المقالات

الذهب الأخضر

الابتكارات البشرية لا تتوقف ففي كل فترة زمنية قصيرة او حقبة زمنية طويلة تتسلسل الابتكارات في شتى جوانب الحياة الاجتماعية، الصناعية، العلمية، وحتى الغذائية منها.  ولطالما الغذاء يأخذ الحيز الأكبر من اهتمام البشرية لكونه سر استمرار بقاء الإنسان على قيد الحياة، ففي بدايتهِ وقبل تقدم الصناعات الغذائية كان الغذاء بما هو متوفر في القطاع الجغرافي لأهل المنطقة ثم توسع إلى تذوق الأصناف المختلفة لأهل الأقاليم الجغرافية الأخرى ثم تطور الأمر للمزج بين النكهات الطبيعية بعضها ببعض لنجد الذوق الجديد، واسترسل الأمر للبحث في الطبيعة الغنية بالأذواق والنكهات المختلفة ومحاولة الاستفادة من الثمار المتنوعة المعلومة مسبقاً والغير معروفه بالتعرف على طرق أكلها وتصنيفها، وبعد أن أصبح العالم يحمل واجهة غذائية واحدة حيث أن الأصناف الجديدة على قوائم الطعام أصبحت تسمى عالمية ولا تنتمي إلى دولة معينه بل هي مبتكرة في عالم أصبح صغير ويتم صناعة هذا الطبق بالعالم كلة لسهولة تداول الوصفة والإضافة عليها، حتى أن بعض الإضافات من الأطعمة أصبحت رئيسية اليوم برغم حداثتها. والمدهش هو وجود ثمار قديمة ولكن تم اكتشاف وصفات لها على قائمة الأغذية الارستقراطية وأصبحت ذات صيت عالمي ومصدر مدر للأموال بشكل مبهر، وأهمها الأفوكادو ذو الحقول مشددة الحراسة تحت أجهزة أمن الدولة بعد أن أصبح أقوى مصدر مدر للأموال بشكل قانوني  بعد تجارة المخدرات الغير قانونية، محرك الاقتصاد الأول في المكسيك  الدولة العالمية الأولى لتصدير الأفوكادو الذي أصبح اليوم ومن فترة زمنية أحد أهم مصادر الاطباق الراقية وذو المذاق الرائع حيث يستهلك العالم أكثر من 5 مليارات كغ من الأفوكادو سنوياً  ووصلت أرباحه بأكثر من 800 مليون دولار سنوياً، كما أن كاليفورنيا المصدر الثاني بعد المكسيك ولكن كانت المكسيك منافس أقوى لكون ثمار الأفوكادو اكثر نقاوة وخالية من الأمراض تماماً وكانت ولاية واحدة تنتج الأفوكادو ذو النقاوة والمعايير العالية ولاية ميتشواكان المنتجة لـ80% من الأفوكادو بالعالم كله، وبعد أن ضعفت تجارة المخدرات في الآونة الأخيرة مقابل أرباح الأفوكادو قرر تجار المخدرات في المكسيك احتلال تجارة الأفوكادو واختطاف المزارعين وابتزاز المواطنين أصحاب المزارع في دفع الفدية، ثم اجبروا جمع أصحاب الحقول بدفع رسوم مقابل كل كغ واحد او سيتم حرق الحقول وتدميرها إلى أن تدخلت الحكومة المكسيكية في فرض الحراسات المشددة بالسلاح الناري حول حقول الأفوكادو ومن المؤسف أن حرب الأفوكادو لم تتوقف هنا بل كانت عصابة (لويس زيتاس) تعمل على إعطاء العساكر المدربين عرض يُدفع لهم ضعف ما تدفعه الحكومة لتضمهم بصفها لتفتح لهم باب احتلال الأفوكادو وقاموا أيضا برشوة المزارعين لمحاولة الوصول إلى أسماء أقوى مزارعين وموردين الأفوكادو في المكسيك وفي عام 2006 قرر الرئيس “فيليبي كالديرون” بتأسيس خطط صارمة للقضاء على المنظمات الإجرامية التي تحاول احتلال الأفوكادو التي هي المورد الأول لأمريكا وكندا و اوربا و أسيا، فانقسمت العصابات الكبيرة إلى عصابات أصغر لكي لا يتم ملاحظتها!!! إنها حرب الأفوكادو الذي ينافس تجارة المخدرات في ارباحها ولكن بشكل قانوني!! عجباً.

أشجار الأفوكادو تستغرق ما بين 5 إلى 13 سنه لتنضج وتعطي ثمار، وتتطلب 68 لتراً من الماء لإنتاج ثمرة افوكادو واحدة. فضلاً عن مذاق الافوكادو الذي أضاف على الأطعمة مذاق مبهر يملك العديد من العناصر الغذائية يحتوي على الاومجا6 التي تحافظ على صحة القلب والشرايين حيث يحتوي الافوكادو على كمية من مادة تدعى بيتا سيتوستيرول (Beta–sitosterol)، المهمة لصحة القلب وتتحكم بمعدل الكوليسترول والدهون الثلاثية بالدم والاومجا3 التي تعزز من الحفاظ على صحة الـDNA الهَرم الأساسي لصحة وظائف الأعضاء، كما تحتوي على 20 نوع من الفيتامينات التي تحمي من هشاشة العظام والأمراض المزمنة، ومُعزز الافوكادو بـالفيتوكيميكال، فالفيتوكيميكال عبارة عن مواد تتواجد في أنسجة العيون وتوفر حماية مضادة للأكسدة وذلك بهدف حمايتها من الأضرار المختلفة كتلك الناتجة عن الأشعة فوق البنفسجية، يوفر الأفوكادو عنصر الفولات الذي ربطت الدراسات العلمية المختلفة بينه وبين انخفاض خطر الإصابة بسرطان المعدة والقولون والبنكرياس، الاطعمة التي تحتوي على الفولات تمتاز بقدرتها على خفض خطر الإصابة بالاكتئاب. حيث يعمل الفولات على منع تراكم مادة معينة تدعى الهوموسيستئين (Homocysteine) والتي تعيق وصول المغذيات إلى الدماغ بالصورة الطبيعية. وجود كمية عالية من الهوموسيستئين من شأنه أن يتدخل في انتاج السيروتونين (Serotonin) والدوبامين (Dopamine) والنورأبينفرين (Norepinephrine)، وهي مواد تعمل على تنظيف كل من المزاج والنوم والشهية.

أشجار الأفوكادو تحتاج إلى طقس رطب ودرجة حرارة تتراوح ما بين 25 إلى 17 درجة مؤوية وتربة خصبة غنية بالمعادن حيث تتوفر درجات الحرارة بمثل هذا المعدل في المملكة العربية السعودية في فصل الصيف كما في الجوف وحائل والباحة وأبها ما بين 25 درجة مؤوية إلى 16 مؤوية وفي فصل الشتاء كما في الأراضي الخصبة في منطقة بيشة ونجران وجازان حيث تتراوح درجة الحرارة 30 إلى 17 درجة مؤوية وباستخدام البيوت المحمية للنباتات التي تساعد على تعديل درجات الحرارة وإنتاج كمية أكبر من الثمار، المملكة العربية السعودية تحتوي على أقاليم ومساحات جغرافية خصبة لإنتاج الكثير من الثمار المطلوبة عالمياً والتي يتم استهلاكها كل عام بمعدل أكبر من العام الذي يسبقه وذلك نظراً لانتشار هذه النكهات والاصناف حول العالم بشكل أكبر، وقد تحظى المملكة العربية السعودية مستقبلاً بفرص للدخول في سوق الذهب الأخضر لطالما أن المساحات الزراعية متوفرة والسوق متطلب ومصدر مضمون للدخول في نهضة اقتصادية فريدة. “الفرص التي لا تأتيك، انتزعها”

 

بقلم / عهود الغامدي 

زر الذهاب إلى الأعلى