المقالات

لكل منا شمسان

هناك حكمة تقول “لكل منا شمسان… واحدة في السماء وواحدة في داخله” فالإنسان كمخلوق متعدد الأبعاد، يقدم للعالم صورة معينة تعكس ملامح شخصيته الخارجية المتوافقة مع متطلبات المجتمع والظروف الخارجية. ففي اغلب الأوقات قد نجد أنفسنا نختار الوجوه التي نريد للآخرين أن يروا ويعرفوا عنها، ونختار ايضاً الصفات والمواضيع التي قد نسمح للآخرين معرفتها، ولكن في نفس الوقت، هناك جانب آخر يبقى خفياً داخل أعماقنا بعيداً عن ضوء شمسنا… ذلك الجزء الذي لا ينبغي ابدا أن يُظْلِم.

نحن الآن لا نتحدث عن ما يحمله الداخل وما يظهره الخارج فقد طال الحديث عنه، لكني اليوم احدثكم عن أهمية الداخل وكيف يؤثر على تشكيلنا كأفراد. إن هذه الشمس الداخلية، تلك التي يغفل عن اهميتها الكثيرون… تلك التي تحمل الألوان والظلال التي تميز شخصيتنا وتمنحها ذلك العمق اللازم.

فذلك لا يعني أن نتجاهل الجانب الظاهر، لكن في نفس الوقت، يتوجب علينا فهم واحترام تلك الأبعاد الخفية، لأنها هي التي تمنحنا الواقعية والتوازن الذي نحتاجه للنمو والتطور كأفراد.

فعلى الرغم من أننا نبدو أحياناً كأننا مجرد صورة خارجية، إلا أن هناك عالماً داخلياً ينبغي لنا استكشافه واحترامه، فهو يحمل الجوانب الحقيقية والمهمة في صياغة شخصيتنا وإثراء وجودنا في هذا العالم.

فمهما توهجت شمسنا في الصباح واشرقت، فلا نراها إن كانت شمس قلوبنا مطفأة، ولا نراها إن كنا نضع أيدينا أمام أعيننا ونمنع النور من أن ينفذ إلى داخلنا ومهما أضاءت شمس الصباح وأشرقت فلن تشرق دنيانا ما دمنا لا نرى جمالها ولا نستمتع به. ولن يبزغ النهار في حياتنا ما لم نرَ جمال العالم ونعيشه. فقلوبنا لن تشرق ما دمنا لا نملأها بالأمل والرضا، ولا نجدّدها أو نحافظ على أهدافنا.

فلا يمكننا تذوق الفرح وجمال الحياة إلا إذا حافظنا على إشراقة شمس قلوبنا. فالنظرة الداخلية هي التي تحدد سعادتنا، وعلى الرغم من أننا قد نرى نفس الأشياء، إلا أن ذلك الداخل المضيء هو من يجعل الشيء ممتعاً أو يخلق لنا الظلام. فيمكن لشخص بقلب طيب أن يفرح بوردة، في حين يعاني آخر من التركيز على أشواكها. فهناك من يمتلك قلباً يحمل الجمال والسعادة أينما حل، وهناك من يبقى  قلبه مظلماً ومعتكفاً في ظلال الحزن.

إن ذلك القلب المضيء يُضيء العالم بأسره، حتى وإن كان يعيش المرّ. فهو لا يحمل همومه إلى كل مكان، ولا يروّج لها. بل يجعل عالمه أفضل، ويبدأ بالحلول دون تردد، بتفاؤله ووعيه. فلا يميل إلى الشكوى والتذمر، بل يفضل بذلك تكثيف العمل نحو الإيجابية والتقدم، محولاً النهايات إلى بدايات جديدة.

فإذا توارت شمس السماء عنا، علينا أن نستعين بضياء شمسنا الداخلية لتضيء حياتنا بأشعتها الدافئة من الأمل والرضا. ولا بد لنا من إعادة صياغة أهدافنا وإصلاح بوصلتنا للتأكد من استقامة مساراتنا، والتزامنا بالاحتفال بأبسط فرص الحياة ولحظاتها الجميلة حيث يجب أن نستعرض جمال العالم من حولنا ونتعلم كيف نتحمل مشاعر الانزعاج بطريقة أكثر نضجاً، ونقبل التحديات التي تعترضنا بكل هدوء ورضا، وأهم شيء، هو تبني “الخطة السحرية” للسعادة، حيث نضع كل ما يساهم في سعادتنا بأيدينا ونحافظ عليه بإصرار وتفانٍ.

فتخيل لحظات دون أن تُضاء شمسك، ستُحول نفسيتك إلى دمارٍ مرعب. لكن حين تمنح قلبك الحب بكل أشكاله وألوانه، تشرق شمسك وتعيش الحياة. فامنح قلبك بصدق، وأحب الناس واهتم بهم، وتعامل بلطف مع الأشياء وابحث عن الجمال في كل ما يحيط بك.

الكاتب / طارق محمود نواب

27 ديسمبر 2023 م

للأطلاع على مقالات الكاتب ( أضغط هنا )

 

سناب صحيفة صراحة الالكترونية
زر الذهاب إلى الأعلى