المقالات

صيدلية الحياة

عندما نتأمل في الحياة وننظر إلى البشرية، نجد أن الناس كالأدوية التي عادة ما نلجأ اليها في لحظات التعب والألم الشديد، فمنهم من يأتون كحبات مسكن تزيل الألم وتعيد لنا السكينة والراحة… تخفف من آلامنا وتعيد البسمة إلى وجوهنا، وتكون كالأرواح النقية التي تحمل في طياتها قوة التأثير الإيجابي على حياتنا. تلك الأشخاص الذين يذكرونا دائماً بأن للأمل جناحين وبأن السحابة السوداء ستمرّ وسيشرق الفجر مجدداً.

تلك الأرواح النادرة التي تملك قدرة فريدة على إضاءة الطريق في أحلك اللحظات، فهم كالشمعة التي تحترق لتنير لنا الدرب، وكالمطر الذي يروي الأرض الجافة بماء الحياة. وبرغم الصعوبات التي قد تواجههم في حياتهم، يبقون قوامين، يواجهون التحديات بشجاعة ويعطوننا الأمل والإلهام لمواصلة السعي نحو الأفضل. فهم الملاذ الآمن الذي نلجأ إليه عندما تتعثر أقدامنا وتتعطل أحلامنا، وهم أيضاً من يعيدون لنا الإيمان بأن الحياة لا تزال تحمل لنا الكثير من الجمال والخير.

وهناك من يكون تأثيرهم كتأثير المرهم، يكفي أن تشعر بوجودهم لتشعر بالسلام الداخلي والطمأنينة فهم ليسوا فقط مساعدين وداعمين، بل يمتلكون قدرة فريدة على تلطيف الجروح وتهدئة النفوس. هؤلاء الأشخاص هم نقطة ضوء في عالم يملؤه الضجيج والصخب، ويعتبرون أحد الأسباب التي تجعل الحياة أكثر جمالاً واشراقاً تاركين بصمة لا تُمحى من قلبك.

ومنهم من يشبه الفيتامين، يعملون على تقويتنا و يكملوا نقائصنا، ويمنحوننا الطاقة والحيوية لمواجهة التحديات اليومية بكل قوة وإيمان… يعيشون بيننا كالدعامة الحقيقية التي تدعم حياتنا، وكلما كانوا حولنا، زادت قوتنا واستقرارنا كالشمس التي تشرق في سماء حياتنا، مضيئة ودافئة، تمنحنا الأمل والثبات في كل زمان ومكان.

ومنهم ناس ممتدة المفعول، زيارة واحدة تترك أثر جميل و شافي العمر بأكمله، كالأمواج التي تلامس شواطئنا وتترك بصمة عميقة في قلوبنا، ومهما طالت الفجوات بين لقاء وآخر، يظل تأثيرها حاضراً يثبتنا ويشفينا من كل جرح نمر به.

ومنهم دواء غالي بلا فائدة، وله بدائل أقل بكثير. يتسببون في تعذيبك وتعبك وتذليلك، ويكلفونك الكثير لمجرد أن تجده، ثم وللأسف تكتشف أن البدائل الأفضل كانت بجانبك ولم تنتبه لها إلا بعد فوات الأوان.

و ناس أخرى أنتهى تاريخ صلاحيتها، لا تفيدك، و توهمك باستمرار انها تشفيك وهي في الأساس تضرك بل وتحرمك من الدواء الحقيقي… هؤلاء الأشخاص يبدون في البداية وكأنهم الحل لمشاكلنا، يعطون الأمل ويظهرون أنهم قادرون على مساعدتنا، ولكن في الحقيقة وجودهم لم يعد فعال، بل هو مزيد من الضرر والألم دون فائدة.

وهناك من يشبهون دواء مر ومؤلم، يؤلموننا ويسببون لنا المعاناة… نفكر كثيراً في الابتعاد عنهم، لكنهم في النهاية هم ضروريين لشفاء مرض روحي عضال. فهم يأتون بكبريائهم الذي يصطدم بعنادنا وامتناعنا، لكنهم يعلموننا دروس الأدب بطرق قاسية… يعيدون ترتيب وتنظيم حياتنا بالوجع !!

وعلى الرغم من مرهم وألمهم، إلا أننا مدينون لهم، فهم يساعدوننا في تحقيق التوازن الروحي والنضج الشخصي، ويمهدون الطريق لنا نحو حياة أكثر سلاماً وسعادة.

وهناك ناس كالدواء البسيط “سهلة” بجانبك دائماً في كل وقت، فوائدها كثيرة ولأن ثمنها بسيط وغير مكلفة ليس لها مكان في حياتك…

فصيدلية الحياة ممتلئة بأنواع مختلفة من الأدوية، ورفوفها مليئة بناس متنوعة التأثيرات، وكلما تقدم بنا العمر يوماً رأينا أثرها الجانبية بوضوح على حياتنا، وكلما كان لدينا القدرة على اختيار الأدوية الصحيحة، كلما كانت حياتنا أكثر سعادة وتوازناً. لذا فأنت في حاجة للاختيار الصحيح… الاختيار بعناية أو بمساعدة من يختار بعناية.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الخميس 14 فبراير 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى