المقالات

تعبت الوجوه من حمل الأقنعة

على كوكب الأرض وفى مشوارنا بالحياة نصادف فيها مواقف عظيمة من اشخاص اختارهم الله عزوجل وخصهم بخدمة عباده، حيث تشكل تلك اللحظات التي تخلق في قلوبنا أشكالاً مختلفة من السعادة والرضا، ويتراءى فيها مظاهر التكافل والتعاون حيث يُساعد فيها الناس بعضهم البعض ويحفظون لبعض هذه المواقف الذهبية كأسرارٍ تُسهم في صياغة قلوبهم وترسيخ مبادئهم.

ومع كل موقف نبيل وعظيم يظل في الذاكرة، ويتراكم هذا الجمال البسيط ليُبنى به جسرٌ من التقدير والامتنان. ومع كل تعاون ومساعدة، يُبدع الناس في تكريس روح الانتماء والترابط، وهذه اللحظات تترك بصمات مشرقة في الذاكرة وتصقل الروح لتكون أرقى وأجمل حيث يُثبت الناس من خلال تلك التجارب البسيطة أن الإنسانية والعطاء لا تأتي بمقياس أو وزن، بل تأتي كفعل ينطلق من القلب، وهو ما نطلق عليها “الجميل” ذلك الذي يثري الروح ويصقل أخلاق الإنسان ويتجلى فيها جمال الإنسانية وحب الإنسان لأخيه الإنسان.

وعلى الرغم من أن الإنسان يُبدع في تكريس روح الانتماء والترابط من خلال تلك المواقف إلا أن هناك البعض ممن يميلون إلى تجاهل ذلك، حيث يعيشون في عالم مليء بالتوترات والخلل الداخلي ويتجاهلون المعروف الذي قدمته له أو يؤلمون يدك التي بسطتها لمساعدته يوماً. وهؤلاء مَن تُقدّم لهم الكثير ولا يعطونك سوى الندم،

فناكر الجميل كلّما قدّمت له شيئاً طعن في ظهرك سكّيناً بجرح أعمق وأكبر من سابقه، وكلّما عاتبته وشكوت له تَكبَّر وتَجبَّر أكثر مما كان، وكثيرون هم الأشخاص الذين يعذبون نفسياتنا في بعدهم كان أو في قربهم، من وجودهم وفي غيابهم، فهم من تضنينا الحياة بوجودهم وبافتراقهم عنا.

فنحن أصبحنا مبتلين بنوع من البشر يتحدثون بثقة تامة عن الأخلاق والطيبة والمبادئ، ويمارسون باستمرار النفاق والتلون والتثعلب وبمنتهى الدقة والإبداع، ويتقنون ممارسة الإخلاص حسب احتياجاتهم له ويلعبون بقلوب البشر ويحركوهم ذهاباً وإياباً كما يحلو لهم كلعبة شطرنج فيتقنعون بقناع الاخوة والصداقة وإن أخذو حاجتهم أنكرو الجميل وغدروا.

وإنكار الجميل في هؤلاء ليس مجرد تصرف سريع أو تفاصيل يومية تعبر عن الغفلة فحسب، بل هو نمط سلوكي يمكن أن يلوّث عقولنا وحياتنا بشكلٍ عام. كما يتسبب إنكار الجميل في عدم الشعور بالامتنان والسعادة بالأشياء البسيطة، فيغمض العين عن لحظات البهجة والجمال الذي نعيشه يومياً.

لكن من يعتقد انه قد وصل بجدارته وفطنته، وبات متحدثاً لبقاً، عليه أن يدرك إدراكاً تاماً بأن من سبقه لم يكن أحسن حالا منه، فقد سعى ونال وخدع، لكنه سرعان ما ذاب كما يذاب الملح بالماء ويبقى لا أثر له.

ولذلك فلابد أن ندرك بأنه من الواجب علينا أن نكون أكثر حذرا في تعاملاتنا مع الآخرين خاصة أولئك الذين يحملون في ظاهرهم صور الحمل الوديع، وهم في حقيقتهم لا يحملون سوى حقد دفين وغل لعين.

فالاعتراف بالجميل ليس مجرد تصرف سطحي، بل هو عمل ينطوي على وعي عميق وتقدير للحياة وما تقدمه لنا من معروف. فمن يتجاهل هذه اللحظات الجميلة، فإنه يفوت فرصة للشعور بالسعادة الحقيقية والارتواء الروحي.

فالحياة في كل لحظة تفتح لنا أبواباً للسعادة والامتنان، فتأمل الشمس المشرقة في الصباح الباكر، أو ابتسامة طفل يلعب في الشارع، أو حتى كلمة شكر من شخص ما، فهذه اللحظات البسيطة تحمل في طياتها جمالًا ينبغي علينا التركيز عليه والاعتراف به، فلا تندم على نية صادقة قدمتها او صنيع معروف ابدا قدمته لمن لا يستحق وافتخر بأنك كنت ومازلت انسانا يحمل قلباً من ذهب وان أنكروا فضلك سكان الأرض فتذكر بان الخالق العظيم

رب العزة والجلالة يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فلا تلفت لهذه النوعية المريضة والتي لن تجنى في نهاية الامر الا الحسرة والندم، وستلقنهم مدرسة الحياة دروس قاسية تكشف فيها عن الأقنعة الملوثة التي يرتدونها والنفوس المريضة ويسقطون بعدها سقوطا مروعا في أعين الناس والمجتمع.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

23 نوفمبر 2023 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى