المقالات

جعبة السموم

النجاح… ذلك الإنجاز الذي يسعى الإنسان طوال حياته لتحقيقه، وهو أيضاً في بعض الأحيان السبب في فقدك لأناس تحبهم لمجرد أن نجاحك يثير غيرتهم وحسدهم، ويسعون بشتى الطرق للتقليل من نجاحاتك وتفوقك… فهو الهدف الذي يبحث عنه الجميع، ويسعون جاهدين لتحقيقه، وهو أيضاً تلك الثمرة الثمينة والنادرة التي ليس بمقدور الجميع تذوقها، ولذلك، تصبح واحدة من أكثر الأسباب التي تجذب الأعداء الجهلة، والكارهون، ومن يغيظهم النجاح، هؤلاء من يأتون وقلوبهم مملؤة بالحسد والحقد وربما الغيرة.

فالنجاح ليس مجرد نقطة نهاية في رحلة، بل هو بداية مسار مليء بالتضحيات والجهد الشاق يتطلب العديد من الساعات والأيام والأشهر من العمل، وغالباً ما يمر بأوقات صعبة وتحديات تبدو غير قابلة للتجاوز. لكن ومع كل نجاح يظهر، تنشأ مشكلة جديدة… فلا يختلف اثنان على أن كثيرا من حالات العداء التي ينشب أوارها بين الناس ترجع في جوهرها إلى وجود تضارب الحسد والحقد على نجاح شخص ما ووجود تضارب في المصالح بين الأفراد التي تقف موقف العداء بعضها من بعض.

فالحسد هو تلك الصفة البشرية السلبية التي تدفع الإنسان للتمني بما يمتلكه غيره، وتجعله يشعر بالغيرة عندما يشاهد الآخرين يحققون النجاح. وهي الصفة التي تجعل الإنسان ينظر إلى الآخرين بعيون من الغضب، ويتمنى لهم الفشل بدلاً من النجاح.

ففي بعض الأحيان يظن الكثيرون أن النجاح لم يكن نتيجة للجهد والتفاني بل كان مجرد حظاً أو فرصة محظوظة. وهنا يظهر الحسد بوضوح، حيث يبدأ الأعداء والحاسدين في محاولة التقليل من قيمة النجاح وتشويه صورة الشخص الناجح، أو على أقل تقدير يحاولون اللحاق بك ومن لا يستطع اللحاق بك لا يملك سوى طعنك من الخلف.

لكن هذا لا يعني أن يستسلم الشخص الناجح أمام الأعداء ويخفي نجاحه. بل بالعكس، يجب أن يستخدم هذا الحسد كوقود إضافي لتحقيق المزيد من النجاح. إن النجاح لا يكون حقيقياً إلا إذا تم مواجهة التحديات والمعارضة بصدر رحب وأن يكون مستعداً للتعامل مع الأعداء والحاسدين بحذر وذكاء، فالعمل هو ابلغ رد على أعداء النجاح، ولا أعتقد أن هناك شيئاً يؤلم الفاشلين أكثر من استمرارية نجاح الناجحين.

فلكل شخص ناجح مئات الحاسدين الذين يؤلمهم نجاحه، ووراء كل فرد قوي وثابت ومتميز المئات من الأفراد المنافسين الذين لا يستخدمون دائماً أساليب المنافسة المشروعة التي تساعد على الوصول إلى نفس المستوى من النجاح، بل يقومون بتخريب ما قام ببنائه ومحاولة هدمه تدريجياً. فتراهم يهزون السلم من تحتك بعنف وقوة لعلك تسقط من فوقه لتتساقط معك كل قصص النجاح التي سطرتها بعرقك وجهدك.

فأنا دائماً أؤمن بالمقولة الشهيرة “إذا جاءتك ضربة من خلفك، فاعلم تماماً أنك في المقدمة” واؤمن أيضاً بأنه إذا سلم أحد من الأقاويل المرجفة والأكاذيب المسمومة التي يحيكها أمثالهم لمحاولة إسقاطه لسلم منها اشهر وأنجح الشخصيات عبر التاريخ… فلكل منهم أعداؤه ومشككيه. وللأسف لا يمكننا منعهم فهم كذرات الهواء الملوثة لابد أن يدخلوا في أعماق رئتيك حين تتنفس الهواء من حولك ويبدأ كل منهم في التمدد رغما عنك في مساحة حياتك ويلجون في طرقاتها دون استئذان.

فهم يغيظهم صعود الناجح فيحفر ذلك النجاح أخدود من الألم في نفوسهم ويحاولون ردمه بطوفان من الدسائس والأكاذيب التي يطلقون العنان لأمواجها الهادرة لتهد بنيانك ولتقويض أركان نجاحك الذي سكبت على أساسه المتين قطرات من عرق جهدك ونسمات من حلاوة روحك.

وفي النهاية، النجاح رحلة شخصية تتطلب التفاني والإرادة القوية. وبغض النظر عن وجود الأعداء والحاسدين يعرقلون الطريق، يجب أن يكون الشخص الناجح قادراً على تحقيق أهدافه وإثبات أن الإصرار والإرادة قوة لا تقهر. وأعلم أن هؤلاء الحاسدين يعملون دوما في الخفاء ويعكرون بأحجارهم صفاء الماء لتعاسة أعماقهم وهذا النوع من العداوة لا تضر إلا صاحبها، لأنه يختلق هذه العداوة لتكون هي الوسيلة الوحيدة لاستمراريته في الوجود “حسب اعتقاده” لأنه لا يملك غيرها، وعلى الرغم من علمه أنها تهديد لشخصه قبل غيره؛ إلا أنه يصر على ذلك إلى أن تقضي عليه.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

11 نوفمبر 2023 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى