المقالات

القهوة من منظور طبي

لطالما كانت القهوة ولا تزال رمزا للثقافة و الأصالة لأبناء الجزيرة العربية و جزءً أساسياً من موروثنا الحضاري وتاريخنا العريق في المملكة العربية السعودية.

‏ونظرا لما تمثله من أهمية ومكانه خاصة في وجدان شعب المملكة و كونها عنواناً للكرم وحسن الضيافة السعودية، فقد أطلقت وزارة الثقافة اسم “عام القهوة السعودية ” على عام 2022 ‏ونظمت بالتعاون مع هيئة فنون الطهي مهرجان القهوة السعودية بالتزامن مع اليوم العالمي للقهوة الذي يوافق الأول من شهر أكتوبر من كل عام.

و تشرفت بزيارة هذا  المهرجان و سرني ما رأيت من أفكار تنظيمية رائعة و فعاليات مصاحبة لإبراز أهمية القهوة ثقافياً و اجتماعياً و اقتصادياً، وكنت أتمنى أن يكون للحديث عن الجوانب  الطبية المرتبطة بالقهوة مساحة في هذا الحدث. ولعلي أجدها فرصة مناسبة للحديث عن تلك الجوانب من خلال هذه الأسطر.

 

‏ لا يخفى على القارئ الكريم تأثير القهوة على المزاج ‏بالشعور بالسعادة والنشوة وعلى الذهن بالتوقد وزيادة الانتباه، و قد كان هذا التأثير عنواناً لقصائد الكثير من الشعراء قديماً و حديثاً‏.

يقول الأمير أحمد السديري:

يا بجاد شب النار و ادن الدلالِ      وسو لنا يا بجاد ما يقعد الراس

‏ويقول خلف بن هذال:

سووا لي من الكيف وارهوا لي من الدلة.          البن الاشقر يداوي الرأس فنجاله

 

و كانت العلاقة بين القهوة و المزاج عنواناً لكثير من الأبحاث الطبية و موضوعاً للدراسات العلمية، و نُشر الكثير من هذه الدراسات  في المجلات العلمية العالمية مؤكدة على تأثيرها المباشر على المزاج بل و تحسن أعراض الاكتئاب عن كثير من المرضى.  ففي عام ٢٠١٦ نشرت الكلية الملكية الأسترالية و النيوزلندية للأمراض النفسية  بحثاً موسعاً عن هذا الموضوع و خلصت إلى ذات النتيجة.

 

أما تأثيرها العضوي على الجسم، فكثيرا ما يُسأل الأطباء عما إذا كانت مضرة أو مفيدة ؟

واستنادا على هذا السؤال ونظراً لانتشارها الواسع عالمياً ، فقد اهتم الباحثون بالمجال الطبي في دراسة تأثيراتها على أعضاء الجسم وخرجوا ببعض النتائج التي سنتطرق لأهمها.

 

‏في عام 2011 نشرت الجمعية الأمريكية لأمراض الكبد ‏بحث بعنوان (العلاقة بين شرب القهوة والكبد الدهني والتليف) وأظهرت النتائج انخفاض نسبة حدوث التليف عند المرضى الذين يعانون من مرض الكبد الدهنية، وكذلك أكد البحث على تأثيرها الإيجابي على مرضى التهاب الكبد الوبائي ج  والحد من تطور المرض .

‏كما نشرت المجلة نفسها في عام 2015 مقالاً بعنوان ( تأثير القهوة على الكبد بين الحقيقة والخيال) و أكدت على انعكاساتها الإيجابية على الكبد و خصوصاً التهاب الكبد الوبائي ج  وكذلك انخفاض نسبة حدوث الأورام السرطانية بخلايا الكبد.

 

‏وقد كان سائدا في الأوساط العلمية التأثير السلبي للقهوة على مرضى القلب  ‏كونها تتسبب في ارتفاع معدل ضربات القلب وزيادة الجهد بعد تناولها ، إلا أنه ثبت عكس ذلك في كثير من الدراسات الطبية. فقد وجد الباحثون بأن شرب القهوة بانتظام و بمعدل كوبين إلى ثلاثة يومياً يقي من بعض أمراض القلب و كذلك الجلطات، بل أنها مفيدة لمرضى فشل العضلة و عدم انتظام ضربات القلب عند شربها باعتدال، وهذا ما أكدته جمعية أمراض القلب الأمريكية بالخبر المنشور بمجلتها الطبية في فيراير ٢٠٢١.

 

و تحدث بعض الباحثون بالأكاديمية الأمريكية لطب الأعصاب عن دورة القهوة بالحماية والوقاية من الإصابة بمرض باركنسون و الزهايمر و التصلب اللويحي المتعدد، ولوحظ  تحسن بعض الأعراض عند المرضى المصابين بتلك الأمراض و خصوصاً المتعلقة بوظائف الدماغ الإدراكية و الحركية.

 

وعلى الرغم من أن الكثير من المقالات الطبية ذكرت بأن للقهوة دور في الوقاية من بعض أنواع الأورام السرطانية إلا أنه لا يزال هذا الموضوع محل البحث و الدراسة و يحتاج لمزيد من الإثباتات العلمية.

 

‏أما الإفراط بتناول القهوة بمعدلات تزيد عن الموصي بها طبياً، فقد يُحدث نتائج عكسية، حيث ذكرت وزارة الصحة السعودية بأن المعدل المسموح به هو 400 ملغم باليوم أي ثلاث إلى أربع أكواب، أما الزيادة عن ذلك قد يسبب أعراض جانبية مثل ارتفاع ضغط الدم، الخفقان،  الغثيان، أعراض القولون العصبي،

زيادة إدرار البول المؤدي للجفاف و كذلك زيادة تنبيه الجهاز العصبي و بالتالي القلق و اضطرابات النوم.

 

إذاً و مما  سبق نستنتج بأن القهوة مفيدة لصحة الإنسان نفسياً و عضوياً إذا ما تم تناولها باعتدال.

ختاماً، أتمنى الصحة للجميع.

 

د/ باسم الحربي

للاطلاع على مقالات الكاتب ( اضغط هنا ) 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى