المقالات

“فيه الف شيء”

كم مرة سألت شخص قريب كان أو بعيد ما بك وكان الجواب ما في شيء واكتشفت بعدها أنه بداخله ألف شيء؟؟ كم مرة سُئلت ما بك وكان جوابك ما في شيء وأنت بداخلك ألف شيء؟

تحت واقع عبارة “ما في شيء” يكمن سر جبروت الروح وقوة الإرادة التي تتحدى الظروف والصعاب بصمت، هؤلاء الجبابرة النساء والرجال الذين يخبئون وراء ابتساماتهم الصلبة وجوابهم البسيط عواطفهم العميقة وضغوط نفوسهم الرهيبة. إنهم يحملون عبء العالم على أكتافهم دون شكوى، يخفون وجعهم ويقاومون ضغوط الحياة بكل استقامة وإصرار، ولا يسمحون لأحد باستضعافهم أو التقليل من قيمتهم.

ووراء كلمة “ما في شيء”، تكمن قصص البطولة الحقيقية لأولئك الذين يسمعون صوتهم دون صخب، ويسيرون بثقة وثبات رغم الجروح العميقة التي ترسمت على قلوبهم. ربما يكونون قد تحدثوا ولكن لم يجدو أحد يستمع لهم، وربما قد تعبوا ولم يجد أحد الانتباه، إلا أنهم يستمرون في القتال بكل بسالة وإصرار، محتفظين بكرامتهم وقوتهم الداخلية بكل صمود وتماسك.

فهؤلاء هم جبابرة الروح الذين يرفضون الاستسلام للظروف ويبقون صامدين في وجه تحديات الحياة، محافظين لأنفسهم مشاعرهم وكرامتهم، حيث إنهم يمثلون القوة الهادئة والصلابة الحقيقية التي لا يمكن تقييدها بأي عواقب أو ضغوط خارجية،

وهؤلاء أناس يحملون هموماً لا تتكئ على أريكة الاسترخاء، واعباءً تتجاوز مقدرتهم الطبيعية حيث يحملون مسؤولياتٍ عديدة تحيل حياتهم إلى معركةٍ مستمرة ومسؤوليات لا تنتهي، فهم في حالة من السجال الدائم بين المسؤوليات المتراكمة وقوتهم الداخلية،

وهؤلاء العظماء ليس لديهم من يطيب خاطرهم ويواسيهم، وليس لديهم من يقدرهم ويعمل جاهدا وراء الكواليس، حيث يضحّون بأشياء كثيرة من أجل الآخرين دون أن يتوقعوا الشكر أو الاعتراف. فهم من يصنعون الفرق بصمت ويحملون أعباء العالم بشجاعة وإصرار لا مثيل لها. ومع ذلك، هم في محاولات دائمة لكي لا يثقلوا على من حولهم بالشكوى والبكاء.

وهم أناس حاملة عائلتها ومن حولها بأثقالهم وأحمالهم في أصعب الظروف… وهم أناس توجعوا من أناس ومن ظروف ومن مرض ومن ظلم، ومع ذلك هم حولنا يسيرون في طريقهم يخفون دموعهم التي يخفون وراءها أعباء الحياة الثقيلة التي يحملونها.

ولكن هل تعلم أن هؤلاء الأشخاص الذين يتظاهرون دائما بالقوة والثبات، يمكن أن يكونوا أكثر عرضة للانهيار الداخلي؟ للأسف نعم، معظم الأشخاص المتماسكون الأقوياء عندما يواجه صعوبات وضغوطات، لا يبكون علناً، بل يعانون في صمت تحت وطأة الأعباء التي تضغط عليهم، دون أن يجدوا من يشعر بهم، حيث ينهارون داخلياً في صمت، دون أن يشعر بهم أحد،

فالدنيا مليئة بأناس مصنوعة من الصخر، تحمل فوق طاقتها وصابرة وشاكرة وراضية بحالها لا تشكو لأحد ولا تنتظر سؤال أحد، فليس كل من قال ما في شيء عند سؤالك فهو خالي الفكر، بل كل فرد حياته فيها ألف شيء تستهلك طاقته وقدرته بشكل مستمر وليس هناك من هو خالي الفكر. ولذلك، حاول باستمرار أن تكون لطيف لين القلب هادئ مع من حولك، وكن لهم ساند في عز زحمة عقولهم.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

الثلاثاء  19مارس 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

زر الذهاب إلى الأعلى