المقالات

كن المؤلف والمنسق لقصتك

نعيش حياتنا في روتين يومي كأنه خطوط مكررة وخطوات محفوظة أو سيناريو واحد لمحرّر واحد… كأنها رحلة مخططة نسير فيها على نفس النهج وكأن شيء ما يحركنا ويتحكم بنا، وفي هذه الرحلة يبدأ الفرد في الابتعاد عن ذلك التكرار في محاولة منه للخروج عن النص بمجموعة متنوعة من الأساليب والتقنيات، ورغم ذلك، تظل هناك حاجة أساسية تفتقر إليها العديد من هذه المحاولات. حاجة إلى إعادة اكتشاف الإلهام مع الإبداع. فالسر يكمن في الوعي بالذات والاستماع لصوتك الداخلي الذي لطالما ينادي بالتعبير الحقيقي.

فنحن في حاجة لمعرفة أكبر عن أنفسنا، عن مشاعرنا، عن طرق تفكيرنا، وعن الدوافع في تصرفاتنا… نحن في حاجة لمعرفة أكبر عن علاقاتنا بمختلف أنواعها وأنماطها، كم منها مشوه ومؤذي، وكم منها صحيح ومفيد.. فنحن في حاجة لمعرفة أعمق لأفعالنا ولردود أفعالنا اليومية وحتى اللحظية مع الآخرين، ما هو أصلها ومن أين هي آتية وأين تذهب في النهاية؟

فنحن يومياً نقوم بالاستيقاظ واتباع سلسلة من الأحداث المعتادة بشكل ممل، وخلال ذلك نحن نحاول بشتى الطرق الخروج من هذه الخطوط المتكرر. خروج عن مبادئ التفرقة الرهيبة والطبقات التي تُضع بين العلم والفن وجعلهم كعالمين مختلفين… وخروج عن ذلك الفارق الرهيب الذي نراه في كثير من أعمالنا الأدبية والعلمية والفنية، وفتح أبواب الاساطير والتصورات الغير المبنية على أي أساس علمي على مصرعيها، لننير الطريق لبعض الأفكار والمواضيع التي قد تكون مختفية عن اعيننا، وذلك، من خلال استكشاف أسلوب حياة أكثر تنوعاً وإلهاماً، لتعزيز التواصل العميق مع الذات وفتح آفاقاً جديدة للإبداع والتجديد.

ولا شك اننا بحاجة للخروج أيضاً عن خطوط الاحتكار وعمليات التخزين المستمرة للمعرفة النفسية في غرف مغلقة داخل حجرات العقل المظلمة وعدم اجتهادنا في توصيلها إلا بلغة صعبة ومفردات معقدة تبعدنا مسافات عن كل ما هو جميل وبسيط… لذا، علينا استخدام لغة مشتركة للتعامل مع ما حولنا للتبسيط والتيسير وتوصيل الأفكار والمعلومات النفسية العميقة والتي تصل إلى حد التعقيد أحياناً.

كما علينا أيضا الهروب من السير على دروب المألوف بعيداً عن استهلاك أنفسنا فيما هو مألوف ومعتاد… بعيدا في اتجاه استكشاف مفاهيم جديدة ومختلفة، وفتح آفاق جديدة للفهم الشخصي والتواصل العميق مع العالم من حولنا.

والابتعاد عن النظر للحياة من منظور ضيق وتفاصيل يومية روتينية كدائرة مغلقة إذا سقط جزء منها سقطت حياتنا بأكملها. وبدلاً من ذلك، علينا التحديق فيها بعيون مفتوحة نحو التجارب الجديدة والتفاعلات المثيرة فالهدف هو تحفيز إعادة اكتشاف الإلهام والإبداع في كل جانب من جوانب حياتنا، مما يضيف بُعداً جديداً ومثيراً للمسار الذي نسلكه.

فكل من حولك يريدك نسخة واحدة من نفسك… نسخة مكررة وتقليدية دون تغيير أو تعديل لذاتك. يريدون منك الاستسلام فإما أن تستسلم إما يُشعرونك بنجاح كاذب… نجاح عادي بشكل واحد لا غير له أو نجاح بأنماط متكررة، فتخرج منك نفس جديدة… نفس مزيفة متكيفة مع ما حولها في طريق مرسوم ومرتب من قبل لا تستطيع أن تحيد عنه.

فكن على علم دائم بأنك قادر على تغيير مجريات الأمور وجعلها دائماً في صفك، وقادر أيضاً على التحكم في احداثك فأنت ليس جزءاً من سيناريو محدد. بل، يمكنك أن تكون المؤلف والمنسق لقصتك وتستطيع دائماً تغيير نمطها إلى الأفضل.

وفي النهاية، حياتك هي مسرحك الخاص، وأنت بها المؤلف والممثل الرئيسي. اكتب فصولاً جديدة، وضع تحديات وأهدافاً تثير حماسك. قد تجد الجمال في التفاصيل الصغيرة وتحويل الروتين إلى مغامرة مستمرة. فاجعل كل يوم فصلاً مميزاً في روايتك الشخصية.

 

الكاتب / طارق محمود نواب

السبت 20 يناير 2024 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى