المقالات

خلف الكواليس

هناك من يقضي سنوات عديدة من حياته في محاولة منه لتحسين صورته في أي جانب من جوانب شخصيته. فيظل يعمل بجد وفاعلية وجهد كبير دون أن يُدرك الغرض الأساسي من هذا العمل، وهل يعمل ليكلل عمله بالنجاح في النهاية؟ ام إنه يعمل كإثبات للغير بأنه الأفضل؟ وللأسف، في أوقات كثيرة تسيطر عليه رغبته في التأثير على الآخرين، والتي بدورها تتعارض مع قيامه بمصالحهم، وذلك ما قد يجعله يهتم بتأثيره على من حوله لمجرد أن يسمع عبارات من الشكر والثناء، ولكي يحافظ على كل هذه المشاعر الإيجابية يتجاوز حدود المعقول في إرهاق نفسه وطاقته ووقته. لكنه يجهل أن كل ذلك سيقع به في فخ مظلم يمتص منه الراحة والسكينة، وفي النهاية قد يعلم ذلك لكن يأتي ذلك العلم بعدما اصبح غير قادر حتى على إصدار الصفير من كثرة تحمله ما لا يطيق، فحينها لم يتعلم فقط أن هذا كان ضارا، لكنه سيتعلم أيضاً أنه لم يكن يدرك سبب قيامه بهذا العمل ولا حتى الغرض الذي يهدف لتحقيقه من وراء ذلك العمل.

ففي بعض الأيام قد نجد أن علينا بذل المزيد من الجهد، لمجرد أن نحيا في عالم متسارع أحداثه متغيرة باستمرار. ومع ذلك، عندما نتساءل عن سبب إجهادنا بأمور لا نستطيع تحملها، يأتي الرد بأننا نفعل ذلك من أجل البقاء، ولكن الحقيقة هي أننا نسعى لشيء يكمن وراء ذلك… شيء أكبر من مجرد رغبة في البقاء. نحن نرغب في المساهمة في الصالح العام، أو مساعدة أصدقائنا، أو دعم أنفسنا، وهذه بالطبع أهداف نبيلة ونوايا حسنة.

لكني ومع ذلك، اكتشفت أن حسن النية لا يمنعنا من خطر الإجهاد، فكل تلك الأهداف والنوايا الحسنة تتجمع لتشكل أعباء لا نقوى على تحملها، وفي الغالب تحدث آثار كبيرة قد لا نراها بوضوح لكنها تظل موجودة وتتفاقم مع الوقت. كالذي يحدث خلال رحلة السعي لتحقيق الكمال وتحقيق الغايات النبيلة، وهنا تكمن حاجتنا الملحة للقبول، مما يدفعنا غالباً لتحمل ما لا نقوى على تحمله من أعباء فقط من أجل القبول.

ولا يقف بنا الحال إلى هنا بل وأثناء محاولتنا المستميتة للوصول إلى الكمال والمثالية، ننظر إلى كيفية ما نقوم به، ونظل في سلسلة من التساؤلات في دواخلنا: هل كنت جيداً بما فيه الكفاية؟ وهل تركت انطباعاً جيدا خلال قيامي بذلك؟

لكننا لا ننظر إلى الأهم من ذلك، وهو أن نصبح على اقتناع تام بأن الحب يجلب القبول، ونحن بالفعل محبوبون ومقبولون بسببه. لذا مهمتنا هي قبول تقبل الآخرين لنا وقبول الحياة في ظل الحرية التي يمنحنا إياها الحب. دون بذل جهد أكبر لاكتساب القبول ممن حولنا.

وقد دفعني كل ما سبق لاكتشاف أن السبب وراء محاولة الوصول إلى الكمال وتحمل الإنسان ما لا يطيق،  يكمن في خطأين أولهم، النظر إلى الحب المشروط وكأنه قانون الحياة ولا يقوى أحد للوصول إليه دون إثبات جدارته به. وثاني خطأ هو الاعتقاد بأن لا احد يقدرنا كما نحن دون زيادة أو نقصان.

فإذا تقبلت قبول الآخرين لك فإنك بذلك تؤكد على قيمتك وعلى رفعة شأنك على الأقل بالنسبة لنفسك، لكن عليك أن تفهم انك إن لم تكن لك قيمة فإن الحب نفسه غير جدير بالقبول،

فضع أمامك الحب الغير مشروط من العائلة والأصدقاء كمرآة تساعدك على إدراك أن القبول الحقيقي يأتي من الداخل وليس من خلال محاولة تشكيل صورة ترضي الآخرين، وتلك الخطوة هي أهم خطوة نحو السلام الداخلي. فقبول الذات كما هي وفهم أن الحب الحقيقي يأتي بلا شروط، يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط الذي يفرضه الشخص على نفسه.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

السبت 11 يناير 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى