المقالات

جزء من النص مفقود

جزء من النص مفقود… جملة قد قرأناها جميعا من قبل، تلك الكلمات التي طالما ارتبطت في أذهاننا بحقبة زمنية معينة “بالتأكيد تتذكرها الآن” تلك الفترة ذات التكنولوجيا غير المتطورة والتي نسعد بمجرد مرورها عبر ذاكرتنا. لكن هل النص المفقود عندنا جميعا واحد؟ وهل إذا تذكرنا نصنا المفقود نسعد كسعادتنا لتذكرنا تلك الحقبة؟

يُقال “إن المرء توَّاقٌ إلى ما لم ينل” وكما كنا نتوق إلى معرفة المفقود من النص فإننا نتوق دائماً لمعرفة المفقود من نصوصنا، فلا بأس من أن نتطلع للكمال، لكن بينما نستخدم أحياناً المقارنة مع الأفراد الناجحين أو حتى الاستثنائيين ممن حققوا إنجازات، ونجد أنفسنا في دوامة للتأمل في تفوقهم في مجالات حياتهم التي لم نصل إليها بعد والتركيز الدائم مع هؤلاء الأفراد الذين يبدو أنهم رزقوا بكل ما لم نحظ به، يفتحون أمامنا أفقاً للمقارنات المرهقة. وإذا جلسنا لنستعرض هذه المقارنات، قد يظهر لنا أن الجميع يعيش حياة سعيدة وناجحة، مما يزيد من حدة الإحباط واليأس. ورغم ذلك، يجب أن ندرك أن الحياة لدى الآخرين قد تكون مليئة بالتحديات والصعاب، والتي قد تدفع بعضهم إلى اليأس والاستسلام.

وبينما يظل هناك دائماً “جزء من النص مفقود” في الرسائل الواردة عبر الهواتف المحمولة القديمة، لا يجوز لنا أن نقيد أنفسنا بهذه الفكرة في مسارات حياتنا. فالثبات في وسط الطريق ليس أمراً مستمراً في مسيرة الحياة، بل قد يكون مرحلياً. فالنصف لا يكفي دائماً للتعبير عن كل جوانب الحياة، فلا يمكن للفرد أن يتخذ قراراً نصفياً، بل يحتاج وباستمرار إلى مراجعة رغباته وميوله واحتياجاته لتحديد وتجديد اتجاهاته.

فالشعور بالنقص هو سمة إنسانية دائمة وثابتة للأبد لم ولن تتغير أبداً. فيمكن للإنسان أن يكون لديه أماني وأحلام يسعى لتحقيقها، ولكن فور تحقيق هذه الطموحات، ينشأ شعور جديد بالنقص، سواء كانت رغبة جديدة أو حلم ينشد تحقيقه. وهكذا تظل هناك دائماً شيء ناقص في نظام حياتنا، إذ يبحث كل منا عن تكملة لشيء يفتقر إليه. فقد يكون ذلك حلم لم يتحقق بعد أو أمنية مؤجلة أو حتى اصغر الاشياء التي قد تكون غير متوفرة وقد يبدو الفقد شيئا مؤلماً في بعض الأحيان، ولذلك نظل نبحث بلا كلل عن التكامل وملئ ما تبقى من النصف الاخر لنا،

فاللحظة التي تجدها نصفاً هي في الحقيقة لحظة تحدٍ وقوة. فأنت إنسان كامل، وحياتك ليست مخصصة لتكون نصف حياة. فعندما تواجه هذه اللحظة، يجب عليك أن تتذكر لعبة البازل الشهيرة، تلك الألعاب التي تتطلب تركيزاً طويلاً ودقة في التفاصيل، التي يتعين عليك حلها بعناية. وبمجرد وصولك للحل، تنتهي اللعبة وتصبح حينها غير صالحة للتكرار أو اللعب مرة أخرى.

وفي حالة فقدان قطعة واحدة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تشويه الصورة بأكملها أو حتى إلى انهيارها بالكامل. لذا، تشبه هذه اللحظة النص الذي يفتقد جزءاً منه. فليس هناك أسوأ من أن تتلقى رسالة فاقدة لجزء من نصها، مثلها مثل الاحساس بالفشل في نقل فكرة ما.

بالتأكيد، ستتكامل منظومة حياتنا يوماً ما، ومهما اشتدت العواصف وتعددت التحديات. سيبقى دائماً هناك جزء من النص مفقود.

الكاتب / طارق محمود نواب

الجمعة 26 يناير 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى