المقالات

فقد الهوية

يوجد بالوجود التنوع الظاهري والجوهري ولكل منهم هوية ثابته ومنها يُعرف النوع ويثبت التصنيف وهكذا هم البشر فهم صنفوا من البشر والفقريات والثديات وفق ما يجمعهم من صفات فيزيولوجية ظاهرية وسلوكيةً أخلاقية فطرية، ولو تأملنا قليلاً لطرحنا سؤال منطقي جداً، ما هو السلوك الأخلاقي الصحيح وكيف صُنف أنه صحيح؟ هي لا تصنف صحيحة وفق ذائقة شخصية أو ما يقرره الإجماع أو ما يروق للزعيم، بل هو صحيح وفق السلوك الفطري منذُ الطفولة وينضج تدريجيًا، وهو ما يترتب عليه من نتائج وأثار سليمة، سواء كانت هذه النتائج والأثار نفسية أو مادية ملموسة ومرئية. وبشكل أدق هذه النتائج والأثار هي التي تحافظ على الإرث الاجتماعي الإنساني من الجريمة والأمراض العضوية والنفسية واستمرار دائرة الحياة للتكاثر البشري الخالي من العاهات الخَلقية والمنظر البشري الطبيعي الذي لا يلتف حوله هالة الشك واستمرار تطور المعرفة والعلوم والفِكر الفلسفي التساؤلي المكتشف للجديد بل وتحافظ على المجتمعات أن تستمر صحية ومتعلمة ومثقفة، فضلاً أن الرأي والتصرف الصحيح هو ما يتم قوله أو عملة من إنسان سوي ونعني بسوي هنا هو الإنسان الذي لا يعاني من عاهات نفسية ولا عاهات عقلية ويملك مستوى وعي جيد ومعدل الإدراك لديه مرتفع كما أنه يحظى بصحة بدنية ممتازة ويعيش بمجتمع سليم من جميع النواحي الصحية والثقافية بل ومجتمع يُفكر وليس تابع، فينتج عن كل هذا سلوك إنسان سوي. إذاً ما هو السلوك الشاذ والسلوك العصابي؟ السلوك الشاذ مخالف تمامًا للسلوك السوي فهو السلوك الذي خارج عن طبيعة الإنسان الفطرية الغير مكتسبة، فالسلوك الشاذ هو سلوك مكتسب دائمًا والذي نتائجه وأثاره سلبية بل وتكون وخيمة وتنتج من شخصيات قليلة الوعي والإدراك ويصاحبها شخص لا يحظى بجوانب نفسية وعقلية أو صحية وثقافية أو طفولة عادية، كما هو أيضا السلوك العصابي الذي يعيش صاحبة بمستوى عالي من القلق وهو شعور الخطر المتوقع دون وجود سبب أو مؤشرات له، ويعيشون بشعور الضياع والتعاسة ويدركون أنفسهم تمامًا بأنهم تعساء ومكتئبين وهذا ما يؤدي إليه السلوك الشاذ الذي يجد الإنسان نفسه ومجتمعه في وسط سلوكيات شاذة ظنًا منه أنه وجد اتجاهه الصحيح ووجد نفسه، والحقيقة هي أنه سلك هذا الشذوذ للهروب من واقعه الذي لا يريدك أن تُذكره به وتراه ينزعج من الماضي والانفراد بنفسه. ومن الأمثلة الشائعة على الشذوذ هو (الحرية المُطْلقة) فهذا النوع من الحرية بمعنى (لا قانون) ومن فطرة الإنسان السليمة العقلية هو التمييز والتمييز هو ما يحلل النتائج ما إذا كانت جيدة أم سيئة ثم حينها يتخذ القرار ولكن هذا التمييز بمستويات مختلفة بين الناس وفق الفئات العمرية والقدرات العقلية وما يحيط بها من عوامل تربوية ودينية وبيئية ولكي ينعم الجميع بالأمان لابد أن تسن القوانين لحفظ حياة من هم أقل قدرة على التمييز بالإضافة إلى قطع سبيل الجدل فيها وحفظ النفس والمال وننعم بالأمان. والحرية المطلقة هي عبارة عن حروب باردة للأوطان لا تتمتع بالأمان، ولذا نلاحظ أن الدول التي تؤمن بالحريات المبالغ فيها إلى درجة أن صاحب السلوك الشاذ العصابي يُحترم كشخص حُر بتصرفه واختياراته وقراراته بدلاً من احترام إنسانيته والمبادرة بعلاجه وتوجيهه، ولكن احترامه كشخص حُر بقراراته أقل كُلفة على الدولة وأقل مستوى تنافسي!!؟؟، ليس صعب تمييز الحالات السلوكية المرضية وبشكل الأخص على المتخصصين في الاضطرابات العقلية والنفسية بوجود الدراسات السريرية الدقيقة، كاضطراب الكرب ما بعد الصدمة (اضطراب الكرب التالي للرضخ) الكامن في الذكريات السلبية والمواقف القاسية والتي تسبب تغير المزاج والتغير في ردود الفعل الجسدية والعاطفية، اضطراب الهوية التفارقي وهو شعور الشخص بأنه شخص أخر بل ويعيش شخصيتين أو أكثر وقد تكون الشخصيات في الفرد الواحد بين ذكر وأنثى وينكر بأنه له أكثر من شخصية ويرى نفسه شخص واحد، واضطراب الهوية التفارقي هو ليس مرض انفصام الشخصية لأن الفرق بينهم واضح من حيث أن الفصام يكون مرض عصبي ويتعالج بالأدوية وقد يكون وراثي ومرتبط بالذهان “الأوهام” كمثل أن يشعر بأنه يتم التجسس عليه أو يشك بخيانة أحد ما ويكون متأكد بالرغم من عدم حدوث شيء ولا يوجد دليل، إما اضطراب الشخصية التفارقي علاجه عن طريق التحليل النفسي والعلاج السلوكي و يستطيع تمييز الواقع ولا يصاب بالذهان. كما أن الخَرف الذي يوصف بمجموعة من الأعراض التي تصيب الذاكرة والتفكير والقدرات الاجتماعية أحد أهم الأسباب التي تؤخذ بعين الاعتبار على السلوكيات الشاذة في ظل الظروف البيئية والغذائية متدنية الفائدة، أيضاً مرض الهوس وهو أحد الاضطرابات السلوكية الذي يتسم بالغرابة والنشاط النفسي الزائد والهياج والمرح المبالغ فيه ومن أسباب هذه الغرابة الفشل والإحباط ونقص الكفاءة ومحاولة إنكار ذلك عن طريق لعب دور النجاح والكفاءة دون نجاح في الحقيقة وسبب السبب هي مشكلات يهرب منها الشخص خارج نفسه لينسى ويبتعد عن القلق. والمنتشر في الآونة الأخيرة على مرأى ومسمع بل وأصبح قانوني في بعض الدوال هو احترام من فقد ماهية هويته وأدعى أنه شخص أخر كما الذي خُلق إنسان وأدعى أنه قِط بحجة أن هذا ما يشعر به أو يدعي أنه بقرة أو يسبب العاهات المستديمة لنفسة مثل أن يفقد نفسه السمع أو البصر لأنه يشعر بأنه من المفترض يكون خُلق هكذا وهذه حالات متواجدة بالعالم بل وانتشرت كثيراً وهناك من يُخلق رجل ويدعي أنه امرأة أو من تُخلق امرأة وتدعي بأنها رجل لأن هذا ما يشعرون به  (روح مختلفة تسكن جسد مختلف)، وكانت الحرية الهادمة أن يُحترم ما يقرروه لأن الهدف هو هدم أكبر شريحة من الجنس البشري والبقاء للأقلية التي ستحظى بالامتيازات بل ومن صالحها انشغال أكبر شريحة من الجنس البشري بالأفكار السلبية والترفيه المبالغ فيه وحياة الشهوات المستمرة لأن هذا ليس سبيل للارتقاء وستكون النتيجة لا منافس وبشكل الأخص في المستويات المهمة التي تتطلب علم وثقافه ووعي واستواء نفسي وعقلي وصحة بدنية تامه فضلاً عن سهولة حكمهم والسيطرة عليهم، وبذلك تم تجاهل جميع الإصابات العقلية والنفسية ووصفها بالحرية، فبطبيعة الحال من لم يعترف بالخطأ، لن يصححه. في سنة 1958م أستخدم أرنولد لازاروس العالم النفسي الأمريكي “العلاج السلوكي” من علم النفس التجريبي السريري وهو مصطلح يشير إلى أسلوب علاجي واسع المدى يستخدم مبادئ وقوانين العلاج بالسلوك لحل المشكلات السلوكية بالضَبَط وتعديل السلوك المرضي المتمثل في الأعراض وتنمية السلوك الإرادي السوي لدى الفرد (وتعني الإرادي هو السلوك الفطري وليس المكتسب) وفي إطار العلاج السلوكي تعتبر الأمراض النفسية هي تجمعات لعادات سلوكية خاطئة مكتسبة يمكن علاجها إذا وضعت في بؤرة العلاج وغُيرت واحد تلو والأُخرى. ويرى أيزينك عالم النفس الألماني أن العلاج السلوكي يتضمن أساسا إعادة التعليم. ويستند العلاج السلوكي إلى أن الإنسان في مرحلة نموه يكتسب السلوك السوي أو المرضي وبناء على هذا المبدأ والنتائج المترتبة يتم تصحيح السلوك. ووضح ألبريت أليس في عام 1977م أن الفكر والانفعال هو توأمان مترابطان متداخلان، والتفكير والانفعال والسلوك تصاحب بعضها بعضاً تأثيراً بتأثير، فكان ألبرت أول من تعامل بالعلاج العقلاني-الانفعالي وهو محاولة إدخال المنطق والعقل في الإرشاد والعلاج النفسي عن طريق استخدام فنيات معرفية وانفعالية لمساعدة المريض لتصحيح معتقداته غير العقلانية التي يصاحبها خلل انفعالي وسلوكي إلى معتقدات عقلانية يصاحبها ضبط انفعالي وسلوكي. وفي عام 1965م أبتكر وليام جلاسر طريقة متطورة للعلاج عن طريق العلاج بالواقع حيث يقوم العلاج بالواقع على ثلاث مفاهيم رئيسية ويرمز لها “3Rs” وهي: الواقع (الحقيقة الواقعية الشعورية في الحاضر)، المسؤولية (تقدير الذات)، الصواب والخطأ (مبدأ معياري أخلاقي). ولكن يوجد سؤال يستحق البحث فيه، هل كُل الأعداد البشرية الكبيرة التي تدعم هذه الحريات المطلقة لهدم الماهية الإنسانية كلهم مرضى نفسيون وعقليون؟ الإجابة هي لا ليس كلهم مرضى. سبب الانتشار الواسع والتقبل لهذه الأفكار هو سببين: الأول الوباء الاجتماعي والثاني الانصياع إلى السلطة، فالوباء الاجتماعي هو من أخطر الوسائل التي تؤثر على انتشار السمعة والتي تكون تستخدم في اتجاهات مختلفة على نطاق واسع هي عبارة عن انخراط أشخاص لديهم مجموعه مميزة ونادرة من المواهب الاجتماعية في فنون الخطابة والاقناع ويكونون محل ثقة اجتماعية فتستغل هذه الثقة ويبدؤون بمخاطبة الناس على التطرف الديني أو التمرد السياسي أو الحريات المطلقة.. إلخ. والسبب الثاني هو الانصياع إلى السلطة تشير إليها التجارب المتمحورة حول ثنائية السجان التي تدرس سلوكية الطاعة في تجربة ملقرام عام 1947م وتجربة زيمباردو عام 2007 حيث كانت التجربة لسبب وجيه يبحثون فيه عن إجابه كيف البعض يستطيع عمل أشياء مشينه ويصل إلى مراحل بشعه بالرغم من مخالفتها تمامًا للفطرة والرحمة وتقزز الإنسانية كمثل حادثة الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية فكانت النتيجة أن المشاركين تأثروا كثيرا بأوامر السلطة لممارسة العنف بالتعذيب الكهربائي حيث مع مرور قليل من الوقت بالتجربة وصل بهم الحال إلى الاستمتاع بسماع أصوات التعذيب بعد ما كانوا يترددون من ارتكاب هذا العنف، والدراسات التجريبية أثبتت أن حتى البشر العاديون يمكن تحويلهم إلى مضطهدين ووحوش عبر التكرار والتلقين واستخدام أساليب وفنيات توقع بالنفس والعقل الأثر، فلا عجب بمن يكون قليل الإدراك والوعي ليتم التلاعب بعقله. ولهذا وجب أن نؤمن بمبدأ راسخ وهو “هناك دائماً ما نجهله” لنعزز لدينا قيمة البحث دوما عن الحقيقة التي ترتقي بنا أن نفكر دائما بكل ما تستقبله حواسنا وبذلك لن نسمح بدخول الأفكار المسمومة المخالفة للفطرة السوية مهما كان الأسلوب المحترف القائم به للوصول إلى هدف فقد الهوية بل سيكون لدينا فِكر محترف للتصدي والإجابة.

 

بقلم / عهود الغامدي

11  أغسطس 2023 م 

للأطلاع على مقالات الكاتبة ( أضغط هنا ) 

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى