المقالات

“الحقيقة المُطّلقة”

 

أصدق حقيقة لا جدل فيها عند الإنسان هي ما يُرى بالعين وبُنيت عليها صدق الأفعال التي تُدرك حقيقتها بالرؤية، إما رؤية مباشرة أو رؤية أثرها، ثم يتلوها حقيقة السمع وبعدها حقيقة الحدس والشعور. الكون يحوي الحركة ويحوي السكون، الكون يتضمن ما نراه وما ليس نراه، ومالم نراه ليس لأنه خفي خلف الحواجز أو في عوالم موازية بل هو يحدث امامنا ولكن عين الإنسان غير قادرة على رؤيتها. لن أتحدث عن ما يحدث في العوالم الموازية كعالم الجن والملائكة في الأبعاد الكونية ما فوق البُعد الرابع، بل سأتحدث عن الأبعاد الكونية الأربعة للإنسان  (الطول، العرض، والارتفاع والزمكان)، الأنسان ذو العقل والسيطرة في هذا العالم نظم بيئته على ما يراه من الألوان والزوايا فبعض الأسماء اُطلقت على الأشياء معتمدين على الشكل واللون ولكن ما نراه نحن البشر في محيطنا ليس هو الحقيقة، بمعنى أخر نتعايش على ما نراه مناسب لنا، ونعتقد أن حقيقة الكون هكذا ولكن مخلوقات أُخرى ترى الكون بحقيقةً مختلفة لأن قدرت بصرها إما مختلفة عن الإنسان أو اقوى منه، فالإنسان لدية ثلاث أنواع فقط من مستقبلات الألوان ولدية مجال البصر يُعادل 40 درجة في الاتجاه الأعلى و50 درجة في اتجاه الامام و80 درجة إلى الأسفل. فالصقر يرى الأحداث افضل من الإنسان فهو يرى بمعدل 8 مرات اقوى فلك أن تتخيل أن تضرب هذه الزوايا عند الإنسان في 8 ولك أن تتخيل مساحات الزوايا التي يستطيع رؤيتها حيث ترى الصقور بمسافة 3 كيلومتر، والنسور والمفترسات وحيوانات أخرى كذلك فضلا عن اختلاف مستقبلات الألوان فالإنسان كما ذكرنا لدية 3 أنواع من مستقبلات الألوان واما القريدس السرعوف الطاووسي فلدية 12 نوع من مستقبلات الألوان حيث انه يرى من التفاصيل الدقيقة مالا يقدر الإنسان على رؤيته ولا أدراكه فهو يراهم بلون واحد أو مدموجة مع ما حولها دون أن تبرز امامه، فضلا أن عين القريدس كل واحدة تتحرك في مجال زاوية مستقل بمعنى يرى جميع الزاويا يميناً وشيمالاً في وقت واحد، فلو نظر الإنسان بعين القريدس لأبصر تفاصيل كثيرة والوان كثيرة وزوايا وأحداث متعددة مالا يستطيع دماغه على تحليلها،  النحل والفراشات الصغيرة وقصيرة العمر لديها القدرة على رؤية الألوان وتميز الألوان فوق الأشعة البنفسجية فترى العالم بطريقة مختلفة لا يراها الإنسان. اذاً حقيقة الحدث امام رؤية الإنسان ناقصة فليس كل ما يحدث امام العين يستطيع الإنسان إدراكه، يوجد أحداث في زوايا مختلفة وتفاصيل حاضرة لم تلاحظها عين الانسان آنذاك ولم يستشعر بها. فحقيقة الحدث تضل ناقصة والحكم عليها بمستوى ما جُهل منها. فتكررت الحكمة (لا تصدق ما تسمع وصدق نصف ما ترى واترك النصف الأخر لعقلك) النصف الأخر الذي يُتَرك للعقل هذا الجزء الذي علينا فيه أن ندرك أن قدرة الإنسان على استيعاب ما يراه قليل فلا يفرض الأحكام ولا يدخل بالنوايا. وقال الفيلسوف كانط (معرفتنا للأمور ليست سوى تفسير مقيد لطبيعة إدراكنا للمعطيات التي نكتسبها من حواسنا) ثم صرح بـ(أن الحقيقة لا يُرقى لها) فضلاً عن التأثر البنيوي للمجتمعات ونمط البيئة فمن الطبيعي أن تكون الجريمة عند بعض المجتمعات فضيلة عند مجتمعات أخرى. إذا لا يوجد حقيقة مطلقة ويؤخذ بعين الاعتبار قدرة بصر وبصيرة الإنسان وحواسه والاختلافات الاجتماعية في نمطها. ولكن الحقيقة الوحيدة هي (أن العقل المذهل للإنسان يدرك ذاته وقدراته وجميع ما سبق مالا يستطيع أدراكه مخلوق أخر عن نفسه).

الحقيقة لا يُسمى لها.

 

بقلم الكاتبة / عهود الغامدي 

 

زر الذهاب إلى الأعلى