المقالات

المؤسساتية طريق النجاح

تعتبر المؤسساتي من المواضيع التي لم تلاقي رواجاً في مجتمعاتنا العربية المعاصرة ولكونها ذات أهمية بالغة خصوصاً في وقتنا الحاضر نتيجة اشتداد التنافسية بين المتنافسين والانفتاح العالمي ولعله هنا قد يتبادر للأذهان ما هي المؤسساتية أو ماذا تعني لتكون بتلك الأهمية البالغة والتي دعتنا لتسليط الضوء عليها, فلقد ظهرت المؤسساتية في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وسبب تسميتها بهذا الاسم هو رؤيتها الشاملة التي تربط علوم العلوم فيما بينها كما أنه في الآونة الأخيرة بإمكاننا أن نلاحظ الانتشار الدارج في استخدام المؤسساتية في جميع مناحي العلوم (الاجتماعية, السياسية ,الاقتصادية (  ففي العلوم الاجتماعية نلاحظ استخداماته في كتابات الفلسفة والاقتصاد والسياسة ( المعموري والحمداني, 2017 ) كما أن مصطلح المؤسساتي تم استخدامه من قبل جام باتيستا فيكو منذ عام 1725م, أما المؤسساتية من ناحية علم الاجتماع فهي الأنظمة والقواعد المرسومة ومتفق عليها مسبقاً والتي من خلالها يتحدد سلوك وعلاقات المجتمع الاجتماعية من خلال التعريف يتضح لنا أن هنالك قوانين يلزم اتباعها وفي حال مخالفتها فسيتعرض الفرد للعقوبةً والتي قد تختلف بنوع المخالفة ومن ثم تحديد درجة العقاب طبقا للمخالفة, كما يمكننا ملاحظة ارتباط علم السياسة والتفسير القانوني للمؤسساتية فمن ناحية السياسة تعتبر المؤسساتية الأسس والإركان الأساسية لأي منظمة أو تنظيم اجتماعي متمثل بالقانون والأعراف المعترف بها وهنالك نلاحظ الارتباط الوثيق بين المؤسسات والقانون, أيضاُ كذلك الدول متمثلة بالقانون الدستوري سواء كانت بمجالس الوزراء أو البرلمانات أو.. إلخ جميعهم يشكلون مؤسسات سياسية ولا ننسى ان القانون الدستوري يعطيها الشكل والصيغة القانونية وهذه المؤسسات تتنوع بها آلية صنع القرار السياسي وبذلك يتشكل لنا ما يسمى بالنظام السياسي, كما أن المفكرين قد قسموا المؤسسات السياسية إلى قسمين (مادي) وهو ما خلقته الإرادة الإنسانية وبالتالي يتبين من خلالها النقاط الأساسية أو الإطار الخاص بهذه المجموعة الإنسانية وبالتالي يكون لدينا ممارسات ونشاطات سياسية حكومية (مجلس الوزراء, البرلمانات, الأحزاب, … إلخ) ولابد أن يكون لها حاكم أو سلطان معترف به وأنظمة وقواعد محددة مسبقاً ومتفق عليها سواء كانت بالإجبار أو دون ذلك وهدفها في نهاية المطاف تحقيق الصالح العام, أما القسم الثاني (غير مادي) فهي الآليات والتنظيمات التي تتمحور حول آلية تنفيذ وتسيير الأعمال في المنظمات وكذا الهيئات أي باختصار أنها الإجراءات والأنظمة التي تمارسها المنظمات وتكون محكومة بها لممارسة وظائفها ومهامها المناطة بها, كما أن هنالك ارتباط وثيق بين مصطلح المؤسساتية وعلم الاقتصاد فيدل الأخير على مفهومين (مادي, غير مادي)  فالمادي يعبر عنه أنه الأطر والهياكل التنظيمية المستقلة سواء كانت بذاتها ماليا تلك قانونية أو اجتماعية, أما من الناحية الغير مادية فهي السلوك أو النمط المتعارف عليه من عادات وتقاليد وأعراف تجاه آلية التفكير ووسائل المعيشة (المعموري والحمداني,2012).

 

إذاً مما سبق بإمكاننا أن نوجز المؤسساتية كما عرفها (نورث 2006) على أنها عبارة عن مجموعة من الأنظمة والقواعد والقيود سواء كانت موثقة ومدونه أو أعراف أعترف عليها العامة وهي جميعها مستنبطة من الإنسان وجميعها تعمل على تنظيم التفاعل في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن هنا يتساءل القارئ إذاً كيف هي تلك القيود؟ وللإجابة على الاستفسار بالإمكان القول أن تلك القيود هي عبارة عن جزئيين (قيود رسمية) مثل (الدساتير, القوانين, حقوق الملكية, الأنظمة) وقيود غير رسمية مثل (العقوبات, المحظورات, العادات والتقاليد, لوائح السلوك).

 

وللمزيد حول المؤسساتية سنطرق وأثرها على كفاءة وفعالية المنظمات ودرها كثقافة تنظيمية في خلق بيئة جاذبة وصحية داعمة للإنتاج والتطوير على مستوى الفرد ومستوى المنظمة, ففي ظل العولمة والتحول الرقمي السريع أصبح العالم قرية صغير وأصبحت أهمية المنظمات  تتزايد عما كانت عليه في السابق وبذلك اشتدت التنافسية بين المتنافسين لكسب أعلى حصة سوقية والتي تتطلب أن تكسب ثقة العملاء وزيادة ارتباط الموظفين لاستغلال اكبر قدر من طاقة الموارد البشرية وبالتالي تعظيم الربحية وبمثال بسيط لأهمية المؤسساتي أو لماذا التقيد الإنساني ضرورياً مع المؤسسات؟

 

لنفترض هذه اللعبة لكي نتكمن من تلخيص هذه المسالة فالشركات والمؤسسات او كذلك الأفراد الذين يملكون الثروات سيلاحظون أن التعاون والتفاعل والتعامل مع بعضهم جدير بالاهتمام والثقة بل ويؤيدون تكرارها في حال كانت المعلومات تجاه الطرف الأخر واضحه وشفافة ومعلومة ففي المنظمات اللوجستية على سبيل المثال يرغبون في تكرار التعامل في حال كانت المنظمة واضحة وشفافة مع عملائها سواء بالداخل أو الخارج بل يزيد اهتماهم بها وسيعظم أرباحها لكن لنلاحظ أنه لو كان هنالك خلل في المنظومة أو م نكلا الطرفين قد لا يتكرر التعاون والتعامل بل من الممكن أن تصل إلى خط النهاية فيتأثر الطرفين لكن هنالك طرف قد تكون النهاية له من خلال إفلاس أو عدم وجود مقدم خدمة يدعمه في مدخلاته الإنتاجية.

 

وختاماً نقول أن مدى تأثير المؤسساتية هو ذو 360 درجة فجميع المتغيرات التي تنتج عن العمل المؤسساتي تؤثر على البيئة الداخلية والخارجية لأي منظمة كانت فبلا شك أنها هي من تحدد ثقافة وهوية المنظمات وقيمها وتوجهاتها المستقبلية، لذلك لا يوجد تخطيط استراتيجية أو اقتصادي أو سياسي لا يتخلله عمل مؤسساتي لأنه من دونها سيكون نتاجه وقتي وسيزول.

 

بقلم / محمد بن عبدالله السكاكر 

09 إبريل 2023 م 

زر الذهاب إلى الأعلى