في المشروع الصهيوني صفحة 59 . وبعد نزاعات المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود عند ملاحظة تمردهم أقام القانون الدولي حل صادر من الجمعية العامة قرار رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر لعام 1947م وهو تقسيم فلسطين إلى ثلاثة كيانات، دولة عربية بمساحة 4.300 ميل مربع، دولة يهودية بمساحة 5.700 ميل مربع، والقدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية (مِلك اليهود بطريقة غير مباشرة). هل يعقل أن القانون الدولي يسمح باستباحة دولة بريئة بل واستباحة أكبر مساحة للدخيل المحتل؟ الكثير من الأسئلة حول هذا الشأن اللامنطقي، عند سؤال القانون الدولي أجاب “لحل النزاعات” والحقيقة تحمل أسرار خفية كيف يمكن إجادها؟ في التاريخ ذاكرة الأمم. على مدى 200 عام ماضية كانت أوروبا تضطهد اليهود بشتى ألوان النبذ وتُهجرهم من دولة إلى أُخْرى ودعموا مشروع الصهيونية بالجمعيات الخيرية للترحيل للخلاص منهم، فلا يمكن اليوم التراجع عن عمل دؤوب لسنين وهذا سبب تصويت الدوال الأوربية في الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة القائمة على القانون الدولي بالموافقة على تقسيم فلسطين، والسر الأهم دعم الولايات المتحدة الأمريكية العميق بكل الأشكال معنويًا وماديًا بالرغم من الإبادات الصريحة وكل ذلك لأن ليس للولايات المتحدة خيار غير الدعم من الأساس وعندما تعود إلى ذاكرة الأمم نجد ملف شهادة القس ’بروتولومي دي لاس كازاس’  والذي رفع شهادته إلى ملك إسبانيا فلب الثاني عام 1542م بعد عودته من بلاد الهنود الأمريكيين يشهد فيه أنه الأوروبيون ذهبوا جيش مع القساوسة المسيحيين بهدف الدعوة إلى المسيحية وبعد النزول في أرض هذه القبائل: قبائل أوننداجو وموهاك وشيروكي. كما كانوا يعرفون جميعًا باسم الهنود الأمريكيين أو الهنود الحمر. وفي كندا كان يطلق عليهم عادة شعب أبورجينال، عندما استوطنوا البيض الأوروبيين في أراضي الهنود الحمر بدأوا بممارسة الزراعة بشراء أراضي من الهنود الحمر بموجب معاهدات وتمردوا بقطع مساحات كبيرة من الغابات لكي توفر مساحات للزراعة مما قلص على الهنود الحمر مساحات الصيد وأدى ذلك إلى نزاع بينهم، وبحكم صادر من البابوية الأوروبية التي اجازت للأوربيين المستوطنين السيطرة على أراضي الهنود الحمر واحتلالها، فاحتلوا أراضيهم وأبادوهم سوء إبادة قتلوهم وحرقوا أهلها ونهبوا أرضها واستباحوا النساء والأطفال ومارسوا عليهم ألدّ أنواع العذاب واستمرت المجازر من عام 1524م إلى 1531م حيث خلال 8 سنوات أبيدوا الشعوب الأصلية ولم يبقى منهم إلا القليل، فتأسست الولايات المتحدة من خلال 13 مستعمرة بريطانية بتاريخ 4 يوليو لعام 1776م على دماء وأشلاء الشعوب الأصلية، فهل اليوم الولايات المتحدة لديها خيار أخَر غير دعم اليهود؟ بالطبع لا، فمحتل وقاتل دعم محتل وقاتل فلو الولايات المتحدة امتنعت عن الدعم سيتخذون اليهود إجراء أخَر وهو إيقاظ الشعوب الأصلية من سباتهم ودعمها للانقلاب على الولايات المتحدة واستعادة أراضيهم والفائدة العائدة على اليهود ليس لاستعادة الشعوب الأصلية بلادها بل لزعزعة الأمن القومي في الولايات المتحدة. فضلاً أن مقر الهيئة العامة للقانون الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة نيويورك لهذا هي في سبات عميق عن فرض العقوبات الاقتصادية والسياسية ودبلوماسية على جرائم الحرب والإبادة التي يقومون بها اليهود في غزة، فلا يجب على من مارس في تاريخه الإبادة وأقام دولته على الدماء أن يستنكر الإبادة اليوم. والسر الدفين الأهم أن التي تدعي أنها دولة إسرائيل هم ليسوا بني إسرائيل الحقيقيون، فالتورات هي ديانة سماوية وبني إسرائيل هم قوم من الطائفة السومرية التابعة للتورات التي تعود أصولهم إلى بلاد سومر والتي أصبحت في العصور الكلاسيكية بلاد بابل تتكون من النصف الأسفل من بلاد ما بين النهرين الذي يطابق في العراق الحديث (بغداد)  وبعد أن هاجروا تجدهم استقروا في مدينة نابلس في فلسطين قبل 3658 عام وهم طائفة قليله جدًا إلى درجة غير ملحوظة وهم لا يعادون الفلسطينيين بشيء وحتى لباسهم وعاداتهم مختلفة عن اليهود، لتوضيح الصورة بشكل أكبر التورات هو دين سماوي له مذهبين: المذهب الأول السمرة وهم بني إسرائيل السامريون ، والمذهب الثاني اليهود وهم الأوروبيون، كِلا المذهبين يتبعون التورات ولكن الوصايا العشر التي نزلت على موسى عند السامريون مختلفة بوصيتين عن يهود أوروبا، وأحد وصايا السامريون الغير موجودة عند اليهود هي قداسة (جبل جرزيم) وهو جبل الزيتون في مدينة نابلس في فلسطين لهذا السبب هاجرا له ويقدسونه بسبب أنه (قدم عليه نوح قربان الشكر لله بعد الطوفان، عليه أراد إبراهيم أن يقدم أبنه إسحاق، عليه نام يعقوب ورأى السلم منصوباً والملائكة عليه، إليه ابتهل موسى لرؤيته ولعمارته وعدم خرابه، عليه بنى يوشع بن نون هيكل موسى عليه السلام بعد دخول الأرض المقدسة،  عليه تلا الإسرائيليون البركة “لذلك سمي جبل البركة”).  ولكن ما نراه اليوم أن يهود أوروبا سرقوا أرض فلسطين وسرقوا الاسم القومي من بني إسرائيل السامريون، وضاعوا تماما ولم يبقى لهم إلا الاحتلال فالاسم القومي مسروق والأرض مسروقة وطردوا من أوروبا تحت أسم الاستقرار والأمان وضاعت أصولهم وحدود أراضيهم الحقيقة، ماذا تبقى لهم غير التشرد أو الموت؟ ولهذا اختاروا الاحتلال حل أوسط بين الأمرّين. لكي يُفهم الحاضر السياسي ولكي يتم التخطيط لتطور الدول المستقبلي لابد من تحليل التاريخ، لكي تتجنب زرع الضغائن بالأنفس فلا يمكن أن يكون هناك وطن بلا بشر ولا يمكن أن يكون هناك أمان دون أنفس تنعم بالعدالة ولا يمكن للحقيقة أن تموت بالأرض فلا يوجد للحقيقة مقبرة سوى الذاكرة والعقول تورِث ما فيها. عندما تبحث عن ديانة التورات ستجد أن اسمها اليهودية! بالرغم من أن القران فصل في ذلك وهذا ما يثبت ما ورد سلفاً (راجعوا القرآن في ذلك للتوسع في الاطّلاع والمعرفة)، في القرآن الكريم ذكر الله بني إسرائيل في العديد من الأيات المستقلة المقرونة بنزول التورات على موسى ليكون هدى لبني إسرائيل وما حدث مع فرعون وذكرت الأيات الخيرات التي عاشوا فيها والمعجزات التي مروا بها وذكر القرآن شريعة التورات لبني إسرائيل من حيث الأركان الستة وشرح في الأيات شرائعهم وانبيائهم الاثني عشر وذكرت الآيات السامري من قومهم الذي أغواهم في دينهم وهذا ما يثبت أصول بني إسرائيل من السامريون، كما ذُكروا اليهود بالقران بآيات مستقلة في العديد من السور وقرن ذِكر اليهود بالمشركين كما ذَكرت الآيات تمردهم على الله وجميع الآيات حذرت ثم حذرت ثم حذرت من اليهود وخبثهم وشرهم وتمردهم وتطاولهم، سبحانك ربي ما أعظمك فهو بصير بهم. ونستنتج أخيراً أن أوروبا إذا سأمت من شعوبها جعلتهم محتلين وقتله وتدعم استقرارهم في غير أراضيها بدبلوماسيتها المبتذلة “لتنعموا بالأمان ولتكسبوا خيرات الأراضي ولتحصلوا على السلطة”. ليس كل من يدعمك ويبتسم لك مُحب، وليس كُل من يظهر ضعفه لك محتاج. الأول يريد الخلاص منك والثاني يريد التغلغل فيك. كُن يقض.

 

بقلم / عهود الغامدي

25  نوفمبر 2023 م 

للأطلاع على مقالات الكاتبة ( أضغط هنا ) 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى