المقالات

فن القيادة وصفات القائد المُلهم

تلعب القيادة دورًا أساسيا في جميع جوانب الحياة لأي تجمع من الناس، فهي صمّام الأمان لتلك المجموعة، وهي مسؤولة عن تنظيم شؤونها وأنشطتها، وضمان العدالة والمساواة بين أعضائها. يٌمكن تعريف القيادة (Leadership) بأنها القدرة التي يتميّز بها الفرد على إلهام وتحفيز مجموعة من الأفراد للعمل بشكل جماعي لتحقيق أهداف مشتركة برؤية واضحة. إن مفهوم القيادة يتجاوز مجرد السلطة أو القوة، أن القيادة فن يتطلب مجموعة فريدة من المهارات والصفات المتميزة التي إن توفرت في شخص معيّن أطلق عليه لقب قائد مُلهم.

إن القائد المُلهم هو الذي يُساهم في إطلاق العنان لإمكانات الفريق وتوجيه جهودهم نحو تحقيق الأهداف المشتركة بفعالية وكفاءة. ولا يقتصر الأمر على توفير التوجيه فحسب، بل يشمل أيضًا تعزيز بيئة تشجع على النمو والتعاون والابتكار.

خلال مسيرتي المهنية -التي تجاوزت العشرون عاماً- أصبح من الواضح لي أن القيادة الحقيقية تعني أكثر من مجرد لقب أو منصب في سُلطة، بل هناك العديد من الصفات الأساسية والمهمة التي يجب أن يمتلكها القائد الحقيقي المُلهم.

في هذا المقال، سنتطرق إلى ذكر بعض سمات القائد المُلهم، بناءً على تجربتي وملاحظاتي خلال مسيرتي المهنية. مع ذكر أبرز القادة في التاريخ الذين تنطبق عليهم معظم هذه السمات. من أهم هذه السمات ما يلي:

  • القائد المُلهم يتصف بالأمانة، والصدق، والإخلاص، والتواضع، والعمل لصالح أفراد المجموعة بعيداً عن مصالحه الشخصية.
  • القائد المُلهم له القدرة على صُنع ورعاية قادة جُدد، ويعتبرهم جزء لا يتجزأ من نجاحاته. كما أنه يمتلك القدرة على تعيين كل فرد في موقع يناسب مهاراته وقدراته بأفضل طريقة ممكنة.
  • يكون القائد المُلهم على قدر عالي من المرونة في تفويض الصلاحيات وتمكين فريقه، وذلك لتعزيز الثقة وتوسيع الآفاق للأداء الفعال للفريق.
  • القائد المُلهم أن يتمتع بالشفافية في أعماله ومعاملاته، ويقدم المعلومات والحقائق بشكل واضح ومفهوم لا لبس فيه.
  • للقائد المُلهم رؤية واضحة للمستقبل، يُحفز ويوجه أفراد فريقه لتحقيق تلك الرؤية، والوصول إلى أعلى مستويات الأداء.
  • القائد المُلهم لديه القدرة على التعامل السريع والفعال مع التحديات والصعوبات، وتقديم حلول ذكية وابتكارية.
  • يُشجع القائد المُلهم الآخرين على العمل الجماعي والتعاون، لأهمية ذلك في تحقيق النجاح.
  • القائد المُلهم يتعامل بعدالة مع الجميع، ويحترم مبدأ المساواة وعدم التفضيل لأحد على حساب آخر. أنه يتبنى مبدأ الاستماع الفعال لأفكار ومشاعر الآخرين، ويشجع التواصل الجيد والمنفتح.
  • إن القائد المُلهم لديه القدرة على التعامل بفعالية مع التنوع، يتعامل بعدل مع أفراد فريقه الذين ينتمون إلى ثقافات وخلفيات مختلفة.
  • كما يجب على القائد السيطرة على سلوكياته وانفعالاته، وان يتصف بالهدوء في معالجة الأمور، فيجب ان لا يتعجل النطق بكل كلمة ترد بذهنه قبل التيقن من أنها تخرج في سياقها الصحيح.

 

على مدار تاريخ البشرية، برز العديد من القادة العظماء الذين اتصفوا بمعظم تلك الصفات فكان لهم تأثير دائم على مجتمعاتهم، وكانوا مصدر الهام لكثير من الناس في جميع أنحاء العالم.

 

يأتي النبي محمد(ﷺ) على رأس قائمة هؤلاء القادة، حيث يؤكّد الكاتب الأمريكي مايكل هارت في كتابه “العظماء مائة وأعظمهم محمد” أن النبي محمد (ﷺ) هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً كقائد عظيم على المستويين الديني والدنيوي، ولهذا السبب وضعه على رأس قائمة العظماء في تاريخ الإنسانية. لقد اهتم النبي محمد (ﷺ) في حياته بصُنع القادة، حيث استطاع (ﷺ) تربية جيل من القادة الذين كانت لديهم القدرة الفائقة على تحمل المسؤوليات الجسيمة. هؤلاء القادة كان لهم الفضل -بعد فضل الله تعالى- في استمرارية دين الإسلام وبلوغه كافة أرجاء المعمورة.

 

نيلسون مانديلا -الذي ناضل ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا- هو كذلك أحد أعظم القادة في عصرنا الحديث، ولقد قضى في السجن 27 عامًا من عمرة ثمناً لنضاله ضد العنصرية. وبعد خروجه من السجن واصل العمل من أجل المصالحة العرقية والوحدة في بلاده. حيث ألهمت رسالته عن التسامح بين الناس في جميع أنحاء العالم.

أخيرا، مارتن لوثر كينغ جونيور هو أحد أشهر القادة العظماء في هذا العصر، فقد اشتهر بقيادته لحركة الحقوق المدنية والمساواة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد اتخذ بخطابه الشهير “لدي حلم” منهج اللاعنف للحصول على الحقوق المدنية للأمريكيين من أصل إفريقي. لقد ألهمت رسالته عن العدالة والمساواة أجيالاً من الأميركيين، ولقد ترك نضاله بصمة لا تمحى في التاريخ.

في الختام، القيادة فن يتطلب مجموعة استثنائية من المهارات والصفات. يمتلك القادة المُلهمين الرؤية الواضحة والنزاهة والرحمة. يقدم القادة المُلهمين التوجيه والإرشاد، ويحفزون ويلهمون، ويخلقون شعورًا بالولاء والانتماء بين أفراد مجتمعهم. كان لقصص القادة العظماء مثل النبي محمد (ﷺ) ونيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ جونيور تأثير كبير ودائم حتى اليوم بفضل ما تميزوا به من صفات قيادية فريدة.

 

بقلم الدكتور/ فهد بن ناصر العنزي

26 نوفمبر 2023 م 

للاطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا ) 

 

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى