المقالات

أنظر بعقلك

الكثير من العبارات تتردد في المحيط الاجتماعي والكثير يؤمنون بصحتها، على سبيل المثال “النساء يعرفون النساء” وأيضاً “الرجال يعرفون الرجال” وقس على غرارها، وتستخدم في مواضع مشكوك بأمرها ومجهولة الحقيقة ولكن كانت هذه العبارة كدليل يثبت صحة هذا الظن والاعتقاد واستباحة إطلاق الأحكام على الآخرين ووضعها موضع اليقين لكونهم من ذات الجنس من ذات الجنسية أو الأسرة أو طبيعة العمل أو المنصب إذاً فالحكم صحيح! وهلم جراً، وكانت هذه أحد الأسباب القومية والاجتماعية والفردية على حدٍ سواء في توسع دائرة الشك والريبة وبناء شخصي من المجتمع لسور المعضلة التي تمنع الاندماج الاجتماعي بود ورحمة. ولو تسألنا ما مصدر هذه المعرفة التي يدّعون؟ مصدرها هو الظن والظن هو ضرب من الاعتقاد والاعتقاد منبعه الروح وهذه الروح عبارة عن كتلةً من المشاعر والمشاعر تنبع من العاطفة وجميعها مصدرها؟ القلب. وهذا ما يسمى (النظر بالقلب). وقالت ‘حنه آرنت‘ (الغباء هو من يستخدم القوالب الجاهزة ويلجأ إلى العموميات) آرنت تسمية غباء أي الآلية في الكلام والتفكير الجاهزة والأنه فضل تجنب التفكير والمعرفة والرؤية وجُرّم بإلغاء الذات. وذكر ‘مارك مانسون‘ “أن الطريقة الوحيدة لتحسين حياتنا تحسيناً حقيقياً لا تكون من خلال الشعور الطيب، بل من خلال تحسُننا في التعامل مع شعورنا السيء”  إذاً النظر من خلال القلب وإتباع ما ينتاب في الشعور و العواطف لرسم الظنون وانعكاس تفسير المؤشرات من خلال التوجس هو حقل يثمر ثمارهُ المسمومة وتتراكم جيل بعد جيل إلى أن تتعامل معها الأجيال أنها ذات يقين برغم من أنها في دائرة الظنون ولا تتجاوزها ولا يمكن انتزاع هذا النظام الاعتقادي منه بسهولة. بينما الوعي ركيزة العقل المُفكر هو مكان وقرار التفكير والتحليل والإدراك الكامل الذي يميز ويفصل الصحيح والخطأ والمؤكد من المشتبه به ، وعليه لن يتوجس الإنسان لِما كان في الخفاء والذي لم يظهر من الأساس إلا أنه فسر المؤشرات بناء على حدود بصيرته وهنا أوضح أن الوعي يحتويه الدماغ ولكن ذات الدماغ ينقسم إلى (الدماغ المُفكر، والدماغ الذي يشعر)، الدماغ المفكر هو جزء أفكارك التحليلية وقدراتك على إجراء الحسابات وقدرة التمييز و الموازنة المنطقية بين خيارات متعددة والتعبير عن الأفكار من خلال قدرة وصفها لغوياً يسمى (النظر بالعقل) ، والدماغ الذي يشعر هو دوافعك وحدسك وغرائزك ورغباتك وهذا الجزء من الدماغ مرتبط بـ(النظر بالقلب) وكما ذكر مارك مانسون “الدماغ المفكر موضوعي معتمد على الحقائق الواقعية، وأما الدماغ الذي يشعر فهو دماغ ذاتي نسبياً” . والنظر بالقلب له جانبين فالأول أن الإنسان غالباً يكون عدو نفسه فيرهق نفسه بالتوجس والأوهام على ما يظنه ويشعر به وقد يتحتم على حياته البؤس، والثاني ضياع الكثير من الجهد والوقت في سبيل التفكير الشعوري بأوهام حول حياة الأخرين بينما كان يستطيع هذا الإنسان أن يستثمر وقته لنفسه، ومن هنا يكون فقد أمرين الأول الراحة والثاني وقته الذي كان هو أحق به. ولكن ماذا لو كُنا ننظر بعقولنا فقط؟ ننظر بعقولنا هذا يعني أن لا نحكم على الشيء إلا بعد حدوثه ولا نصدق بالشيء إلا بعد سماعه أو رؤيته ولا نجزم بحقيقة إلا بعد إدراكها وليس من خلال تفسير الغيبيات الشعورية، النظر بالعقل هذا يعني من منظور آخر لا شك لا ريبه لا توجس لا ظنون ولا شحناء ولا وجود للبغضاء. لكم ان تتخيلوا أي مودة ورحمة ستعم المجتمع. فقط أنظر بعقلك.

 

 

بقلم / عهود الغامدي 

زر الذهاب إلى الأعلى